"إيلاف- المغرب" من الرباط: فاتن هلال بك فنانة مغربية شاملة تتمتع بصوت طربي أصيل وحسٍ فني متميّز وكاريزما وحضور ملفتين مكنوها من ولوج عالمي التمثيل وتقديم البرامج التلفزيونية، لتفرض اسمها بجدارة ضمن قائمة المبدعين الحقيقيين.

إلى جانب أعمالها الخاصة، تألقت في أدائها لروائع الطرب الأصيل، فغنت لعمالقة الفن بالمغرب والوطن العربي. وهي تحرص من خلال إطلالاتها على تقديم الفن الهادف الذي يرقى بالذوق العام مراعاةً للجمهور الذي تقدّره وتكن له كل احتراماً ومحبة.
عبّرت عن فخرها بانتمائها للمغرب من خلال تغنيها بالصحراء المغربية، واشتغالها في مجال الدبلوماسية الموازية، فضلاً عن اهتمامها بقضايا الوطن العربي، وعلى رأسها القضية الفلسطينية، من خلال مشاركتها المتميزة في أوبريت "الضمير العربي".

"إيلاف" التقت بها، وكان هذا الحوار عن سبب غيابها عن الساحة الفنية، وتجربتها في مسرح الطفل ورأيها في الأغاني المقدمة باللهجة المغربية حالياً:

*تتمتعين بخامةٍ صوتية رائعة وحضورٍ قوي، لكن الملاحظ هو غيابك المتكرر عن الساحة الفنية المغربية. هل يتعلق الأمر بوقفة تأملية طوعية أم هو تغييب قسري ومحاربة فنية؟
-هو تغييب مقصود، وأنا محاربة من طرف مجموعة من الناس منهم عبد السلام الخلوفي، معد البرامج الفنية بالقناة الثانية المغربية، فضلاً عن القائمين عن المهرجانات الذين يعرضون عن التواصل معي للمشاركة بها.
الجمهور المغربي يعرفني كفنانة طربية ومن خلال التمثيل وتقديم البرامج الفنية، لكنهم لا ينادوني للمشاركة مطلقاً عند وجود أي "تجارب" (كاستينغ) للبرامج التلفزيونية رغم إلحاحي. حيث سبق لي أن قدمت مقترحات لبرامج غنائية لفائدة القناتين التلفزيونيتين المغربيتين الأولى والثانية. وهو ما يقابل بعدم المهنية والإحترافية التي يبديها المسؤولون عن البرمجة. في المقابل، نجد أشخاصا آخرين يعملون على استقطاب زوجاتهم وصديقاتهم من أجل التقديم والتنشيط التلفزيوني على حساب الأسماء المهنية التي تتمتع بالكفاءة المطلوبة، وتتشبث بالأخلاقيات التي لا يمكن تجاوزها من أجل أهداف معينة.

*لقد سبق لك وقدمت برامج غنائية لصالح القناة التلفزيونية الثانية المغربية، ما الذي تغيّر في علاقتك بالقيمين على البرامج الفنية وأدى الى استبعادك؟
-للأسف الشديد لدينا الكثير من المحسوبية في الإعلام. وأعتبر عبد السلام الخلوفي نقطة سوداء في القناة التلفزيونية الثانية، التي سبق أن قدمت من خلالها 4 برامج. وكنت مرشحة لتنشيط برنامجي "شذى الألحان" و"نغنيوها مغربية" اللذان يتم عرضهما حالياً. وهنا لا يفوتني الحديث عما يجري بالإذاعة الوطنية التي بدورها تعاني من تحكم كل من الصحفية أسمهان عمور وزوجها العمراني في الأسماء الفنية الحاضرة. وهما يستحوذان على القرار فيما يخص الفنانين الحاضرين. وهو ما تعرضت له شخصيا أثناء تنظيم تكريم للمبدع المغربي القدير فتح الله المغاري. بداية اقترح علي مبلغ 6000 درهم (600 دولار) رغم توفر موازنة عالية. لكن الأمر لا يتعلق فقط بمشكلة مادية، خاصةً أن مشواري الفني يصل لـ16 سنة، لكن، المثير في الأمر هو أنهما كذبا على الفنان المغاري بادعائهما أنني طلبت تقاضي مبلغ 3 ملايين سنتيم (3 آلاف دولار). ولقد تلقيت منهما معاملةً مجحفة مرةً ثانية أثناء تكريم الفنانة عتيقة عمار، حيث كانا يعملان على استبعادي حتى لا ألتقي بها. و هو ما يتنافى مع شخصية الإعلامي التي تفرض عليه الحياد و المصداقية.

*بعيداً عن شاشات التلفزيون والقنوات الإذاعية، هل هناك مظاهر أخرى لمحاربتك في تظاهرات فنية مثلا؟
-ما يحزّ في صدري هو ما تعرضت له مؤخراً من طرف مجلس الجالية المغربية بالخارج الذي يرأسه عبد الله بوصوف أثناء تنظيم مهرجان Livres des stars (كتب النجوم) بمدينة مرسيليا الفرنسية. حيث اقترحتني إدارة المهرجان بالإسم للحضور، لكنني فوجئت برفض رئيس المجلس لهذا الاقتراح، ليتم إخبارهم لاحقاً بوجود فنان آخر يمكنه المشاركة دون الحصول على تعويضٍ مادي. فقد عرقلوا مساري بجميع الوسائل، ليستقر الأمر أخيراً على فنانٍ آخر، ويتم استبعادي من دون مبرر. علما أنني كنت متحمسة للمشاركة في هذا الموعد الثقافي لكي أمثل بلدي المغرب، وأبديت استعدادي لتحمل نفقات السفر والإقامة دون الحصول على أي مقابل.

وأذكر موقفاً آخر من ضمن المواقف الصعبة التي تعرضت لها، ما حصل لي في كندا من طرف رئيس الغرفة التجارية والصناعية للمغرب على هامش الاحتفال بربع قرن من العلاقات الدبلوماسية بين البلدين. فقد تعمد تشويه صورتي والإفتراء على شخصي بكوني إنسانة تسعى لخلق المشاكل.

*الملاحظ أن هناك أصواتاً غنائية بالساحة لا ترقى للمستوى المطلوب لكنها تلقى نجاحاً ملفتاً بتفاعل الجمهور والقنوات التي تتسابق للتسجيل معها والإطلاع على جديد أعمالها في مقابل تهميش أصوات طربية أصيلة، كيف تنظرين إلى هذه المسألة؟ وهل لها علاقة بالذوق العام؟
-هي مسألة تُفرض على المجتمع. وعلينا أن نعرف أن الغناء أخلاق قبل كل شيء. حينما نعاين دارجة(عامية) لا نستطيع سماعها في منازلنا لكونها شيئاً غير مرحب به، ونعاين نفس الوجوه والأسماء التي تتكرر في مقابل تجاهل المبدعين الحقيقيين، فهناك خلل ما، ويجب محاسبة الناس المسؤولين عن ذلك. 

*شاركت في أعمال تمثيلية مغربية وخليجية، إلى جانب المجال الطربي وتقديم البرامج التلفزيونية، إضافة إلى اهتمامك بفئة الأطفال فنياً، حدثينا عن هذه التجربة؟
-للأسف لا توجد مواكبة إعلامية والأطفال يعانون من التهميش في المشهد الإعلامي. شاركت في مسرحيتين للأطفال. ولقد عملت مع المخرج إدريس السبتي من خلال مسرحية "قطرة الندى" عن الجميلة والوحش، برفقة الفنانين أمين بنجلون، زهور السليماني، فاطمة نوالي، رقية نجاح، عبد الله شيشة وحمودة امرمور. والعمل يحمل رسائل عن قيم الصبر وأمانة البيئة وغيرها.
وقبلها، كانت هناك مسرحية"سندريلا". فالطفل عموماً بحاجة ماسة لهذه الأعمال المسرحية التي تهدف لترسيخ قيم ومبادئ إيجابية في نفسه، لكنه جانب يتم إغفاله على المستوى الإعلامي. وعلى مسؤولي القنوات التلفزيونية الوعي بهذه المسألة. فالتلفزيون ليس مخصصاً فقط للمسلسلات التركية المدبلجة بدارجة غير موزونة أساساً. ومن الضروري تخصيص برامج تثقيفية وإبداعية للجمهور المتعطش لها.

و هنا أسوق مثالاً آخر عن تجاهل الإعلام للفن الهادف، ويتعلق الأمر بمشاركتي مؤخراً في مهرجان فاس للموسيقى الروحية. لقد سعدت وتشرفت بوجودي في لوحة فنية عن الماء خاصةً بحفل الإفتتاح أمام الأميرة لالة سلمى، وكنت أتقدم اللوحة كفنانة مغربية إلى جانب جنسيات مختلفة أخرى مشاركة بها، للأسف لم يتناول أي منبر إعلامي هذا الموضوع.

من جهة ثانية، الفن الذي أقدمه هادف ولدي مبادئ لا أغيرها، على الرغم من وجود موجة غريبة من التلوث المسموع والمرئي مع كامل احترامي للمبدعين الجادين، أقول لغيرهم الغناء لديه أساسيات.

*الأغنية المغربية فرضت وجودها بشكلٍ كبير ولم تعد تقتصر فقط على المطربين المغاربة، فالغناء بها أصبح يغري العديد من مطربي الوطن العربي، ما رأيك في المستوى الذي تطرح به هذه الأغاني المقدمة للجمهور؟
-أحترم ذوق كل شخص، لكن من الضروري أن تظل الأغنية المغربية محافظة على هويتها، هي مجموعة مكونات أساسية إذا فقدنا أحدها، فقدنا روحها الأصيلة. والأغاني المقدمة حالياً تتمثل في كونها أعمالا عصرية.

*إلى جانب الفنانين المغاربة، تعاملت مع شعراء وملحنين من المشرق والخليج العربي، ألا تفكرين في الهجرة لتحقيق المزيد من الشهرة على الصعيد العربي؟
-أفكر في الهجرة من البلد لسبب واحد فقط، هو أنني سئمت من النفاق الفني والتلاعبات التي نعيشها. نبدع لكننا نقابل بالرفض. صراحة لم أعد قادرة على العيش في بيئة لا تحترم الذوق الرفيع وتقوم بمحاربته. أنا جد مصدومة من التلفزيون ومن المهرجانات. وهناك فئة قليلة غيورة على الفن والإبداع تحافظ على الطرب ولا تلاقي أي تشجيع أو اهتمام. فحتى لو تمت استضافة إسم معين، لا يتم تقديره بالشكل الكافي ويطلبون منه الحضور مقابل أجر هزيل أو بالمجان. أنا غيورة على وطني و يحزّ في نفسي غياب الدعم للمبدعين الحقيقيين.

*هل أنت شخصية متطلبة في أعمالك؟ وهل هناك شروط معينة تضعينها قبل البدء في أي مشروع فني؟
-إسم الشخص مهم بالنسبة لي من حيث مستوى الكلمات والألحان المقدمة. وأنا أعتبر الكلمة مهمة قبل اللحن. وأجد نفسي محظوظة، لكوني بدأت مشواري الفني مع فنانين كبار وتعاملت مع كبار المبدعين، أمثال الأساتذة حسن القدميري وعبد اللطيف الجواهري ويوسف المهنا من دولة الكويت والدكتور مانع سعيد العتيبة وأيمن تيسير في الألحان، علماً أنني سجلت أول ألبوم عندما كنت في سن السابعة عشر.

*ما رأيك في عمليات التجميل التي يقوم بها البعض. وهل هي ضرورية بالنسبة للفنانات المغربيات؟
-المرأة المغربية حباها الله بجمال طبيعي لا تحتاج للتجميل. عندنا الجمال والقبول.المغربيات من أجمل نساء الكون شكلاً وخلقاً وأخلاقاً. فهن ملكات في بيوتهن، يسعين جاهدات للإعتناء ورعاية أزواجهن وأبنائهن. المرأة المغربية ببساطة نخوة في كل شيء.
شخصيا، لن أفكر في تغيير خلقة الله لأنها أمانة وهبني إياها الخالق سبحانه. وأنا أحافظ عليها بممارسة الرياضة والتغذية السليمة والتحلي بالطاقة الإيجابية وقراءة الكتب والسفر.

*ما هو أصعب موقف تعرضت له في حياتك؟
- وفاة والدتي رحمها الله. لقد كانت فاجعة ما زلت أعاني منها لحدود الساعة، تأثرت كثيرا برحيل والدتي و لم أعد كما كنت سابقاً. أصبحت هشة، خاصةً أن وفاتها لم تكن منتظرة.

*ما هو جديدك الفني؟
-الجديد يتمثل في الجولة الفنية التي نقوم بها بمسرحية "قطرة الندى"في مدينتي آسفي وخريبكة. هناك أغنية جديدة بعنوان SMS برفقة المبدعين عبد اللطيف الجواهري وألحان الأستاذ القدميري، فضلاً عن أغنيتين إحداهما من إبداع الراحل مصطفى بغداد، والثانية بعنوان "غير شوف فيا" للفنان الراحل محمد الإدريسي وهناك عمل آخر سيجمعني قريباً مع الفنان المتألق محمود الإدريسي.