ايلاف من الرياض: شكل رحيل المخرج والممثل والكاتب حاتم علي صدمة لايزال صداها يتردد في الوسط الفني السوري والعربي على حد سواء.

يعتبر الفنان الراحل صاحب الثقافة العالية والمعرفة الوفيرة، والمخرج الذي اتفق عليه الكثير من الممثلين من سوريا حتى أقصى المغرب العربي، رائداً من رواد الأعمال التاريخية، وقدم العديد من الأعمال الاجتماعية المؤثرة والكوميدية الخفيفة.

حاتم علي في بداياته

مثل معه الكثير من النجوم الكبار كخالد تاجا، ورفيق سبيعي، ومحمد مفتاح. كما إكتشف العديد من أبرز النجوم السوريين ممن نجحوا في تحقيق شهرة عربية كتيم حسن وباسل خياط.

بداية النجومية ممثلاً
بدأ حاتم علي حياته الفنية كممثل وكان ذلك عبر مسلسل "دائرة النار" لهيثم حقي، ثم شارك في مسلسل "هجرة القلوب للقلوب"، فـ "الزاحفون " و "بنت الضرة".

من مسلسل الفصول الأربعة

في مطلع التسعينات بدأت الدراما السورية تنتشر عربياً وخاصة في الخليج العربي، شهدت تلك المرحلة تأسيساً لدراما مختلفة عن السائد ذلك الوقت من خلال المخرج السوري نجدت أنزور عبر مسلسل "نهاية رجل شجاع"، ثم "الجوارح" الذي شارك في بطولته حاتم علي.
ورغم حضور حاتم علي المميز كممثل، إلا أنه فاجأ الجميع بتحوله في نهاية التسعينات الى الإخراج التلفزيوني، بدأت رحلته كمخرج بـ "مرايا" ياسر العظمة فـ "الفصول الأربعة" العمل الذي شارك فيه معظم نجوم الدراما السورية، مثل خالد تاجا، جمال سليمان، بسام كوسا، مها المصري، انطوانيت نجيب وغيرهم.

كانت أعماله في ذلك الوقت تدخل ضمن الإطار الاجتماعي الكوميدي الخفيف والتي تعتمد بشكل رئيسي على كوميديا الموقف بعيدا ً عن التهريج والافتعال.

الزير سالم نقطة تحول في الدراما التاريخية
في رمضان 2000 عرض مسلسل الزير السالم الذي كان من إخراجه ومن تأليف الكاتب السوري ممدوح عدوان، وحقق المسلسل نجاحا ً كبيرا ًجداً رغم طول مدة عرضه حيث تمتد أحداثه على مدار 40 حلقة، وانتشر انتشارا واسعا ً حيث تسابقت الفضائيات العربية على عرضه.

تيم حسن في الزير سالم

لمسات المخرج حاتم علي بدأت تظهر بشكل جلي، بدءاً من اختياره للبناني رفيق علي أحمد كأحد أبطال المسلسل، وهو الممثل المسرحي البعيد كل البعد عن الدراما السورية، أو من خلال الحرفية العالية في تنفيذ مشاهد المعارك والمبارزات التي ميزت العمل. كل تلك دلالات وبراهين على أننا أمام مخرج مختلف عن السائد في تلك المرحلة الزمنية.
لكن النجاح الجماهيري الكبير لم يحم حاتم علي من سيف النقد حيث تساءل البعض عن السبب الذي يدفعه لعرض تاريخ العرب السيء من خلال تقديم قصة ناقة البسوس والتي تقاتل عليها العرب 40 عاما ً ـ خاصة أن المسلسل عرض في سنة الانتفاضة الفلسطينية.
كان من الممكن أن يستند على النجاح الجماهيري ويتجاهل هذه الانتقادات لكنه وافقهم على ذلك وبدأ العمل على مسلسل "صلاح الدين الأيوبي لم يحقق العمل نجاحا ًجماهيرياً كبيرا ً لكن يكفي أنه جمعه بالكاتب والمؤلف وليد سيف لتبدأ ثنائية هي الأهم لينتج عنها بعد ذلك مجموعة من أهم المسلسلات التاريخية.

رباعية الأندلس التي لم تكتمل
بعد مسلسل صلاح الدين بدأ مشروع كبير جمع حاتم علي بالكاتب وليد سيف فكانت باكورة أعمالهم مسلسل "صقر قريش" والذي يحكي قصة هروب عبدالرحمن الداخل من الشام إلى الأندلس ثم إنشائه للدولة الأموية في الأندلس، بعد ذلك قدم "ربيع قرطبة" والذي يتناول التحول خلال فترة من أزهي عصور الأندلس وهي خلال عصري عبد الرحمن الثالث (الناصر) وولده الحكم المستنصر، ويركز المسلسل على قصة (محمد بن أبي عامر) القادم من الجزيرة الخضراء طالبًا العلم في مدينة قرطبة وتحوله من تاجر وأجير إلى حاكم الأندلس. وكم كان جريئا ً حاتم علي عندما اختار تيم حسن بطلا ً لذلك المسلسل.
ثالث هذه السلسلة كان مسلسل "ملوك الطوائف" عن فترة ملوك الطوائف بعد سقوط الخلافة الأموية في الأندلس، ونشوء الدويلات الصغيرة المتناحرة في مدن الأندلس العربية، هذا العمل يراه العديد من المراقبين والنقاد هو ذروة سنام أعمال حاتم علي ووليد سيف وأهم أعماله التاريخية قام ببطولته تيم حسن وسلاف فواخرجي و شارك فيه العديد من النجوم كأيمن زيدان وجمال سليمان والنجم المغربي محمد مفتاح ، وهنا تكمن أهمية العمل وقوة المخرج أن يرضى نجوم كبار بالظهور في أدوار ثانية ليكونوا جزءاً من هذا العمل التاريخي المهم.

رباعية الأندلس لم تكتمل إلا بتقديم مسلسل "سقوط غرناطة" وهو المسلسل الجاهز نصا ً والذي بقي يتأجل عاما ً بعد عام منذ انتهاء ملوك الطوائف 2005.

ابن الجولان والتغريبة الفلسطينية
تكمن أهمية هذا العمل بالنسبة لحاتم علي كونه أجل مشروع مسلسل ملوك الطوائف ليقدم "التغريبة الفلسطينة" الذي يلقي الضوء على القضية الفلسطينية، من خلال قصة أسرة ريفية فلسطينية تبدأ أحداثه في الثلاثينات من القرن الماضي، مرورًا بالعديد من الأحداث الهامة، وصولاً الى نكسة يونيو عام 1967، وكيفية صمود أفراد الأسرة على الرغم من كل ما واجهوه من أخطار الحرب، وأكثر ما ميز العمل أنه قدم المواطن الفلسطيني بشكل انساني واقعي بعيدا ًعن الملائكية التي اعتدنا مشاهدتها للمواطن الفلسطيني.
من أشهر مقولاته بعد المسلسل "لست فقط أحد أبناء الجولان المحتل الذين عاشوا تجربة تتقاطع مع التغريبة الفلسطينية، لكنني أيضا عشت طفولتي وشبابي في مخيم اليرموك وكنت في عام 1967.
كثيرا ما سئلت كيف لمخرج غير فلسطيني أن يقدم عملاً عن هذه القضية فكنت أقول إن قضية فلسطين قضيتنا جميعا".

الملك فاروق
كان نص مسلسل الملك فاروق للكاتبة المصرية "لميس جابر" جاهزا ً منذ سنوات، وشاءت الأقدار أن يتم اختيار المخرج حاتم علي لإخراج هذا العمل، هنا كثرت الأسئلة في الصحافة المصرية عن سبب اختيار مخرج سوري لعمل يحكي سيرة آخر ملك مصري.

الملك فاروق

وإزداد الجدل بعدما قرر حاتم اسناد دور الملك قاروق لمواطنه تيم حسن هنا بدأت التساؤلات من الصحافة عن هذا الاختيار وكيف لممثل سوري أن يجسد شخصية ملك مصري؟! كان الموضوع حساس من جميع النواحي سياسيا ً وفنياً، الا أن النتيجة كانت مذهلة.

فبعيدا ً عن الجدل السياسى المثار حول العمل قوبل المسلسل بحفاوة بالغة نقدياً وجماهيرياً نظراً لتميزه اللافت خصوصاً على المستوى الإخراجي. ويمكن القول بأنه كان بمثابة نقلة نوعية في تكنيك صناعة المسلسلات المصرية، حيث أن التفوق الكبير للعناصر الفنية للعمل بالإضافة لرؤية المخرج حاتم علي المبتكرة جعلت المتفرج المصري يشعر وكأنه يشاهد فيلماً سينمائياً مبهراً مدته 33 حلقة. بعكس الأسلوب التقليدي الذي اعتاد على متابعته في الدراما التلفزيونية المصرية فكان هذا العمل نجاحا ً جديدا ً يحقق لحاتم علي ولكن هذه المرة في مصر هولويود الشرق ومصنع الدراما العربية.

بعد النجاح الكبير الذي قدمه حاتم علي في المسلسل كان من المنتظر أن يتولى اخراج الفيلم _الحلم _ بالنسبة للميس جابر وزوجها الفنان يحي الفخراني وهو فيلم يروي سيرة "محمد علي" مؤسس مصر الحديثة لكن العمل توقف لظروف إنتاجية.

عمر .. تجربة تاريخية جديدة
النجاح المتوالي لحاتم علي في أعماله التاريخية جعله يقدم على خطوة خطيرة وهي تقديم مسلسل عن الخليفة عمر بن الخطاب، هذا الملف المغلق والممنوع الفتح بعدم تمثيل شخصية الرسول أو أي من الخلفاء الراشدين والصحابة.
تاريخياً تم عمل العديد من المسلسلات التي تتكلم عن الدعوة الإسلامية وبدايات الإسلام ولكن كانت تقدم دون تجسيد تمثيلي لأي من هذه الرموز لرفض المؤسسة الدينية ذلك فأشهر عمل تاريخي عن الإسلام كان الرسالة ولكن دون تجسيد تمثيلي للرسول ولخلفائه.
حظي مسلسل "عمر" بانتاج ضخم وتم تحت اشراف رجال دين وبمشاركة خلية عمل من التقنيين وإستمر الإعداد له لمدة سنتين لتكون النتيجة أضخم عمل عن التاريخ الإسلامي. حاولت جهات عدة إيقاف العمل ومنع عرضه ولكن يحسب للجهة المنتجة ولقناة mbc عدم الرضوخ للضغوطات وفعلا تم عرض المسلسل في رمضان 2012 وحقق نجاحا ً كبيرا ذلك الوقت.

أعمال اجتماعية مميزة
من يرى مسيرة حاتم علي الإخراجية يظن أنه لم يقدم سوى الإعمال التاريخية، لكنه في الواقع قدم أعمالاً اجتماعية مهمة جداً، وعلامات في الدراما السوريا بدءاً بالفصول الأربعة العمل الاجتماعي الذي دخل كل بيت عربي بحميميته وقربه من الجميع، ثم "عصي الدمع" وهو من تأليف زوجته الكاتبة دلع الرحبي، ويعتبر أحد أهم الأعمال التي ناقشت قضايا المرأة العربية، والتطرف الديني، والتحرش، وقضايا الأحوال الاجتماعية وتم تسميته عصي الدمع كإهداء وتقدير من صناع العمل لأم كلثوم.
وكان له عمل "أحلام كبيرة" المسلسل الذي قدم العديد من الأفكار عن الأحلام الطموح ، والمصاعب التي تواجه البشر في تحقيق ذلك .
وعلى الصعيد الرومانسي قدم "الغفران" والذي يحكي قصة حب رومانسية لبطلين التقيا على أكثر من صعيد، عن الحب والأسرة وظروف المجتمع الحياتية التي تقام مثل هذه العلاقات الحالمة.

قلم حمرة والثورة السورية
أنتجت أعمال عديدة تتحدث عن مآساة المواطن السوري والثورة السورية، لكن حاتم علي قدم مع الكاتبة يم مشهدي مسلسلاً مميزاً بعنوان "قلم حمرة " تدور احداثه حول حياةَ كاتبة السيناريو (سلاف معمار) التي اعتقلتها المخابرات السورية في إحدى مظاهرات العام 2013 السلميّة وهي "تنادي بالحرّيّة." تسجن وتغتصب ويجمعها الحبس بسجينة أخرى تفتحُ معها نقاشاتٍ كثيرةً حول الدين والعلمانيّة والحجاب والثورة السوريّة والاختلاف بين المطالبين بالحرّيّة.

ناقش قلم حمرة بجرأة شديدة العديد من المواضيع المسكوت عنها فإنتقد نظام البعث في سوريا، وتطرق لمواضيع حساسة كالأقليّة الكرديّة، والمثليّة، والدين، بالإضافة الى الملل الزوجي.


نجوم ومخرجين كثر
أعطى حاتم علي فرصا ً للعديد من الفنانين والمخرجين الشباب الذين باتوا نجوم الساحة الفنية حالياً كـ ( تيم حسن، قصي خولي ، مكسيم خليل، باسل خياط ونسرين طافش) ، والمخرجين ( الليث حجو ، المثنى الصبح ).

إهتم حاتم علي كان بالموسيقى التصويرية كثيراً، فكانت هناك عدد من الأعمال التي جمعته بالموسيقار الأردني طارق الناصر والموسيقار السوري اياد الريماوي.
رحيل حاتم علي كان مؤلم جداً لأسرته ولمحبيه ولجمهوره، وشكل خسارة كبيرة لمخرج يندر وجوده نجح في أن يحجز لنفسه مكاناً بارزاً بين مخرجي الدراما العربية، ويضع بصمته الخاصة. وظل يعمل حتى آخر دقيقة في حياته.

آخر أفلامه سلام بالشوكلاته عن عائلة سورية هاجرت إلى كندا شارك فيه كممثل