إيلاف من القاهرة: لازال الحديث مستمر عن التجربة السعودية المختلفة فيلم ( بلوغ )، الفيلم الذي تبناه مهرجان البحر الأحمر السينمائي وعرض في افتتاح مسابقة " آفاق السينما العربية " بمهرجان القاهرة السينمائي الدولي في دورته الـ ٤٣ .

خمس قصص وهي ( كريمة سمية، الضباح، حتى نرى النور، المرخ الأخير، مجالسة الكون) لخمس مخرجات سعوديات ( نورا الأمير، سارة المسفر، فاطمة بنوي، هند الفهاد، جواهر العامري )

أفلام تتحدث في جرأة شديدة عن المشاكل التي تواجه المرأة في السعودية وفي الوطن العربي عموما ً، سواء أكانت مشاكل اجتماعية أو جسدية.

تابوهات حساسة ويصعب نقاشه وطرحها ولكن يحسب للمخرجات خصوصا ً (سارة ، هند وجواهر ) الذهاب لمنطقة حساسة لا يتم الحديث عنها، والجرأة في طرح هذه الأفكار واستفزاز المشاهد لتلقي مثل هذه الأفكار.

ففي فيلم سارة مسفر تم طرح موضوع الإجهاض وهو الموضوع المربك بالنسبة للمجتمع السعودي سواء من ناحية دينية أو اجتماعية، إضافة لمناقشة وجود الرجل في الأسرة ومسألة أهميته و غيابه عن الأسرة كل ذلك كان بأسلوب وسرد ذكي جدا، وكانت مشاهد الفيلم والصورة فيها مكثفة بشكل كبير وأصبح هناك ثيمة خاصة تعرف بها سارة المسفر منذ فيلمها السابق (من يحرقن الليل).

فيما يخص فيلم ( المرخ الأخير ) لهند الفهاد والتي كتبته الكاتبة منال العويبيل، فتطرقت هند في هذا الفيلم لموضوعين مهمين جدا ً الأول هو وجود وسيطرة الطب الشعبي حتى هذه اللحظة في 2021 وإيمان الناس فيه بدليل أنه حتى الصيدلية المتعلمة (إلهام علي) تذهب لطبيبة شعبية بحثا ً عن الحمل، كما تم التطرق لموضوع كبر السن والوحدة خاصة إذا رافقها مرض الزهايمر.

الفيلم صور بشكل ممتاز وكان مشهد ( المرخ) والذي قدمته القديرة سناء يونس مع الممثلة إلهام علي جريئا ً جدا ً. ويحسب لهند ولإلهام كذلك أنه تم تقديمه بشكل حقيقي بطريقة لا فجاجة فيها ولوهلة شعرت أننا أمام مداوية شعبية خبيرة جدا ً.

عاب الفيلم مشاهد المواجهة في ختامه خاصة في مصارحة المداوية الشعبية بحقيقة مرضها كانت غير واقعية إلى حد ما لكن ذلك لا يقلل من أهمية الفيلم فكرة وتنفيذا ً.

فيلم (مجالسة الكون) لجواهر العامري طرح موضوع البلوغ بالنسبة للفتيات وهو موضوع شبه طبيعي في المجتمعات المنفتحة على العلاقات الأسرية لكنه لاشك موضوع حساس بالنسبة للرجال فما بالك بالنسبة للسعوديات.

والغريب تجدنا نخجل من الحديث في هذه المواضيع مع الأهل في حين نكون متفتحين مع الغرباء وبالفعل، هذا ماحدث مع بطلتنا التي تتلقى التعليمات من (غادة عبود) ـ ورغم أنها تجربتها الأولى إلا أنها كانت ممثلة جيدة جدا ً– حيث كانت توجه البطلة في كيفية التعامل مع الحياة والمجتمع ومع الرجل عموما ومع تغير حال جسمها وتحولاته من حال إلى حال أخرى، عاب الفيلم المباشرة في الطرح ولكن شاهدنا صورة مميزة تدل على موهبة بحاجة للخبرة والتجارب العديدة.

فيما يخص الفيلمان (كريمة سمية) و ( حتى نرى النور ) كانا جيدين جداً ففكرة هروب الزوجة فكرة مثيرة، وكذلك موضوع المرأة المطلقة والعيش في هذا المجتمع بدون رجل، كلا الفكرتين ذكيتان تحتملان العديد من القصص ولكن عانى النص في كلا الفيلمين وكان يحتاج للتطوير أكثر مما ينعكس على تنفيذه بشكل أجمل، وكان اللافت تألق الممثلة سوزان أبو الخير في فيلم (حتى نرى النور) فقدمت أداءً جيداً جداً في الفيلم وكانت تجربة من صالحها لاشك.

بعد نهاية الفيلم تكرر السؤال كثيرا ً عن الرابط فيما بين هذه الأفلام كقصة أو كثيمة وللحق كان السؤال والاستغراب منطقياً، فالفيلم أشبه بمجموعة أفلام قصيرة، وعدا أن الأفلام كانت لمخرجات سعوديات لا يوجد أي رابط، إضافة إلى أن ربطهم في فيلم واحد فيه تحجيم لنجاح أي فيلم فيهم، فمصير الأفلام معلق ببعضها البعض.

الفنانة والمخرجة فاطمة بنوي في نقاش صحفي بعد نهاية الفيلم

بعد الفيلم في النقاش الصحفي الذي تألقت فيه فاطمة بنوي بالرد على التساؤلات العديدة كان السؤال عن عنوان الفيلم (بلوغ) فاطمة قالت: هو أكبر من مناقشة بلوغ المرأة لسن معين .. الفكرة من البلوغ هو الإنجاز والوصول للشيء.

وبالفعل مع هذه الإنجازات والمشاريع والتألق المصاحب للأفلام السعودية يبقى السؤال هل تجاوزنا في السينما السعودية مرحلة النظر لأي فيلم سعودي شارك في أي مهرجان على أنه يجب التعامل معه كإنجاز؟ أما آن أن ننظر للفيلم كعمل فني ومناقشة جودته بعيدا ً عن جنسيته، كفيلم سعودي ! السينمائي السعودي في أشد الحاجة للرأي النقدي الناصح لتقييم عمله السينمائي. وكم أتمنى من النقاد العرب عموماً النظر للفيلم السينمائي السعودي وتقييمه كعمل فني بعيداً عن جنسية الفيلم، صحيح أن السينما السعودية لازالت ناشئة مقارنة بالعديد من الدول المجاورة لكن مع التجارب العديدة مؤخرا ً، والنجاحات التي تحققت، من المفترض أن يخضع أي عمل لنقد أكثر جدية وصراحة ويعامل الفيلم كقيمة فنية بعيدا ً عن السياق التاريخي للسينما السعودية.