في ظاهرة تتحدى النظرية القائلة بانعدام نمو الأشجار على الصخور، تشكّل الصفائح الصخرية المترامية شرق الجزائر استثناءً فريداً كسر القاعدة ولم تتوقف هذه الصفائح الصخرية عند حدودها الجمالية بتموقعها كمصدر للتنوّع البيئي.. إيـــلاف تابعت الموضوع.

كامل الشيرازي من الجزائر: الزائر لقمم الشلعلع المنتصبة على علو 1800 متر، تأسره حتما مناظر صفائح صخرية غاية في الروعة ممتدة بحظيرة بلزمة (430 كلم شرق) المتربعة على مساحة قدرها 26000 هكتار بها 447 نوعا نباتيا و309 نوعا حيوانيا منها 59 نوعا محميا، وتعد المكان الوحيد الذي تنمو فيه أشجار الأرز على الصخور، بعض هذه الأشجار يعود تاريخها إلى ثلاثمائة سنة.

وتزداد هذه التشكيلات الصخرية نضارة في صورة تعكس التنوع البيئي في الجزائر وما تزخر به من كنوز ومواقع وتشكيلات طبيعية، بهذا الشأن، يشير المتخصص quot;محمد قلوميquot; إلى أنّ الصفائح الصخرية المتواجدة بسفوح منطقة بلزمة الشرقية، تنطوي على بيئة حيوية هامة نباتيا وحيوانيا، اعتبارا لكونها مُعرّضة بصفة مباشرة لأشعة الشمس، وهو ما يساعد نمو أشجار الأرز الأطلسي على تلك الصفائح بفضل قلة الكثافة ورغم ظهورها وسط مناخ شبه جاف.

وبحسب الباحث quot;مختار عيسىquot; فإنّ الصفائح الصخرية تسجل تساقطا معتبرا للأمطار دوريا، وهو ما يشكّل احتياطيا مائيا يغذي مجموعة كبيرة من الأشجار، قد تصل إلى مائتي شجرة في الهكتار الواحد، وهو ما يمثل معطى هاما في تجديد ثروة الجزائر من الأشجار والنباتات.

بدوره، يلفت quot;محند مسعودانquot; من المعهد الجزائري للبحوث، إلى أنّ احتياطي الرطوبة تحت الصخور المتراصة فوق بعضها بعيدا عن جفاف السفح المقابل، يعطي لبذور الأشجار (البلوط، الفلين، أرز الهمالايا، الأطلسي .. إلخ) الجو الملائم الذي يسمح بنموها، ما يجعل منها تحديا عظيما على أبواب أكبر صحراء في العالم.

ويركّز quot;الصديق بن عبد اللهquot; وهو مدير جهوي للبيئة، على كون أصناف الصنوبر والبلوط تنتشر بكثرة على مستوى جبال الجزائر، بما حوّلها إلى جنات للتنوع البيئي، خصوصا مع وجود بحيرات جميلة تحيط بهذه الفضاءات الخضراء الخلابة، ما وفّر جوا مصغرا قابلا لإنتاج وتنمية أشجار الفلين وثروات نباتية وغابية أخرى.

ويذهب كل من quot;مقران فايزيquot; وquot;علي زعمومquot; اللذين اشتغلا مطولا على ملف الصفائح الصخرية في الجزائر، إلى أنّ الكتل الصخرية في جهات أخرى من الباد توفّر مناخا رطبا يسمح بنمو صنوف من الأشجار، وذاك حال شعاب جبل quot;مرجاجوquot; (400 كلم غرب العاصمة) الذي يعلو بــ429 متر على سطح البحر ، إضافة إلى منطقة الشريعة وقمة سيدي عبد القادر (1627 م)، فضلا عن بلزمة (2178 متر)، الكرن (1120 متر)، تسيمسلت (1600 متر)، جرجرة وقمتها ''لالا خديجة'' التي تصل إلى 2308 متر، إضافة إلى القالة وجبل ''الغرة'' أعلى نقطة فيها بـ 1202 متر، وكذا الأهقار والطاسيلي اللذين يصل ارتفاعهما إلى 3 آلاف متر.

وتفيد الباحثة quot;زهرة عيوازquot; أنّ حزام الطاسيلي والأهقار يحتوي على ما يربو عن ثلاثمائة صنفا نباتيا تتوزع على أصول مدارية متوسطية وصحراوية، ويتألق بينها: الطلح، الشيح، وغيرهما، إضافة إلى صنوف حيوانية أكثرها: الفهود، الأروية، الأفاعي، الغزلان، الضبيان، ناهيك عن الأسماك على غرار: السيلور، التملابيا، والباربوكس، فضلا عن مئات الطيور النادرة وأنواعا من الزواحف والحشرات.

ويروي مخضرمون أنّ الجبال الجزائرية التي تجوبها شلالات وتنطبع بمناخ متوسطي ممزوج بالصحراوي وشبه الصحراوي، ظلت مشتلة هامة للزراعة والبستنة، حيث عمد الجزائريون الأوائل إلى غرس الأشجار المثمرة من رمان وتين وزيتون، بهذا الصدد، يشرح quot;سليم حراثquot; أنّ ما يغلّف الجبال من ثلوج يساعد زراعة الزيتون، إذ تذوب ببطء وتتغلغل في مسام التربة الكثيرة الحصى وسط بساتين الزيتون المتناثرة، مثلما يزيد الماء الناتج عن ذوبان الثلج في رفع منسوب مياه الوديان ويعمل على تهييج مجاري المياه المتدفقة.