يلجأ البعض إلى الفصل والتعويض المالي، كأسلوب ابتزاز للطبيب لاعتقاده أن الطبيب ذو قدرة مالية على الدفع. وبحسب روايات عديدة فقد كان الاطباء في السنوات الماضية في بغداد والمناطق المتوترة أمنيًا يجبرون أيضًا على اجراء عمليات جراحية من قبل الجماعات المسلحة.


اطباء عراقيون يجرون عملية جراحية

بغداد: تكشف قضية اعتصام اطباء عراقيين في محافظة المثنى (270 كم جنوب بغداد) هذا الاسبوع وإغلاقهم لعياداتهم المسائية بعد صدور حكم قضائي بالسجن لمدة 18 شهراً بحق الدكتورة شذى الشطب بتهمة وفاة إحدى المريضات جراء عملية أجرتها الطبيبة قبل نحو سنة، الكثير من التهديدات والضغوط التي تمارس من قبل مواطنين وعشائر بحق الاطباء، كما تميط اللثام عن حوادث أخطاء الاطباء المتكررة والتي تسببت في حوادث وفاة للمرضى في بعض الأحيان.

وكان حكم قضائي صدر بحق الطبيبة شذى يتضمن سجنها لمدة 18 شهراً بتهمة وفاة إحدى المريضات جراء عملية أجرتها قبل نحو سنة، نسيت خلالها قطعة (شاش) في جوف المريضة مما ادى الى انسداد امعائها، وبالتالي التسبب في وفاتها.

قوانين تحمي الأطباء

وفي هذا الصدد، يدعو الطبيب كاظم شاكر حسن من بابل (100 كم جنوب بغداد) إلى ضرورة العمل على قوانين تحمي الاطباء في مثل هذه الحالات لاسيما وانهم غالبًا ما يتلقون التهديدات من اهالي المرضى في حالة حدوث اخطاء طبية هي بكل تأكيد غير متعمدة بحسب شاكر.

ويشير شاكر إلى أن الكثير من الاطباء يترددون اليوم في اجراء عمليات جراحية، اذا ما اكتشفوا أن هؤلاء الاشخاصقادمون من الأرياف او المناطق ذات النفوذ العشائري في محاولة منهم لتجنب المشاكل بالقدر الممكن.

لكن المواطن سعيد حسن (40 سنة) الذي كان ضحية خطأ طبي أيضاً حيث نسي أحد الاطباء ملقطاً معدنياً صغيراً في جوفه، يؤكد أن هناك (لا مبالاة) تجاه المرضى وأن الكثير من الأخطاء الطبية تسبب في سخط المرضى وأهاليهم.

وعلى الرغم منأن سعيد تقدم بشكوى ضد الطبيب الذي أجرى له العملية الجراحية إلا أن الأمر تمت تسويته من قبل الطبيب بالمال على حد تعبيره، ولم يفلح في أخذ حقه منه.
لكن الممرض سعد حسن من مستشفى كربلاء (108 كم جنوب غربي بغداد) يؤكد حدوث الكثير من الاعتداءات اللفظية والجسدية على طواقم (الخفر) في المستشفيات من قبل المواطنين مما يستدعي تدخل الشرطة في بعض الأحيان.

الطبيب ليث شاكر يروي من جانبه، قصة هجرة اثنين من زملائه الأطباء إلى خارج العراق العام 2010 بسبب تهديدات عشائرية لهما حيث اتهما بأنهما كانا سببًا في وفاة شاب (18 سنة) بسبب خطأ في التشخيص قاد إلى عملية جراحية غير ناجحة. وبحسب شاكر لم يصل الأمر إلى تهديدهما بالقتل، لكنهما أُرغما على دفع (دية) تعادل حوالي ستين ألف دولار أميركي.

ومنذ ذلك الوقت قررا السفر إلى خارج العراق لانهما لم يطيقا العمل داخل البلد تحت وطأة هذه الظروف.

الطبيبة شذى أدينت وفق المادة 411

وكان القاضي ماجد كاظم، الناطق الرسمي باسم محكمة استئناف المثنى، صرح بأن quot;الطبيبة شذى الشطب أدينت وفق المادة 411 من قانون العقوبات، واستناداً الى التحقيق الإداري الصادر في 23 تشرين الأول 2011، والمتضمن نسيان مادة (الشاش) الطبي في بطن المريضة هيام سوادي صالح، الذي وجه بعقوبة الإنذار للطبيبة، وفق قانون انضباط موظفي الدولة 14 للعام 1991quot;.

وفي محاولة منها لتسوية المشكلة دفعت الطبيبة دية مقدارها 30 مليون دينار لذوي المتوفية، للحفاظ على (كرامتها وحياتها المهنية)، على حد تعبيرها.

العرف العشائري

لكن الباحث الاجتماعي رحيم الاسدي يشير إلى أن هذه الحالات تتكرر اليوم كثيراً في مدن العراق، والسبب في ذلك يعود إلى نقص الوعي القانوني وسيادة العرف العشائري.

الاسدي يؤكد أن ذلك أدى إلى عزوف الكثير من الاطباء عن مزاولة مهنتهم. لكنه يلفت النظر إلى الخدمات الرديئة في المستشفيات العراقية وتفشي مظاهر الفساد والرشوة، في القطاع الصحي، وكل تلك العوامل تقلل من دور المستشفيات وتحط من أهميتها في المجتمع.

ويتلقى اطباء تهديدات من قبل مواطنين اثناء عملهم، في محاولة منهم للتدخل في عمل الطبيب، أو لتجاوز الضوابط والتعليمات التي تضعها المستشفيات.

ويقول الطبيب علي صاحب إنه على مدار سنة تعرض إلى الكثير من الشتائم والتهديدات اللفظية بسبب رفضه الاستجابة لمطالب غير محقة لبعض المرضى والمراجعين. ويرجع الباحث الاجتماعي الاسدي ما يحدث الى الحالة النفسية المقلقة للكثير من المواطنين، وتوتر اعصابهم بسبب الظروف الحياتية الصعبة للكثير منهم. ويؤكد أن ما يحدث في المستشفيات يحدث ايضًا في الدوائر الحكومية حين يؤدي سوء الفهم بين الموظف والمراجع الى مشادات كلامية تتطور الى اشتباكات.

التهديدات

وتشهد اغلب محافظات العراق ظواهر التهديدات العشائرية ضد الاطباء.

واُجبر الممرض احمد كامل في بابل على دفع مبلغ يعادل خمسة آلاف دولار اميركي بعد اتهامه بالاهمال في معالجة مريض اثناء تواجده في ردهة الطوارئ حيث تطور الأمر إلى مشادة بينه وبين المرافقين للطبيب مما اضطره إلى التعدي جسديًا على احدهم، وبموجب ذلك تحمل دفع دية كرد اعتبار للشخص المعتدى عليه من قبله.

لكن كامل يقول إنه حكم عشائري من دون وجه حق فُرض عليه فرضًا من قبل اطراف عشائرية.

ويشير الناشط المدني احمد ربيع الى أن حوادث الاعتداء على الموظفين في دوائرهم في العراق أمر يحدث يوميًا.

بينما يؤكد المحامي اسماعيل حسن ذلك حيث يعايش يوميًا العشرات من حالات الاعتداء على الاطباء والموظفين الصحيين.

دور العشائر

وعلى الرغم منأن الشيخ ماجد الكلابي يعد مهنة الطب مهنة انسانية وأن احتمال الخطأ فيها ممكن جدًا إلا أنه لا يستطيع إلا الاستجابة للشكاوى التي يطرحها البعض على الأطباء. ومقابل ذلك يرفض الكلابي تهديدات البعض للأطباء كما يرفض أن تنسب التهديدات إلى العشائر حيث يعدها تهديدات شخصية.

ضابط الشرطة حسين علي يؤكد حالات التهديدات للأطباء، ويقول إن الأجهزة الأمنية على أهبة الاستعداد لحماية حياة الأطباء وعوائلهم. وعانى الاطباء منذ العام 2003 من التهديدات الارهابية وحوادث الاغتيال أو الخطف، حيث اصبحوا هدفًا مباشرًا للجماعات المسلحة.

انحسار الأعمال الارهابية بحق الاطباء يؤكده الطبيب علاء حسن، لكن التوترات والمشادات مع العشائر في استمرار طيلة السنوات الماضية، وانها لن تنتهي في ظل غياب الوعي القانوني والاجتماعي بحسب حسن.

ويذكر حسن أنه دفع مبلغ ثلاثة آلاف دولار كـ(فصل عشائري) بسبب مشادة بين أحد المواطنين وأحد معاونيه، وتمت تسوية الامر خوفًا من تطوره الى ما لا تحمد عقباه.

ابتزاز

ويلجأ البعض إلى الفصل والتعويض المالي، كأسلوب ابتزاز للطبيب لاعتقاده أن الطبيب ذو قدرة مالية على الدفع. ويشير حسن إلى أنه في السنوات الماضية كان الاطباء في بغداد والمناطق المتوترة أمنيًا يجبرون أيضًا على اجراء عمليات جراحية من قبل الجماعات المسلحة.

لكن الطبيب حاتم حسين يعتبر التهديد للأطباء نوعًا من أعمال الإرهاب، ويطالب الاطباء بالتظاهر لإرغام مجلس النواب على الاسراع في قوانين حماية الطبيب من التهديدات الارهابية والعشائرية. وكان مجلس النواب العراقي أرجأ في العام 2012 التصويت على مشروع قانون حماية الاطباء، حيث طالب النواب بأن يكون تشريع قانون حماية الاطباء متزامنًا مع قانون ضمان حقوق المريض.