لا شك أن الفساد في الدوائر الرسمية يشكل الأرضية التي تأكل الدول من الداخل. وليس أدل على ذلك من بعض الدول الإسلامية الأعضاء لمنظمة الدول المصدرة للنفط التي تعاني من الفقر؛ لأن ريع النفط ينزل في محفظات السلطات الفاسدة أو في حساباتهم في الخارج، بينما يموت الشعب جوعاً. ولا يجد له معيلاً سوى كد يمينه وعرق جبينه. ومن هذه الناحية نهض النظام التركي الحالي تحت رعاية حزب التنمية والعدالة على أنقاض نظام فاسد؛ لكنه حولّه إلى نظام نزيه إلى درجة ما، إذ لا يمكن تزكية النظام الحالي أيضاً من جميع الأخطاء؛ بيد أن إنجازاته أكثر من إحباطاته. ويلمس ذلككل من يزور مدينة إسطنبول.


عبد الخالق همدرد:تأوي مدينة إسطنبول 14 مليون نسمة من الشعب التركي، وهي موزعة على مديريات ومناطق إدارية مختلفة، لكن التنظيم والترتيب والبنية التحتية القوية سمة تسود جميع نواحيها. كما أن بلدية إسطنبول الكبرى تبذل جهوداً حثيثة للحفاظ على جمال المدينة الطبيعي. ومن هذا المنطلق تم زرع 14 مليون وردة من طحلب بألوان مختلفة حول طرق المدينة والمناطق الخضراء والحدائق هذا العام 2013. ولا يمكن رسم صورة تلك الطحالب الجميلة بكلمات، بل هي تتطلب رؤية بالعين.

ومن أكبر إنجازات النظام الحالي أنه تمكن من تقوية اقتصاد البلاد حيث يباع الدولار الواحد بـ 1.70 ليرة تركية. وتم شطب 6 صفرات من الأوراق النقدية. كما أن تركيا ستتخلص من ديون صندوق النقد الدولي بتسديد آخر قسط منها خلال شهر أكتوبر المقبل، علماً أن تركيا لم تطلب أي دين من المؤسسات المالية خلال فترة الكساد المالي الذي قصم ظهر اقتصاد عدد من الدول الأوروبية.
ومن ناحية أخرى، أعلنت الحكومة تأمين تعليم مجاني في جميع الجامعات العامة في تركيا في جميع أصناف العلم اعتبارًا من العام الدراسي الحالي، علماً أن التعليم الابتدائي إلزامي ومجاني من قبل. يذكر أن مشروع التعليم الجامعي سيكلف 20 بليون دولار سنوياً؛ لكن الأغرب من ذلك أنه سيتم تأمين ذلك المبلغ الهائل من غرامات المخالفات المرورية فقط. ولا تفوت الإشارة إلى أن مراقبة المرور تتم عن طريق نظام أقمار صناعية.

ولا يمكن حصر المشاريع الهائلة التي تنفذها الحكومة وبلدية إسطنبول في مدينة إسطنبول؛ إلا أنني أود أن أشير إلى بعضها ليعرف القرّاء أنه يمكن للبلديات أيضاً تنفيذ مشاريع كبيرة إذا كانت مخلصة في خدمة الشعب. ورغم أن أدنى المشاريع في باكستان أيضاً تحتاج إلى موافقة الحكومة المركزية أو الإقليمية على الأقل ويتم تخصيص ميزانيات لها، ويتم استغلال المشاريع التنموية كرشوة سياسية، تمكنت بلدية إسطنبول من إنشاء ثلاثة أنفاق في المدينة بطول 400 متر و620 متراً و6 كيلومترات على التوالي، في حين تستمر الأعمال لإنشاء نفق تحت 60 متراً من قاع البحر لربط ضفتي البوسفور لتقليل الضغط المروري على الجسور فوق البسفور. وسيتم افتتاح هذا المشروع خلال شهر أكتوبر المقبل، وبذلك ستعبر السيارات البسفور في 4 دقائق فقط.

وتعرف المشاريع لتدوير الورق والبلاستيك والحديد وأشياء أخرى؛ لكن قلما فكر أحد في العالم الثالث في تدوير مدينة بأكملها؛ إلا أن ذلك يحدث في إسطنبول. ويقال إن بلدية إسطنبول أعلنت مشروعًا لتدوير مناطق مختلفة من المدينة بتكلفة 30 بليون دولار. وتحدد البلدية كل عام منطقة للتدوير، ثم تدفع لسكان المنطقة أجرة السكن لعام وتخلي المنطقة منهم لتهدم المباني. ثم تقوم بإنشاء شقق خلال عام واحد وتسلم مفاتيح شقة جديدة إلى كل صاحب منزل وتبيع الشقق المتبقية لتستعيد مصاريف البناء وتبدأ هدم منطقة أخرى لإعادة بنائها وفق المعايير الحديثة. فهل يمكن لأحد في بلدان العالم الثالث، أن يتلقى درسًا من بلدية إسطنبول؟