الانترنت مكان تُخفى فيه الهوية. فالمعلقون الذين يستخدمون أسماء مستعارة يتبادلون الاهانات تحت كل مقالة والمذكرات الاعترافية تُنشر دون خوف من التعرف على هوية صاحبها. ولكن هذا العالم الذي لا هوية له يوفر الملاذ الأمثل لمرتكبي الجرائم أيضا.


يستخدم الدكتور تيم غرانت مدير مركز اللسانيات الشرعية في جامعة آستون البريطانية طريقة مركبة لتحليل الكتابة من أجل هتك هذه الاستار والمساعدة في حل جرائم قتل ومؤامرات إرهابية بالكشف عن الشخص الذي يقف وراء الرسائل الآتية من quot;مجهولquot;. ولجأت الشرطة الى الدكتور غرانت مؤخرا لجمع أدلة جنائية تُستخدم في إصدار مذكرة دولية للقبض على جيمي ستاربك بتهمة قتل زوجته ديبي.

فان جيمي وديبي كانا في جولة سياحية حول العالم على ما يُفترض وكانا يبعثان برسائل على البريد الالكتروني الى عائلتيهما وأصدقائهما في بريطانيا ولكن شكوكا ساورت عائلة ديبي عندما تغير أسلوب كتابتها.

ونقلت صحيفة الديلي تلغراف عن الدكتور غرانت انه قام بتحليل التفاصيل من مجموعة رسائل بعثت بها ديبي وزوجها جيمي quot;لبناء سلة من السمات التي تميز أسلوب الكتابةquot;. وتوصل غرانت الى التاريخ الذي اصبح فيه اسلوب كتابة ديبي مماثلا لاسلوب كتابة جيمي ثم اتضح ان هذا التاريخ يتوافق مع يوم ارتكاب الجريمة في تحقيقات الشرطة.

وأُلقي القبض على جيمي بعد ان عاد الى لندن بصورة غير متوقعة واعترف بجريمته لاحقا.ولاحظ الدكتور غرانت ان الأدلة التي قدمها قامت بدور حاسم في مواجهة الجاني واعترافه بجريمته.
وتبين هذه الواقعة ان اللسانيات الشرعية اكتسبت أهمية متزايدة مع تزايد نشاطنا وتعاملاتنا وتفاعلنا على الانترنت. ويقول كريستوف كريدينز من الجمعية الدولية للسانيات الشرعية ان نسبة من الاتصالات التي تجري على الانترنت لا بد ان تتعلق بجرائم. وأوضح كريدينز ان المجرمين لا يتركون آثارا بيومترية على الانترنت وان مفاتيح لغوية مثل نمط التعبير الخاص بالفرد يمكن ان تُستخدم لأغراض التحقيق وجمع الأدلة.

وقال غرانت انه عمل على قضايا استخدم فيها الجناة موقع توتير ورسائل نصية ودردشة على الانترنت وان نوع الجهاز المستخدم يحدد شكل الرسائل. فالهواتف القديمة تشجع على كتابة النصوص الرقمية باستخدام حروف العلة المحذوفة والأرقام بدلا من الحروف ولكن الأسلوب أصبح ظاهرة ثقافية بعد ان تطورت الهواتف بحيث تصحح الأخطاء الاملائية آليا. ورغم ذلك يعمل كتاب الرسائل النصية على تقصير رسائلهم بطريقة متميزة في الغالب.

وقال الدكتور غرانت ان شخصا قد يحذف أداة التعريف وآخر قد يستغني عن الضمائر وثالث قد لا يستخدم المفعول به وبالتالي فان طرق الكتابة تختلف باختلاف الاشخاص.
وكانت قضية ستاربك مثالا على التحليل المقارن حيث استخدم غرانت تفاصيل متميزة للمساعدة في كشف هوية كاتب الرسائل من بين مجموعة من المشتبهة بهم.

واستخدمت طريقة مماثلة ركزت اهتمامها على تفاصيل مثل غلق البريد الالكتروني والانترنت أو اسلوب التحية في ادانة كريستوفر بيركس بقتل زوجته. إذ قال بيركس ان زوجته اماندا قضت في حريق ولكن الشرطة طلبت اجراء تحليل لغوي شرعي للرسائل الواردة من هاتف الزوجة.

وقال الدكتور غرانت ان التحقيق شمل رسائل من هاتف القتيلة خلال النهار اثبت التحليل اللغوي الشرعي انها تنسجم مع أسلوب الزوج في الكتابة. ولكن اكبر قضية ساعد فيها الدكتور غرانت على الوصول الى المطلوب هي قضية ديرن باروت الذي يُشتبه بأنه كتب مخطط مؤامرة بوصفه قائد خلية لتنظيم القاعدة في بريطانيا.

إذ تمكن خبراء اللسانيات الشرعية من التأكد بأن باروت هو كاتب الوثيقة المحفوظة في كومبيوتر محمول متضمنة خطة مفصلة لوضع اسطوانات غاز في سيارات وركنها في ساحات لوقوف السيارات تحت الأرض ثم تفجير الاسطوانات.

وقال الدكتور غرانت ان الأدلة اللغوية كانت وقت توجيه التهمة الى باروت الأدلة الوحيدة المتوفرة في القضية. وبعد ذلك جرى تحقيق واسع توصل الى طائفة كاملة من الأدلة الأخرى.
وبعد إدانة باروت بالتخطيط لارتكاب جرائم قتل جماعية في بريطانيا والولايات المتحدة حُكم عليه بالسجن المؤبد.

ويمكن ان يكشف اسلوب الكتابة عن جنس صاحب الرسالة وعمره واصوله اللغوية. وقال الدكتور غرانت ان الرجل يميل الى الاسلوب المعلوماتي في الكتابة في حين تميل المرأة الى التفاعل مع الطرف الآخر طارحة اسئلة انشائية ومتوجهة الى القارئ مباشرة. وقال غرانت انه اكتشف في قضية رسائل عنصرية وبذيئة جنسيا ان كاتب الرسائل جدة في السبعينات من العمر. كما ساعد غرانت في الوصول الى كاتب رسائل عنصرية تضمنت تعابير مشتقة من انكليزية حوض الكاريبي رغم ان صاحبها حاول تمويه هويته الكاريبية بالقول في احدى رسائله انه quot;يخجل من كونه ابيضquot;.

ويمكن استخدام التحليل اللساني الشرعي في القضايا المدنية الى جانب القضايا الجنائية. وأكثر القضايا المدنية شيوعا تتعلق برسائل مهينة وتشهيرية ينشرها شخص عن مديره أو شركته على الانترنت. لذا يُنصح الموظفون المستاءون من مدرائهم بأن يفكروا مرتين قبل ان يعبروا عن مشاعرهم على الانترنت.