يستخدم الرسم والتلوين لتوسيع ذهنيات ومدارك الأطفال المعوقين منذ سنوات طويلة، لكن الأطباء الألمان يودون الآن معالجة الخرف والنسيان لدى مرضى الزهايمر بالرسم.

&
تحدث أطباء ألمان من جامعة فرانكفورت لأول مرة عن نجاحهم في معالجة مسنين يعانون من النسيان والخرف بواسطة الفن. وهو أول مشروع من نوعه في أوربا ساهم فيه متحف شتيدل للفنون في فرانكفورت ومعهد فاميلي-شامباخ الألماني.
&
الفن يعالج النسيان
وزعت المبادرة صورًا للمسنين داخل المتحف، وأثناء ممارسة الرسم، وأخرى تظهرهم وهم يستمعون إلى مدرسي الرسم وهم يحللون لوحات بيكاسو وبوتيتشيللي ومودلياني وغيرهم، المعروضة في أروقة متحف شتيدل.
ويحتوي متحف شتيدل على آلاف الأعمال الفنية التي يعود عمر بعضها إلى 700 سنة وإلى عصر النهضة.
وأطلق أطباء جامعة فرانكفورت الطبية على المشروع اسم "آرتيمس"، وهو مختصر "الدراسة حول الفن في معالجة النسيان" الناجم عن الكهولة المتقدمة والزهايمر. ساهم معهد فاميلي-شامباخ في التجربة بمبلغ 200 ألف يورو، ووضع التجربة تحت اشراف بلدية مدينة فرانكفورت.
وظهر من الفحوصات الأولى على المسنين المشاركين في التجربة انهم نسوا زيارة المتحف، ونسوا الرحلة بالحافلة من دار العجزة إلى المتحف، بل ونسوا معلمي الفن الذين شرحوا لهم تاريخ وأسرار اللوحات، إلا انهم لم ينسوا اللوحات نفسها، ولم ينسوا مواضيعها وألوانها. ونجحوا في حصص الرسم اللاحقة بتذكر الكثير من تفاصيل الأعمال الفنية التي شاهدوها وتأثروا بها.
&
تذكرت بوتيتشيللي
والأهم أيضًا هو انهم قصوا للمعينين الطبيين في دار العجزة لاحقًا الكثير من تفاصيل اللوحات، كما تحدثوا مع أهاليهم من الزوار عن تأثرهم ببعض اللوحات وحياة الفنانين الذين رسموها.
وقال زوج إحدى المسنات انه استغرب تذكر زوجته، التي لا تتذكر اسماء كافة أولادها أحيانًا، اسم الرسام بوتيتشيللي.
يشعر المشاركون بالسعادة لأنهم "انجزوا" شيئًا من زيارة المتحف، وخصوصًا بعد العمل مع المعلمين في ورش الرسم والإجابة على الاستفسارات.
وكانت الشروحات مبسطة بالطبع، لكن التعليقات حرة وتصدر عن المسنين من دون ضغط، كما كانت الأسئلة الموجه إليهم بمثابة تبادل معلومات بين المسنين والمعلمين، ولا تأخذ شكل الامتحان.
&
سحر سمونيتا
رسم ساندرو بوتشيللي الفتاة سيمونيتا أكثر من مرة، وتحدث في أكثر من موضع عن تأثره بها ووقوعه في غرام اللوحة. لكن سحر سيمونيتا تعدى الفنان ليخترق أذهان مسنين يعانون من نسيان وخرف متأصل منذ سنوات.
ولم تفقد اللوحة، التي يقل عمرها قليلًا عن خمسة قرون، جاذبيتها للزوار وكانت على طول الخط من أبرز لوحات متحف شتيدل.
قالت إحدى المريضات إنها ودت لو تستطيع أخذ اللوحة معها إلى البيت. وأضافت أن الفتاة في اللوحة تشبهها في شبابها إلى حد كبير. وواضح أن شعور المرأة المسنة بأنها تجد ذاتها في اللوحة هو العامل الذي رسخ الصورة وألوانها في ذهنها. وهناك أفكار مماثلة طرحها بقية المسنين المشاركين في المعرض، وهم يتطلعون إلى لوحات أخرى من بيكاسو ومودلياني.
&
تأثر واضح
لا تتحدد الجولات بزيارة ومناقشة لوحات الفنانين الكلاسيكيين، وفناني عصر النهضة، لأن المشروع يرافق المسنين في جولات أخرى تشمل لوحات من الفن الحديث، ومن الأعمال التجريدية، والسريالية...إلخ.
كما تتنوع الجولات لتشمل أعمال الطبيعة الصامتة والبوب آرت ...إلخ، لكن تأثر بعض المسنين في أعمال البوتريه، وخصوصًا لوحة سيمونيتا لبوتيتشيللي، كان واضحًا.
يقف الدكتور ارثر شال، وزميلته فالنتينا تيسكي، في الخلفية دائمًا، لكنهما يرافقان المسنين في جولة المتحف مرتين في الاسبوع، ترافقهم الخبيرة بتاريخ الفن داغمار مارث من متحف شتيدل. ويعود الفضل في حصول المشروع على الدعم إلى هذين الطبيبين المتخصصين بمعالجة الزهايمر. وذكر شال أن الهدف من المشروع هو معرفة تأثير الفن على ذاكرة ومشاعر الإنسان المعاني من النسيان والعته الكهولي.
يتألف المشروع الأول من زيارات أولى المتحف طوال 7 أسابيع، سيجري لاحقًا في التجربة الثانية مدها إلى عدة أشهر، وإلى زيارات على أمد سنتين يشارك فيها 60 مسنًا، يعانون من النسيان، ويقسمون في عدة مجموعات.
&
إحياء الذاكرة الفنية
وذكر البروفيسور يوهانيس بونتل، رئيس قسم طب الشيخوخة في جامعة غوتة، أن علاقة الإنسان بالفن قديمة، "والهدف من المشروع احياء الجزء المتبقي من حب الإنسان للفن في عقله الباطن، وتحفيزه ليساهم في تحسين الذاكرة".
وعلى هذا الأساس، فأن نجاح التجربة لا يعني فقط تحقيق خطوة جديدة على طريق علاج ألزهايمر، وإنما فتح الباب على مصراعيه أمام استخدام الفن في علاج العديد من الحالات الأخرى التي قد تمتد بين انفصام الشخصية والتوحد.
ولم يجر اختيار المساهمين في التجربة على أساس تاريخهم الفني، أو على أساس مدى معرفتهم بالفن، وإنما على أساس تقدم مرض النسيان لديهم. ويمكن القول إنه تم اختيار أكثر المسنين معاناة من النسيان. مع ذلك، كان تأثر المسنين بالأعمال الفنية كبير، رغم وجود ميول واضحة نحو هذه المدرسة الفنية أو تلك لدى بعضهم، أو إلى الرسم التصويري أو الكولاج أو التقنيات الأخرى لدى البعض الآخر.
&
أجواء مرحة
للتأكد مما تحقق من نجاح، ومن تأثير الفن الايجابي على الذاكرة، سيجري الأطباء بعد فترة مقارنة الذاكرة في مجموعة المشاركين في التجربة بذاكرة مجموعة شاركت أيضًا في الزيارات، لكنها لم تشارك في النقاش والرسم مع المعلمين. كما سيجري امتحان ذاكرة المجموعة الأولى بذاكرة مجموعة ثالثة لم تشارك في زيارات المتحف مطلقًا.
وتقول مارت: "المشاركة في زيارات المتحف وفي أعمال الرسم والنقاش التي تلت ذلك خلقت أجواء مرحة بين المسنين". وبعد أحد دروس النحت، صار على زوجين مسنين أن ينحتا بورتريه بعضهما من الذاكرة، ولم تكن النتائج مشجعة فنيًا كثيرًا، لكنها أشاعت أجواء المرح بين المشاركين، علمًا أن مصادر وزارة الصحة الألمانية تتحدث عن 1,5 مليون مسن يعانون من الأعراض الملازمة لألزهايمر والعته الكهولي، 15 ألفًا منهم في مدينة فرانكفورت فقط.&
&
ساعة خاصة
طور معهد فراونهوفر الألماني المعروف ساعة يدوية للمسنين، وللمعانين من الزهايمر على وجه الخصوص. وتعمل الساعة كجهاز لقياس النبض وضغط الدم والحرارة، وترسل كل هذه المعلومات إلى المستشفى. كما هي مزودة بنظام الكشف عن المواقع عبر الأقمار الصناعية، في حالة ضياع المسن، وبأنظمة أخرى عديدة تعين المعاني من الزهايمر في العيش بمفرده وبأقل مساعدة ممكنة من الآخرين.&
وقالت مصادر المعهد إن النموذج الأولى من الجهاز يحتوي على عدة وظائف طبية واجتماعية، لكنه من الممكن دائمًا إضافة برامج الكترونية خاصة بحالة كل مريض على حدة. وكمثل فإن هناك جرس يذكر الإنسان المسن بضرور اطفاء الطباخ، أو بضوء أحمر يذكر المريض حين يحل وقت تناول دواء مهم ما، أو بضوء أخضر يذكر المريض بضرورة شرب الماء تجنبًا لحالة الجفاف الشائعة بين المسنين.
&
كبيرة نسبيًا
المهم أيضًا أن الساعة يمكن أن تعمل كهاتف للاتصال ببعض الأطباء والقارب، كما يمكن أن تربط بالكومبيوتر أو بالأجهزة الأخرى لتفحص البيانات التي سجلتها حول سرعة القلب ودرجة حرارة الجسم...إلخ.
والساعة كبيرة نسبيًا، ولا تعمل بالحروف والأرقام وإنما بالصور والأشكال الواضحة التي يتمكن المسن بنجاح من التمييز بينها.
وهذا النوع من ساعة المسنين مخصصة للذين لايعانون من مشاكل في النظر، أما المسنين المعانين من ضعف النظر فيمكنهم الاستعانة بساعة تؤدي وظائفها بأن تطلق صوتًا يحادث المسن ويذكره ببعض مستلزمات حياته اليومية.
&
&
&