أعطى البرلمان التركي موافقته على التدخل، لكن الأكراد الذين يتابعون بقلق السقوط المرتقب لعين العرب (كوباني) لا يعتقدون أن أنقرة سترسل جيشها لإنقاذ المدينة الحدودية السورية التي يحاصرها "داعش". ويرى مواطنون أكراد أن تصويت البرلمان ليس سوى ذر للرماد في العيون، وأن تردد الحكومة التركية يظهر عدائية الدولة للأكراد.


أنقرة: على مسافة قريبة من الاسلاك الشائكة التي تفصل بين البلدين، يراقب نور الدين بايك، وهو يشد قبضة يديه، سحبًا من الدخان الاسود فوق كوباني، بعدما وصل مسلحو الدولة الاسلامية الى ابواب المدينة، حيث تدور معارك شرسة. ويقول الكردي التركي: "لا ننتظر شيئا من الجنود الاتراك، فالجيش التركي لا ينوي ابدًا شن هجوم، ولو محدودا، ضد مقاتلي الدولة الاسلامية، وهذا القرار سيبقى حبرًا على ورق".

وبعد ساعات من النقاش، وافق النواب الاتراك بغالبية مطلقة مساء الخميس على تدخل عسكري محتمل في سوريا والعراق، كما وافقوا ايضا على تمركز قوات اجنبية في تركيا من المحتمل ان تشارك في عمليات ضد الجهاديين. واعلن رئيس الوزراء التركي احمد داود اوغلو ان بلاده ستبذل "كل ما في وسعها" لمنع سقوط ثالث مدينة كردية سورية بأيدي الدولة الاسلامية.

الأولوية لبشار
لكن داود اوغلو او رئيسه رجب طيب اردوغان لم يؤكدا ابدا عزمهما المشاركة فعلا في الضربات الجوية التي يشنها التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة، او بارسال الجنود الى ما وراء الحدود. ودعا اردوغان الى "ضرورة محاربة" الجهاديين، لكن الاولوية تبقى "لرحيل النظام السوري" برئاسة بشار الاسد.

ويرى اورهان اتمشا ان تصويت البرلمان ليس سوى ذر للرماد في العيون. ويضيف الرجل الخمسيني ان "تردد الحكومة التركية (في التدخل) يظهر عدائية الدولة للاكراد. لقد فقدنا الثقة في تركيا، وسيكون علينا تدبير امورنا بانفسنا". ومثله كثيرون من اكراد تركيا، الذين يؤكدون قناعتهم بان قادتهم منشغلون قبل اي شي آخر بتعزيز مكانة حزب العمال الكردستاني اكثر من انشغالهم بمواجهة التهديد الجهادي. والحركة الكردية في تركيا في حالة تمرد منذ العام 1984 وتخوض معارك مع تنظيم الدولة الاسلامية في العراق وكذلك في سوريا بدعم من الدول الغربية.

تراخ ومعايير مزدوجة
من جهته، يقول جعفر سيفين "في السابق، التزمت تركيا بقواعد الاشتباك، وردت على كل رصاصة اطلقها حزب العمال الكردستاني على اراضيها، لكنها لم تتحرك هذه المرة عندما استهدفت الدولة الاسلامية اراضيها بقذائف هاون". وقد سقطت قذائف عدة في الاسبوع الحالي قرب معبر مرشد بينار الحدودي، فقام الجيش التركي بنشر حوالى خمسين دبابة وعربة مصفحة في القطاع، لم تطلق اي قذيفة حتى الان.

ويؤكد اكراد كوباني ان بامكانهم وحدهم رد هجوم الجهاديين من دون مساعدة تركيا ورغم محدودية الضربات الجوية للتحالف الدولي. ويقول حسين حلاق، الذي فر امام تقدم الدولة الاسلامية باتجاه كوباني، واصبح لاجئا في تركيا "لن نستسلم ابدا، حتى لو استمر ذلك عاما بكامله، سيقاوم رفاقنا حتى اخر نقطة دم".

من ناحيتهم، يرغب العديد من "اشقائه" الاكراد في تركيا الذين يتوجهون يوميا الى التلال المحاذية للحدود لمراقبة حصار كوباني بوساطة المناظير، في تحقيق الانتصار الذي يبدو غير محتمل اكثر فاكثر.

وتبدي ملكة اذوربايبيف، وهي مدرسة، غادرت منزلها في محافظة ماردين المجاورة، مع طفليها للمجيء الى الحدود، ان "العالم وتركيا يلتزمان الصمت حيال هذه المأساة. لن نعود ما لم يتوقف حمام الدم هذا، ولم ينهزم وحوش الدولة الاسلامية".