اكتشفت إيبا اكيرمان، التي تدرّس اللغة السويدية لمهاجرين، أنها الإسكندينافية الوحيدة التي يتواصل معها طلابها، لذلك قررت جمع سويديين وطالبي لجوء حول العشاء، في مبادرة لقيت ترحيبًا، رغم صعود اليمين المتطرف في البلاد.

إستوكهولم: قالت إيبا (31 عامًا) لفرانس برس "بدأت العمل في مطلع السنة كمدرّسة، وكنت متحمّسة للتعرف إلى طلابي أكثر فأكثر. وسرعان ما اكتشفت أنني السويدية الوحيدة التي يتكلمون معها. لذلك وجدت أنه من الضروري الخروج من هذا الوضع، وجاءتني فكرة دعوة مهاجرين إلى العشاء مع سويديين".

ظهرأنه لا يوجد شيء يكسر الجليد بين مجموعة من الأشخاص أكثر من تناول طعام العشاء معًا. وتقول إيبا إنه ما على "الضيف سوى إضافة صحن أو صحنين على طاولته لاستقبال مهاجرين، وأن يتبادل الحديث مع ضيوفه". فتحت إيبا صفحة على موقع فايسبوك، أطلقت عليها اسم "وزارة الدعوات" للاتصال بسويديين مستعدين للمشاركة في هذه المبادرة.

فور علم جيني سيغورز الملحقة الصحافية، البالغة الثانية والأربعين من العمر، وأوربان سودرمان المسؤول التجاري، البالغ السابعة والثلاثين من العمر، بالمبادرة، حتى تطوعا للمشاركة فيها. وكانت النتيجة أنه في إستوكهولم وحدها تمت مئة دعوة على العشاء خلال آذار/مارس مع مهاجرين، وانتقلت العدوى إلى مدن أخرى في السويد وخارجها. حتى إن عشاء من هذا النوع جرى في أثينا، وانتقلت المبادرة لاحقًا إلى فيلنيوس وسنغافورة ونيودلهي وزيوريخ ونيومكسيكو في الولايات المتحدة.

يلاحظ أن الهجرة المكثفة إلى السويد حديثة العهد، وهي تزداد اتساعًا. وتشير الأرقام الرسمية إلى أن أكثر من عشرين بالمئة من السكان لديهم جذور من خارج السويد. وتقول جيني "نتساءل دائمًا عما يمكننا تقديمه لمساعدة الناس الذين يصلون إلى هنا. إن فتح باب المنزل لاستقبال مهاجرين شيء بسيط وملموس ومفيد".

ومساء يوم ثلاثاء، وفي الساعة 18:30 بالتحديد، قرع السوري ميخائيل زهير، البالغ التاسعة والعشرين من العمر، باب منزل جيني الجميل في ضواحي إستوكهولم، وهو يحمل باقة من الورد. وقال وهو يدخل المنزل "في بلادي إذا كنت مدعوًا إلى العشاء، ودخلت من دون زهور، فإن المضيف لن يدعوني مرة جديدة إلى منزله". ومن دون تكلف، يجلس ليتقاسم الطعام مع أهل المنزل، وهو عبارة عن سلمون وبطاطس وكعكة تفاح. ولم يخف ميخائيل سروره بهذه الدعوة إلى مشاركة العائلة السويدية طعام العشاء.

وقال راويًا كيفية إطلاعه على هذه المبادرة "سمعت رفاقًا لي يقولون إنهم تناولوا طعام العشاء مع سويديين، حيث تناقشوا معهم، وكان الجو لطيفًا للغاية. عندها قلت: وأنا ماذا أنتظر للقيام بالمثل". وهكذا سجل اسمه، وجاءته دعوة جيني لتناول العشاء. وأضاف ميخائيل "وصلت إلى السويد قبل عشرة أشهر، ولا بد من التحادث مع سويديين، إذا كنت أريد الاندماج. وأنا أحاول حاليًا التكلم بالسويدية مع رفاقي، فنفعل ذلك لمدة دقيقة، قبل أن نعود إلى اللغة العربية".

أمام الأسئلة التي طرحها مضيفوه عليه، يروي ميخائيل قصته. فهو مسيحي كان يعيش في مدينة صغيرة قرب الحدود مع تركيا، ووجد بعد فترة أنه لم يعد مطمئنًا إلى حياته، فقرر المغادرة. وأضاف "أنا كهربائي، ولم يكن التيار الكهربائي يصل إلينا أكثر من ثلاث ساعات في اليوم، فقررت المغادرة". انتقل في البداية إلى حمص، حيث كان الوضع سيئًا. وتابع "قال لي والدي إنه من الأفضل أن أغادر، فاخترت السويد، لأن جدي استقر فيها قبل 23 عامًا، وعلمت أن الحكومة قد تقدم إلينا المساعدة. وأنا اليوم أشعر بطمأنينة".

يضيف ميخائيل "أولًا لا بد لي من إتقان اللغة السويدية بشكل جيد، ثم معادلة شهاداتي في مجال الكهرباء، ثم إيجاد عمل". وهو تخلى في الوقت الحاضر عن هوايته الأساسية لعبة كرة القدم. ويقول بهذا الخصوص "على كل حال من الصعب عليّ أن أركض في هذا الطقس البارد". ويقول أوربان عن ميخائيل "نلاحظ تصميمه الأكيد، وآمل بأن نبقى على اتصال ومواكبته في مسيرته".

وتفيد المعلومات أن سويديًا من أصل خمسة لا علاقة لهم بأي شخص خارج أوروبا، وفي أيلول/سبتمبر الماضي، حقق اليمين المتطرف تقدمًا في السويد، وبات الحزب الثالث في البلاد جامعًا 12.9% من الأصوات. وتختم إيبا قائلة إن "مبادرتي تساعد على إقامة الاتصال الأول، والاندماج يبدأ دائمًا على المستوى الفردي".

&

&