لا ينكر أستاذ العلوم السياسية في جامعة القاهرة الدكتور حسن نافعة شعبية السيسي الكبرى في مصر، إلا أنه يراها أمام امتحان صعب، وهو محاكمة مبارك، إذ ينبغي عليه الوقوف على الحياد وعدم الانحياز لمصلحة النظام البائد، لأن القوى الثورية التغييرية الحقيقية التي رفضت حكم الإخوان، لا تريد البتة استبداله بنسخة عن حكم مبارك.
صبري عبد الحفيظ من القاهرة: الدكتور حسن نافعة، أستاذ العلوم السياسية في جامعة القاهرة، واحد من السياسيين البارزين في مصر والعالم العربي. لم يكتفِ بعمله الأكاديمي، بل مارس النضال السياسي السلمي ضد نظام حكم الرئيس المصري السابق. فقد انتخب بإجماع القوى السياسية منسقًا عامًا لـ "الحملة المصرية ضد التوريث"، لمشروع نقل السلطة من مبارك إلى نجله الأصغر جمال، والذي شكل تهديدًا مباشرًا للنظام الجمهوري في مصر، وهو الذي نظم الاجتماع الذي عقد مع الدكتور محمد البرادعي في منزله، ودعا إلى المشاركة فيه رموزاً من كل القوى المناهضة لنظام مبارك. وقد أسفر هذا الاجتماع عن تأسيس "الجمعية الوطنية للتغيير"، واختير الدكتور نافعة منسقًا عامًا لها، وتكلل نضالها بخروج المصريين في ثورة 25 يناير السلمية.
ورغم خلافه مع الدكتور البرادعي، فقد استمر الدكتور نافعة في نضاله بعيدًا عن الأحزاب السياسية القائمة من أجل الوصول إلى عملية تحول ديمقراطي حقيقية في مصر، إلا أن آماله خابت في القيادة التي تولت إدارة البلاد خلال المرحلة الإنتقالية الأولى، كما خابت في جماعة الإخوان، التي تولت قيادة المرحلة الانتقالية الثانية عقب انتخاب محمد مرسي رئيسًا، وشارك في الثورة على حكم الإخوان، ودعم حركة "تمرد"، وطالب بخروج الجماهير في 30 يونيو/ حزيران 2013، ثم خاب أمله في القوى المدنية على مدار أربع سنوات، بسبب فشلها في حماية عملية التحول الديمقراطي وضمان تأسيس نظام يتسع للجميع وقابل للدوام والاستقرار.
زاد شعور نافعة بخيبة الأمل، وربما بالإحباط عقب حصول الرئيس السابق حسني مبارك ورموز نظام حكمه على البراءة في قضايا الفساد وقتل المتظاهرين. التقت "إيلاف" مع الدكتور نافعة في مكتبه في جامعة القاهرة العريق، وأجرت معه حوارًا مطولًا تنشره على جزأين.
في الجزء الأول من هذا الحوار، الذي ننشره اليوم، أكد الدكتور نافعة على أنه لم تكن لدى قيادة الجيش المصري، في المرحلة الانتقالية الأولى، ولا لدى جماعة الإخوان في المرحلة الانتقالية الثانية، أية رغبة حقيقية في محاكمة مبارك بشكل جدي، غير أنه استبعد في الوقت نفسه أن تكون السلطة التنفيذية برئاسة عبد الفتاح السيسي قد تدخلت في القضية أو حاولت التأثير على سير العدالة، رغم ما يقال عن وجود ضغوط سعودية إماراتية، مؤكدًا أنه لا يمكن توجيه اللوم إلى القاضي، لأنه حكم بمقتضى ما توافر لديه من أوراق.
ويعتقد الدكتور نافعة أن زكريا عزمي، رئيس ديوان رئيس الجمهورية السابق، قام بطمس وإخفاء كل الأدلة التي تدين مبارك ونظام حكمه، لاسيما أنه ظل يمارس عمله في القصر بعد إزاحة الرئيس السابق من الحكم لمدة ثلاثة أشهر.
وأشار في حديثه إلى أن نظام حكم السيسي يبدو في نظر الكثيرين أقرب ما يكون إلى نظام مبارك، وليس إلى نظام كانت تطمح إليه الثورة، مطالبًا إياه باتخاذ مجموعة من الإجراءات لنفي هذا الإتهام عنه نفسه، حتى لا يخسر شعبيته، التي لا تزال كبيرة في الشارع. ولفت إلى أن القوى المدنية تعاني من الإنقسام والتشرذم، متهمًا إياها بارتكاب أخطاء كثيرة. وحمل بشدة على الدكتور محمد البرادعي، واصفًا تصرفاته السياسية بـ "الغبية"، وبأنها أقرب ما تكون إلى "الطفولية الليبرالية"، مؤكدًا أن تصرفات البرادعي مهدت الطريق أمام عودة نظام مبارك مرة أخرى وتصدره للمشهد السياسي من جديد بعد ثورة 30 يونيو/ حزيران 2013.
في ما يلي الجزء الأول من الحوار:
• كيف ترى محاكمة مبارك وتأثيرها السياسي على الأوضاع في الفترة المقبلة؟
كانت هناك مؤشرات واضحة جدًا منذ البداية توحي بأن محاكمة مبارك كانت صورية إلى حد كبير. يصدق ذلك على الفترة التي تولى فيها المجلس الأعلى للقوات المسلحة إدارة البلاد، كما يصدق على الفترة التي تولى فيها الدكتور محمد مرسي إدارة البلاد، وكذلك في المراحل التالية. الدليل على ذلك عدم توجيه الاتهام إلى مبارك أو تقديمه إلى المحاكمة إلا بعد أشهر عدة من إزاحته عن السلطة. وما زلت أذكر في هذا الصدد واقعة مهمة أكدت لديّ هذا الانطباع مننذ البداية. فبينما كنت أتابع أحد البرامج الحوارية على إحدى القنوات الفضائية المصرية، بعد أسابيع طويلة من تنحي مبارك، إذا بالدكتور زكريا عزمي يبادر بنفسه بالاتصال بمقدم البرنامج على الهواء مباشرة، لينفي شائعة القبض عليه، وليؤكد أنه يتحدث الآن من مكتبه في القصر الجمهوري.
نية مفقودة
حينها أدركت بوضوح تام أن استمرار وجود عزمي في القصر الرئاسي بعد سقوط مبارك، لا يحمل سوى معنى واحد، وهو كل أثر أو دليل يمكن أن يستخدم في توجيه الاتهام إلى مبارك ونظامه، على الأقل ما كان موجودًا من هذه الأدلة داخل مقر الرئاسة. وفي تقديري أن المجلس الأعلى للقوات المسلحة لم يقرر تقديم مبارك إلى المحاكمة إلا بعد ضغوط هائلة من جانب الرأي العام، ولامتصاص غضبه. فلم تكن لديه النية لمحاكمة مبارك محاكمة جدية على الجرائم التي ارتكبها، سواء جرائم الفساد السياسي، أو الجرائم المتعلقة بقتل المتظاهرين في الميادين، أو جرائم نهب المال العام، أو جرائم الرشوة والفساد والتربح.
فالمجلس العسكري كان ينظر إلى مبارك باعتباره أحد الرموز العسكرية التي قد يترتب على تقديمها إلى المحاكمة إساءة إلى المؤسسة ككل، وهو أمر غير صحيح. ومن المعروف أن المشير طنطاوي هو الابن المدلل للرئيس مبارك، وظل يشغل منصب وزير الدفاع في عهده لأكثر من عشرين عامًا. ومع ذلك يحسب للمشير طنطاوي أنه انحاز في اللحظات الأخيرة إلى إرادة الشعب، ربما تحت ضغط المؤسسة العسكرية، التي لا يجادل أحد في أنها مؤسسة وطنية بامتياز.
الإخوان مسؤولون
• لكن القضايا التي حوكم مبارك بموجبها شابها قصور في التحقيقات وفي تقديم أدلة الاتهام؟
هذا صحيح. فالذي قام بهذه التحقيقات، إما أجهزة الأمن، التي كانت تابعة لنظام مبارك، والتي لم يكن لها أي مصلحة في تقديم أدلة تدينه، لأنها ستدين نفسها قبل أن تدينه هو، وهو ما يصدق أيضًا على النيابة العامة. لذا فلا يتعيّن توجيه اللوم إلى المجلس الأعلى للقوات المسلحة، وإنما يقع اللوم كله على النائب العام والأجهزة المعاونة له، فلو كانت هناك جدية في محاكمة مبارك، لتناول النائب العام القضية بشكل مختلف. بل إنني أعتقد أن اللوم الأكبر يتعيّن أن يوجّه إلى الدكتور محمد مرسي وإلى جماعة الإخوان المسلمين التي كانت تسيطر على السلطة التشريعية، حتى قبل أن يصل مرسي إلى مقعد الرئاسة.
وقد أتيحت أمام التيار الاسلامي، الذي يدّعي الآن أنه صاحب ثورة 25 يناير ـ وهو إدعاء غير صحيح - فرصة كبيرة لتعديل مسار محاكمة مبارك، بإصدار قانون للعدالة الانتقالية، لكنه لم يغتنم هذه الفرصة، لأنه كان مشغولًا بأشياء أخرى، غير إقامة نظام ديمقراطي وتحقيق العدالة الناجزة، وبالتالي فاللوم الأكبر لا يوجّه إلى القوات المسلحة، لكن يوجّه في واقع الأمر إلى محمد مرسي وجماعة الإخوان، بل ولتيار الإسلام السياسي ككل.
قراءات متضاربة
مع ذلك فهناك ملاحظة أساسية على حكم البراءة، الذي حصل عليه مبارك وأعوانه أخيرًا توحي بصعوبة الفصل بين السياسة والقضاء وتأثير المناخ السياسي السائد على القضاء وقت إصدار الحكام. فالقانون الذي حوكم مبارك على أساسه لم يتغيّر، ومع ذلك خضع لتفسرين مختلفين في المحاكمة الأولى والثانية. فقد اختلف تفسير رئيس المحكمة في محاكمة مبارك الأولى، المستشار أحمد رفعت، عن تفسير رئيس المحكمة في محاكمة مبارك الثانية، للقانون الجنائي نفسه، الذي لم يطرأ عليه أي تعديل.
فلم تتوافر لدى المستشار أحمد رفعت من أدلة إدانة مبارك بأكثر مما توافرت لدى المستشار الرشيدي، ومع ذلك اعتبر المستشار رفعت وأعضاء محكمته أن مجرد امتناع مبارك عن التدخل لوقف نزيف الدم، مع علمه بقتل المتظاهرين، يجعله شريكًا في الجريمة، ومن هنا صدور حكم بالمؤبد على كل من مبارك والعادلي. أما القاضي محمود الرشيدي رئيس المحاكمة الثانية فكان له تفسير مختلف للقانون. مما يدل على أن تفسير القواعد القانونية يختلف من شخص إلى آخر، ربما بسبب تغيّر المناخ السياسي. فالمناخ السياسي الذي كان سائدًا إبان المحاكمة الأولى ساعد القاضي أحمد رفعت على إصدار حكم بالمؤبد على مبارك. أما المناخ السياسي الذي يسود اليوم فقد سهل بلا شك من مهمة القاضي الرشيدي في إصدار حكم البراءة، وكلا الاجتهادين قد يكون صحيحًا من الناحية القانونية، لكنهما يؤكدان وجود شبهة لعلاقة ما بين السياسة والقضاء، رغم كل ما يقال عن استقلال القضاء المصري.
أنا لا ألوم القاضي، لأنه حكم بما أمامه من أوراق، وهي أوراق لم تولد لديه قناعة يقينية بقيام مبارك بإصدار أوامر مباشرة بقتل المتظاهرين. ورغم ثبوت إدانته في قضية الرشوة التي تلقاها من رجل الأعمال حسين سالم، إلا أن القاضي اعتبر نفسه ملزمًا بتطبيق نصوص القانون الذي يسقط التهمة بسبب التقادم.
•& ولماذا غابت الإرادة السياسية لمحاكمة مبارك منذ المجلس العسكري مرورًا بمرسي وانتهاء بالسيسي؟
بالفعل، لم تكن هناك إرادة سياسية في أي مرحلة من المراحل لاتخاذ كل الاجراءات التي تؤدي إلى محاكمة جادة وحقيقية لمبارك، لكن من الصعب توجيه اللوم إلى القوات المسلحة. فهناك اعتبارات تجعلنا نفهم، دون التماس الأعذار، للأسباب التي حدت بالمجلس العسكري بقيادة المشير حسين طنطاوي للعمل على تجنب إدانة مبارك، إلا أنه لا توجد اعتبارات أو مبررات أو أعذار تبرر مسلك محمد مرسي وجماعة الإخوان المسلمين.
فهؤلاء يدعون الآن أنهم لم يمكنوا من السلطة، وأن الدولة العميقة كانت هي التي تحكم، وهو عذر أقبح من الذنب. فلم يكن هناك ما يحول أبدًا دون إقدام مرسي، الذي جمع في يديه بين السلطتين التنفيذية والتشريعية، بل وعطل عمل السلطة القضائية، بموجب الإعلان الدستوري، الذي أصدره في تشرين الثاني/نوفمبر 2012، من إصدار قانون للعدالة الانتقالية يحاكم بموجبه مبارك وأعوانه ممن ساهموا في إفساد الحياة السياسية أو نهبوا ثروات البلاد. اللوم نفسه يوجّه إلى البرلمان الذي سيطر عليه التيار الإسلامي قبل وصول مرسي إلى السلطة، فقد كان بوسع هذا البرلمان أن يصدر قانونًا للعدالة الانتقالية، وهو ما لم يحدث.
• وهل تتوقع أن تدخلًا ما حدث من السلطة التنفيذية في أي مرحلة من مراحل محاكمة مبارك؟
أستبعد حدوث تدخل مباشر وصريح من جانب السلطة التنفيذية للتأثير على الحكم الصادر في محاكمة مبارك. فالترويج لحدوث هذا التدخل يستند إلى شائعات حول حدوث ضغوط مارستها دول عربية، كالسعودية والإمارات، لتبرئة مبارك. وليس لديّ ما يثبت أو ينفي هذه الضغوط. كما يستند الترويج لحدوث هذا التدخل إلى انطباعات تتعلق بالعلاقة التي ربطت رموز القوات المسلحة بمبارك، كأن يقال مثلاً إن السيسي هو التلميذ النجيب للمشير طنطاوي، وإن الأخير هو التلميذ النجيب لمبارك، وبذلك ينظر إلى السيسي على أنه واحد من رموز النظام القديم، وكلاهما لا يريد لمبارك أن يهان أو أن يصدر ضده حكم بالإدانة. ولو ثبت تدخل السلطة السياسية على هذا النحو المباشر في محاكمة مبارك، فيشكل هذا دليلًا إضافيًا على أن النظام القائم حاليًا يفتقد إلى الرؤية السياسية الصحيحة، التي تعينه على فهم حقيقة ما حدث في مصر، وحاجة الشعب المصري الماسة إلى بدء صفحة جديدة من تاريخه.
النأي خلاص السيسي
على& كل حال، وبصرف النظر عن وجود تدخل من جانب السلطة التنفيذية في أحكام القضاء، خاصة الحكم ببراءة مبارك، يتعيّن على المشير السيسي أن يدرك أنه حصل على شعبيته الكبيرة، لأن المصريين يرون فيه المنقذ الذي خلص البلاد من حكم جماعة الإخوان المسلمين. غير أن الخلاص من حكم الجماعة لا يعني أبدًا استعداد الشعب المصري للتسامح مع نظام مبارك، الذي ثار عليه في 25 يناير. ورغم قيام الشعب بالثورة على حكم جماعة الإخوان في 30 يونيو، لكن هذه الثورة لا تعيد الاعتبار إلى مبارك ونظام حكمه. ولو ثبت للشعب تعاطف السيسي مع مبارك ونظامه، فسوف تتآكل شعبية السيسي حتمًا. وهذا هو المأزق الذي يتوجب على السيسي تجنبه واتخاذ ما يلزم من إجراءات للنأي بنفسه عن نظام مبارك.
• ساهم من يطلق عليهم الفلول أو نظام مبارك بقوة في ثورة 30 يونيو، ويعتقدون أنهم هم من قاموا بها، فكيف يمكن فصلهم عن المشهد السياسي؟
أعتقد أن تغييرًا مهمًا بدأ يطرأ على شكل الخريطة السياسية الحالية في مصر، والتي تفصح عن وجود ثلاث قوى رئيسة، تنقسم كل منها بدورها إلى قوى فرعية:
القوة الأولى: تتشكل من جماعة الإخوان المسلمين والقوى المتحالفة معها. هذه القوة، والتي تطلق على نفسها اسم "تحالف دعم الشرعية"، تتصرف على أساس قناعتها بأن النظام الحالي جاء بإنقلاب عسكري ويفتقد للشرعية، ومن ثم تتعين مقاومته، والعمل على استنزافه بكل الوسائل المتاحة.
ثورة على الثورة
أما القوة الثانية فتتشكل من شبكة المصالح المرتبطة بنظام مبارك، والتي تضررت من ثورة 25 يناير. فقد حاولت هذه الشبكة استغلال الفرص التي أتيحت لها، سواء إبان فترة حكم المجلس الأعلى للقوات المسلحة أو بعد ثورة 30 يونيو، للعودة وركوب ثورة يونيو، مثلما ركب الإخوان ثورة 25 يناير. ورغم أن القوى المرتبطة بنظام مبارك تحمست لثورة يونيو وشاركت فيها، لكن ثورة يونيو بالنسبة إليها ليست مجرد ثورة على حكم الإخوان، ولكنها ثورة على كل من شارك في ثورة 25 يناير، أي إنها ثورة على ثورة 25 يناير.
لذا فالتناقض واضح تمامًا بينها وبين القوى التي لا تنتمي لا إلى جماعة الإخوان ولا إلى نظام مبارك. وهناك مبالغة شديدة في دور شبكة المصالح المرتبطة بنظام مبارك في تفجير ثورة 30 يونيو. ولجماعة الإخوان مصلحة واضحة في تضخيم هذا الدور. صحيح أنه لا يمكن التقليل إطلاقًا من دور ما يسمى بأجهزة الدولة العميقة ودور شبكة المصالح المرتبطة بنظام مبارك في تعميق التناقض والفرقة بين جماعة الإخوان وبين التيارات التي فجرت ثورة يناير، غير أن المبالغة في هذا الدور لا تستند إلى أي مقومات صحيحة. وكان يتعيّن على قادة المرحلة الانتقالية، الذين تولوا المسؤولية عقب ثورة 30 يونيو، أن يعيدوا فرز القوى السياسية، لعزل الإخوان والقوى المتحالفة معها وعزل جماعة المصالح المرتبطة بنظام مبارك أيضًا، حتى لا تعطيها الفرصة للالتفاف حول الثورة أو سرقتها.
• ولكن أين القوى الثورية والليبرالية من المشهد السياسي بعد ثورة 30 يونيو؟
القوى الثورية ارتكبت أخطاء كبيرة، منها إقدام الدكتور محمد البرادعي على تقديم استقالته من منصب نائب رئيس الجمهورية، إضافة إلى الأخطاء التي ارتكبتها رموز أخرى محسوبة على الثورة، وتولت مناصب مهمة، بعد تدخل الجيش في 3 يوليو. من بين هؤلاء الدكتور حازم الببلاوي، رئيس مجلس الوزراء السابق، وكل من الدكتور حسام عيسى والدكتور زياد بهاء الدين، نائبي رئيس مجلس الوزراء. وكان يتعيّن على كل القوى صاحبة المصلحة في تأسيس نظام ديموقراطي حقيقي أن توحد صفوفها للحيلولة دون تمكين شبكة المصالح المرتبطة بنظام مبارك من سرقة ثورة يونيو، مثلما سرقت جماعة الإخوان ثورة يناير، وهو ما لم يحدث.
أخطاء لمصلحة مبارك
فقد أصبح واضحًا الآن أن شبكة المصالح المرتبطة بنظام مبارك استطاعت الانتصار على قوى الثورة. ساعدت على ذلك أخطاء كبيرة ارتكبها الدكتور البرادعي، بتصرفاته التي غلب عليها طابع الطفولة الليبرالية، ودفعته إلى تقديم استقالته في لحظة بالغة الحساسية والدقة، وأخطاء أخرى ارتكبتها كل الرموز المحسوبة على الثورة في الحكومة، والتي لم يكن أداؤها على المستوى المطلوب. فقد ساعدت هذه الأخطاء، بوعي أو من دون وعي، على إعادة الاعتبار إلى نظام مبارك. وعندما انتخب السيسي رئيسًا ظل الأمل باقيًا في أن يستخدم سلطاته لإحداث التغيير الذي يتناسب مع طموحات الشعب المصري، إلا أنه ما زال يبدو مترددًا حتى هذه اللحظة في فك ارتباطه بنظام مبارك، ويجب عليه من الآن فصاعدًا أن يثبت عدم صحة هذا الانطباع.
وعلى أية حال فما زال الرئيس السيسي يحظى بشعبية كبيرة، رغم تآكلها النسبي، وما زال الشعب المصري ينتظر منه قرارات حاسمة تساعد على إحداث هذا الفرز بسرعة وتوضيح الرؤية نحو المستقبل. وربما تشكل الانتخابات البرلمانية المقبلة خطًا فاصلًا بين مرحلتين. فبعدها سيتضح بالضبط أين يقف الرئيس السيسي وكيف سيتعامل مع تطورات الأوضاع السياسية التي يصعب أن تظل على حالها كما هي الآن.
&
التعليقات