الرباط: أطلقت الحكومة المغربية برنامجا واسعا من أجل تأهيل اساليب العناية الخاصة بالمصابين باضطرابات مختلفة المستويات والانواع، لكن هذا القطاع ما يزال يعاني من نواقص عدة وخصوصا في البنى التحتية والموارد البشرية.
&
ووفق اخر دراسة بحث وبائي في المغرب فان "40٪ من سكان المملكة الذين تفوق أعمارهم 15 سنة عانوا او يعانون من اضطرابات" -بمستويات مختلفة-، كما أن امرأة من أصل اثنتين تقريبا تعاني من عوارض نفسانية.
&
وكشفت دراسة لوزارة الصحة بالتعاون مع منظمة الصحة العالمية عام 2009 عن أرقام صنفت حوالى نصف المغاربة تقريبا في خانة المصابين بأمراض نفسانية، تراوحت بين القلق والاكتئاب والرهاب وانفصام الشخصية.
&
وفي 2012، قررت الوزارة وضع الصحة العقلية ضمن "أولوياتها"، حيث تسعى الى مضاعفة الطاقة الاستيعابية للمستشفيات بحلول 2016، ليبلغ عدد الأسرة المخصصة للمرضى النفسانيين 3000 سرير، اضافة الى 30 طبيبا نفسانيا و185 ممرضا مختصا.
&
وفي انتظار أن تتحقق تلك الأهداف، تحتاج المملكة أيضا الى بناء وتجهيز ثلاثة مستشفيات جديدة في المناطق متخصصة في الطب النفساني، تضاف الى عشرة أقسام لهذ الطب تعمل في الوقت الراهن في المستشفيات الحالية، أو الوحدات الاربع الموجودة، والمتخصصة في الطب النفساني للاطفال.
&
يذكر ان المجلس الوطني لحقوق الإنسان (شبه رسمي) اعلن ان تأهيل القطاع امر "طارئ"، وذلك في تقرير سابق بعنوان "الصحة النفسية وحقوق الإنسان: الحاجة الملحة لسياسة جديدة"، وحذر من غياب الوسائل والظروف "اللإنسانية" في التعامل مع المرضى النفسانيين.
&
وبحسب أسبوعية "تيل كيل" الصادرة بالفرنسية، فإن البرنامج الحكومي لتأهيل القطاع "بعيد عن الالتزام بأهدافه" وهو في منتصف المدة الزمنية لتحقيقه.
&
واضافت ان المستشفيات المتخصصة الثلاثة الواردة في برنامج التأهيل "لم يجد أي واحد منها طريقه للتحقق على أرض الواقع"، رغم أن "أشغال البناء كان يجب أن تبدأ نهاية هذا العام".
&
ولم يتسن الحصول على رد من وزارة الصحة المغربية حول ذلك.
&
وبحسب فؤاد مكوار عضو "الجمعية المغربية لدعم ومساندة عائلات الأشخاص الذين يعانون من اضطرابات عقلية" فإن هناك بالفعل "إرادة لدى الدولة من أجل الأخذ بزمام الأمور".
&
لكن مكوار، وهو والد طفل مصاب بانفصام الشخصية، اوضح "في الواقع لا يزال من الصعب الحصول على سرير في المستشفى. معظم المؤسسات الاستشفائية مكتظة. إنها معركة (...) لا تحصل على سرير الا اذا كانت الحالة عاجلة".
&
وفي قرية دوار الصغيرة قرب مدينة سيدي سليمان (وسط)، تتضح هذه الصعوبات من خلال حال الشابة سكينة ( 21 عاما) التي تعاني حسب عائلتها من مرض عقلي، وغالبا ما يتم ربطها إلى عمود مثبت في الأرض، في منزل متواضع من الطين، تقطنه العائلة الفقيرة مع أطفالها العشرة.
&
ويوضح والدها محمد لفرانس برس "اخذناها أكثر من خمسين مرة الى المستشفى لكنهم لا يريدون ابقاءها هناك"، مضيفا بكثير من الأسى، أن "العقاقير التي يعطونها تساعدها فقط على النوم، وأنا لا أعرف ما الذي يجب ان افعله".
&
لكن مصدرا مسؤولا في وزارة الصحة قال ان "الأطباء لا يرفضون تقديم العلاج لهؤلاء المرضى، كما أن ابقاءهم داخل أقسام الصحة النفسية لا يتم سوى في أوقات الأزمات".
&
ويشير الى أن علاج الأمراض النفسانية في المملكة "مجاني".
&
ولا يعتبر نقص البنى التحتية المجهزة والمختصة السبب الوحيد في التقصير بالاعتناء بالمرضى النفسانيين.
&
ونظرا لصعوبة الوصول الى الخدمة الصحية، يتحول الذين يعانون من امراض نفسانية الى ضحايا بسبب "الرفض" الاجتماعي لهم، حسب جلال توفيق، رئيس قسم في مستشفى الرازي للأمراض النفسانية بمدينة سلا المجاورة للرباط.
&
وقال ان الاضطرابات النفسانية تتميز ب"الهيجان وعدم التناسق"، وهو ما يعتبره المجتمع "لعنة او مسا من الجن"، فيما يتهم المرضى الذين يعانون "الحزن والاكتئاب" ب"قلة الايمان"، الامر الذي "يعزز ممارسات متخلفة"، حسب المصدر نفسه.
&
وتتراوح هذه الممارسات بين استخدام الطب التقليدي الشعبي، او اللجوء الى الشعوذة و"الاولياء الصالحين"، بينها ضريح "بويا عمر" الشهير الواقع على بعد خمسين كلم من مراكش (جنوب)، حيث يتم اعتقال الكثير من المرضى النفسانيين بالسلاسل لسنوات عدة.
&
وغالبية ألاضرحة في المغرب، يقصدها مواطنون وأجانب أحيانا ممن "تسكنهم الارواح" وذلك طلبا لنيل "بركة" الاولياء كما يعتقدون، وهم في الغالب من المرضى النفسانيين او مدمني المخدرات.
&
وتقدر الصحافة المغربية عدد الذين زاروا ضريح "بويا عمر"، الذي تطلق عليه تسمية "غوانتانامو المغرب"، وما يزالون محتجزين هناك حوالى الف مريض، لكنه رقم لا تؤكده السلطات.
&
ووفقا لدراسة أنجزت في 2012 من قبل "مركز بيو للأبحاث"، مجموعة من الخبراء الأميركيين، فإن 86٪ من سكان المغرب ما زالوا يؤمنون بالأرواح، الخيرة والشريرة على حد سواء.
&
وتعزز الاعتقاد بقوة الأرواح مع اعتلاء الملك محمد السادس للعرش في 1999، حين فتحت سياسته الدينية الجديدة الباب أمام تعزيز الاسلام الصوفي الذي ظهر في القرن الثامن الميلادي، "بغرض نشر اسلام معتدل ومتسامح" كما يقول علماء الاجتماع المغاربة.
&
التعليقات