الصور العفوية التي يتم بثها بين الفينة والأخرى للعاهل المغربي أضحت تزاحم الصور الرسمية، وباتت تستأثر باهتمام المغربيين الذين اكتشفوا جانبًا آخر في ملكهم. وهو جانب يظهر حياة عادية لا تخضع لتخطيط أو تكلّف وتبدو بعيدة عن طقوس حياة البلاط.


أيمن بن التهامي من الرباط: منذ اعتلائه العرش، فتح العاهل المغربي صفحة جديدة في التواصل بين الملك والشعب.

هذه العلاقة الجديدة المبنية على الإعجاب بشخصية الملك محمد السادس والتعاطف معه والامتنان للمجهودات التي يبذلها من أجل النهوض بأوضاع المملكة لعبت فيها الصورة دوراً رئيسًا، بعد أن كانت في الماضي لا تأخذ شكلاً آخر غير الصبغة الرسمية.

ثورة بيضاء

بعد أن فتح الملك محمد السادس القصر أمام كاميرات التلفزيون لنقل أجواء حفل زفافه، وإشراكه الشعب فرحته بميلاد ولي العهد مولاي الحسن وبعده الأميرة لالة خديجة، أطلق العاهل المغربي quot;ثورة بيضاءquot; بتدشين أسلوب جديد في التواصل أداته الأساسية الصورة التي يبعث من خلالها العديد من الإشارات مفهومة المغزى حتى للمواطن البسيط.

فالصور العفوية أضحت تزاحم الرسمية، وباتت تستأثر باهتمام المغربيين الذين اكتشفوا جانبًا آخر في ملكهم. وهو جانب يظهر حياة عادية لا تخضع لتخطيط أو برنامج تدبيري مسبق، وبعيداً عن طقوس حياة البلاط.

بساطة وعفوية

ستظل زيارة الملك إلى الإمارات وجولته الأخيرة لعدد من البلدان في أفريقيا، وأنشطته في مناطق مهمشة في المغرب، راسخة في ذاكرة المغربيين لأنها أظهرت لهم أمرين.

الأول، سعي الملك محمد السادس الحثيث لتحسين أوضاع المملكة، والثاني إنسانية العاهل المغربي وبساطته وعفويته، سواء من حيث اللباس أو في التعامل مع كل من يصادفهم مهما اختلفت مراتبهم الاجتماعية.

وفي هذا الصدد، قال فريد الزاهي، باحث بقضايا الصورة والجسد، إنّ تزامن تولي الملك محمد السادس العرش وظهور الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي فرض، بشكل أو بآخر، على هذا الملك الشاب أن يتابَع بشكل حثيث، ليس فقط لوحده بل حتى باقي أفراد الأسرة الملكيةquot;.

أضاف: quot;شاهدنا كيف يتجول في الخارج بحرية ويلتقي الناس ويسلم عليهم. وكل هذه العناصر تدخل في استراتيجية التواصل بين الملك باعتباره كيانًا من ضمن الكيانات الموجودة وبين الناس الذين يشكل، بشكل أو بآخر، رمزهم الحي والوجوديquot;.

وأضاف فريد الزاهي لـquot;إيلافquot;: quot;هذه الصور التي تتداول هي صور سياقية، أي أنها تظهر أن الملك شخص يعيش حياته مثل كل شخص، وأن ما يفصله عن هؤلاء الأشخاص هو طابعه الرمزي فقطquot;.

قريب من شعبه

ساهم هذا الأسلوب الجديد في التواصل في تقريب الملك محمد السادس أكثر من شعبه، الذي أضحى يحتك بصور تظهر جوانب أخرى من حياة الملك بعيدة عن تلك quot;الحمولة الضاغطةquot; للصورة الرسمية.

يقول فريد الزاهي: quot;انتقلنا من القداسة البصرية مع الملكين الراحلين محمد الخامس والحسن الثاني إلى نوع من القرب. فصورة الملك يتجول ويصافح ويلبس لباسًا عاديًا صارت تدخل في ما يمكن أن نسميه (صورة الملك)، أي أنه لم يعد هناك فقط صورة رسمية بل صارت كل الصور رسمية. أي قابلة للتداول، لكن من غير أن تأخذ ذلك البعد الضاغط، أي بعد الرهبة والقداسةquot;.

وأضاف: quot;نزع القداسة عن صورة الملك يدخل في استراتيجية جديدة هي استراتيجية الديمقراطية، دمقرطة صورة الملك وحياته مع أبنائه وزوجته والناس الشعبيين، وهذا الانتقال مهم جدًا لأنه يدخل في استراتيجية تواصلية ينهجها أيضًا مجموعة الرؤساءquot;.

وأكد أن quot;هذا التواصل في حد ذاته نوع من الاقتراب من الآخر، وتداول هذه الصور تمنح حيوية لوجود الملك الذي لا يصبح وجودًا مثاليًا، لكنه وجود محسوس. والمحسوس نتعامل معه بعواطفنا وإدراكاتنا الحسية. إذن الملك صار يدرك إدراكًا حسياً ويتم التعامل معه تعاملاً حسيًا عاطفيًاquot;.

وأوضح الزاهي أن quot;هذه العلاقة العاطفية التي تخلقها الصورة مهمة جداً، لأنها في الآن نفسه تخلق قداسة جديدة، وهذه القداسة الجديدة هي أن الملك قريب منا إلى درجة أننا نكاد نلمسه كما يمكن أن نلمس أي شيء مقدس قريب مناquot;، مشيرًا إلى أن quot;هذا الرابط يجعل من السلطة سلطة رمزية وفي الآن نفسه سلطة محسوسةquot;.

تاريخ صورة الملوك

يبدو أن العلاقة بين الملوك والصورة ذات جذور ضاربة في القدم. فحسب الباحث المغربي بقضايا الصورة، فإن quot;تداول الصورة في المغرب بدأ مع تداول صورة السلطان باعتبارها شكلاً من أشكال البطاقة البريدية، ففي أواخر العشرينيات من القرن الماضي، قام المؤرخ عبد الرحمان بنزيدان بطبع صورة لمحمد الخامس وكتب عليها أبياتاً شعرية تبدأ بما يلي (هذا رسم ملكي)..ثم أهداها في ما بعد للملكquot;.

وأضاف: quot;هذه هي بدايات تداول صورة السلطان باعتبارها صورة رمزية وبطاقة إلى أن خلد المصورون الكولنياليون الذين كانوا يعملون مع ليوطي والمقيمين العامين شكلاً جديدًا لتداول الصورة، وهذا التداول البطيء للصورة أخذ طابعاً معينًا مع الملك الراحل محمد الخامس الذي صارت البورتريهات أو الصور الشخصية له تباع في محلات التصوير ويتم إنتاجها بعدد متوافرquot;.

لكن في ما بعد، يضيف الزاهي، quot;استمر هذا التداول الرسمي للصورة بالأساس بالاحتفلات. لكن مع الملك الراحل الحسن الثاني صارت بعض الصور تخرج للوجود إما في المجلات أو يتداولها مصورو القصرquot;.

يشار إلى أن الكثيرين لا يتمكنون من التعرف على الملك، خلال رحلاته في الخارج، اعتباراً للباسه البسيط الذي لا يختلف عن لباس عموم الناس.

كما أن الملك محمد السادس يرفض أن يعامل بشكل خاص خلال تردده على المطاعم، أو المحلات، أو غيرها من الفضاءات العمومية، إلى جانب أنه أصدر تعليمات صارمة لجهاز الأمن بعدم تغيير الإشارات الضوئية خلال قيادته لسيارته في شوارع المغرب، حتى لو كانت زحمة السير خانقة.