يخوض الليبي باسط أقطيط معركة رئاسة الوزراء منفردًا، إلا أنه يثير جدلًا بسبب أفكاره الغريبة، إذ يرى أن حل المشاكل الأمنية والاقتصادية يبدأ بحل معضلة رباعي حدده بـ quot;حب وجنس وجشع وخوفquot;، هذا إلى جانب علاقاته بالأميركيين وزواجه بابنة الرئيس السابق للمؤتمر اليهودي العالمي.


يذهب معلّقون إلى أن قلّة من المناصب في السياسة العالمية يتجنبها أصحاب الطموحات السياسية، مثل منصب رئيس الوزراء في ليبيا، اليوم، بسبب التحديات الجسيمة، التي عليه أن يتصارع معها.

وكان رئيس الوزراء الليبي السابق علي زيدان يتلقى كل يوم تقريبًا ما يذكِّره بهذه التحديات. فهو تعرّض للخطف على أيدي رجال إحدى الميليشيات، واصطدم أخيرًا بعجزه عن منع الميليشيات، التي تطالب بالفيدرالية لبرقة، من بيع النفط من موانئ تسيطر عليها في شرق ليبيا من دون موافقة طرابلس. وتعيّن استدعاء البحرية الأميركية لإنهاء تهريب النفط، باعتراض ناقلة كانت تحمل شحنة غير قانونية.

كلفت هذه الواقعة زيدان منصبه، فغادر إلى أوروبا، بعد ساعات على إقالته بقرار من المؤتمر الوطني العام. واتهم زيدان فرع جماعة الإخوان المسلمين في ليبيا وقوى إسلامية أخرى بإجهاض مساعي حكومته لإيصال ليبيا إلى بر الأمان في المرحلة الانتقالية.

بلا منافسة
الآن تعمل طاحونة التكهنات بلا توقف لمعرفة الشخصية السياسية التالية، التي ستقبل التحدي، المتمثل في ترويض الميليشيات وجماعات أخرى منفلتة. وفي حين أن حلبة السباق على منصب رئيس الوزراء تتقلص، بسبب جسامة المهمة، فإن هناك مرشحًا واحدًا يخوض حملة نشيطة لتولي المهمة. إنه باسط أقطيط، الذي تعرفه غالبية الليبيين، عبر خوض حملته وفق طريقة غربية.

يشير مراقبون إلى أن أقطيط، مؤسس شركة أثال للتنقيب عن النفط والغاز، ذو خلفية ليست معهودة من سياسي يريد أن يصبح قائدًا وطنيًا في بلد صعب مثل ليبيا. وكانت مجلة فوربس ذكرت أنه حقق نجاحه في عالم المال والأعمال خلال سنوات المنفى في سويسرا، حيث هربت عائلته، بسبب معارضتها نظام القذافي.

وتضم محفظته الاستثمارية شركات لتصميم الأزياء وتخطيط المدن وإدارة الأموال في أوروبا والخليج. ويتحرك أقطيط بيسر داخل أروقة السلطة في واشنطن، حيث تعاقد أخيرًا مع عضو مجلس الشيوخ السابق جو ليبرمان، ليكون بمثابة لوبي يدافع عن مصالحه في الولايات المتحدة مقابل 50 ألف دولار في الشهر.

متزوج بيهودية
لكن حياة أقطيط الشخصية هي التي وضعها الليبيون تحت المجهر. فهو متزوّج بالأميركية سارة برنفمان، ابنة إدغار برنفمان، الملياردير الراحل، الذي كان رئيس شركة سيغرام لإنتاج المشروبات الكحولية، ورئيس المؤتمر اليهودي العالمي لسنوات طويلة.

وقال عضو في المؤتمر الوطني العام، طلب عدم ذكر اسمه، quot;إن هذه أعباء ثقيلة في بلد مثل ليبياquot;. أضاف إن أقطيط quot;بنظر غالبية الليبيين الاعتياديين يبدو تجسيدًا لنظرية المؤامرة، القائلة بوجود أجندات خارجيةquot; تتربص بليبيا.

لكن أقطيط رغم ذلك ماض في حملته ذات الطراز الغربي من أجل الظفر بمنصب رئيس الوزراء. وقال خلال اجتماع عقده أخيرًا في طرابلس إن الحملة كلفته حتى الآن ملايين الدولارات. وظهر أقطيط على قنوات تلفزيونية ليبية، وعقد سلسلة من الندوات المفتوحة مع رجال أعمال وقانونيين وممثلي المجتمع المدني والشباب الليبي.

وقدم خطة عمل من 10 نقاط يطرحها كبرنامج ينفذه تكنوقراط. وتدعو الخطة إلى إصلاح المؤسسات الليبية إصلاحًا جذريًا، وإعادة إعمار البنية التحتية المهترئة، ومكافحة انعدام الأمن عبر إقامة quot;مناطق آمنةquot; في عموم البلاد، على غرار المنطقة الخضراء في بغداد. ويدير فريق أقطيط الدعائي حساباته على فايسبوك وتويتر.

وأكد اقطيط في مقابلة أجرتها معه مجلة فورين بوليسي في طرابلس أنه شخصية مستقلة، قادرة على تجاوز انقسامات ليبيا الدينية والأيديولوجية والمناطقية أو الجهوية. وقال أقطيط quot;قبل أن تدعو آخرين إلى بيتك لحضور الحفلة، عليك أن تنظف بيتكquot;. وأضاف إن مهمته هي جمع كلمة الليبيين quot;والعمل معًا وفتح حوار، وأنا أستطيع أن أفعل ذلك، لأنني لا أصدر أحكامًا، ولا أُهاجم أحدًا، بل أحاول أن أفهمquot;.

تواصل شامل
وفي مؤشر إلى الفراغ السياسي في ليبيا، فإن خلفية أقطيط المثيرة للجدل وعدم تمتعه بقاعدة جماهيرية لم يقفا حائلًا بينه وبين أصحاب الحل والربط في البلاد، بل تواصل مع طائفة متنوعة من الليبيين، بينهم قادة ميليشيات ومثقفون ليبراليون، ومتطرفون إسلاميون وممثلو مصالح مناطقية مختلفة.

قال ليبيون بارزون من هذه الأوساط نفسها إنهم رغم شكوكهم في فرص توليه رئاسة الحكومة وافقوا على لقائه، لأنهم يعتقدون أنه quot;يتمتع بدعم الأميركيينquot;، كما تنقل مجلة فورين بوليسي عن زعيم محلي واسع النفوذ في مصراتة. ومن أسباب هذه الانطباع أن زوجته عملت رئيسة لغرفة التجارة الأميركية ـ الليبية. وأقطيط نفسه لا يتردد في تأكيد علاقاته بأروقة السلطة في الولايات المتحدة، قائلًا إن علاقات شخصية تربطه بوزير الخارجية جون كيري وعضو مجلس الشيوخ البارز جون ماكين.

وقال أقطيط لمجلة فورين بوليسي: quot;أنا لستُ مدعومًا من الأميركيين فحسب، بل تربطني علاقات ممتازة مع الحكومات الفرنسية والإيطالية والبريطانية والدنماركية. والسؤال الكبير الذي أطرحه دائمًا على الأميركيين وسواهم هو quot;لماذا لا تساعدون؟quot;، ويأتي الجواب أن الليبيين لا يطلبون أبدًا مساعدة واضحةquot;.

لكن أقطيط لا يبني جسورًا مع الأصدقاء الأميركيين فحسب، بل جلس مع الأعداء أيضًا. فالتقى في العام الماضي أحمد أبو ختالة، القيادي الإسلامي في بنغازي، والذي اتهمته وزارة الخارجية الأميركية بالضلوع في الهجوم على قنصليتها عام 2012 ومقتل السفير الأميركي كريستوفر ستيفنس في الهجوم، وأدرجته في مطلع العام الحالي على قائمة الإرهابيين الدوليين المطلوبين.

مع محاكمات داخلية
وأكد أقطيط أنه أبلغ أبو ختالة وقوفه ضد خطف الليبيين ونقلهم إلى أماكن أخرى، في إشارة إلى السياسة الأميركية في استخدام سجون بلدان أخرى لحبس المشتبه فيهم والتحقيق معهم، وتحديدًا خطف أبو أنس الليبي في العام الماضي في طرابلس وتقديمه إلى المحاكمة في نيويورك. ويخشى أبو ختالة أن يكون هذا مصيره أيضًا.

وقال أقطيط quot;نحن ليبيون، وهذا بلدنا، وإذا ارتكب أحد جريمة هنا، فإنه يُحاكم في هذا البلدquot;. وتابع أقطيط quot;إن أبو ختالة قال لي إنه متأكد من براءته، وليست لديه مشكلة في المثول أمام القضاء في بنغازي ومواجهة هذه القضايا هناكquot;.

كما أقام علاقات مع قادة إسلاميين معروفين في المنطقة. وقام عماد البناني القيادي في جماعة الإخوان المسلمين الليبية بتعريفه إلى زعيم حركة النهضة الإسلامية في تونس راشد الغنوشي حين زار ليبيا في العام الماضي. وبحسب مصادر، التقت الغنوشي، فإن زعيم الإسلاميين التونسيين دعا إلى دعم أقطيط بوصفه شخصًا يستطيع أن يتجاوز الانقسامات الليبية، ويتعامل مع الغرب في آن واحد.

لكن أقطيط لم يفلح في استمالة كل الإسلاميين، بل إن قياديين في حزب العدالة والبناء، الجناح السياسي لجماعة الإخوان المسلمين في ليبيا، اتخذوا موقفًا حذرًا من الارتباط به نظرًا إلى علاقات زوجته. وقال عضو في المؤتمر الوطني العام وهو من الإسلاميين إن أقطيط quot;حتى إذا وصل إلى ليبيا مع عمر المختار نفسه لن أدعمهquot;.

رباعية اقتصادية اجتماعية
ولدى سؤال أقطيط عن خططه للجم هذا الحشد من المجموعات المسلحة، التي بينها إسلاميون متطرفون، فإنه يعزو مشكلة ليبيا الأمنية إلى عقدة متشابكة من التحديات الاقتصادية والاجتماعية. وأشار أقطيط إلى الأعداد الكبيرة من الشباب الليبيين، الذين لم يتزوجوا لأسباب اقتصادية واجتماعية. وقال في هذا الشأن quot;هذه هي المعادلة في ليبيا: خوف، جشع، حب وجنسquot;. وإذا عرفت كيف تحل هذا الرباعي، تستطيع حل القضايا الأمنية والاقتصادية والاجتماعيةquot;.

لكن كثيرًا من الليبيين يرون أن نظريات أقطيط لإصلاح بلدهم تبدو ساذجة، مشيرين إلى أن زعيمهم السابق عجز حتى عن منع رجال الميليشيات من خطفه أو من تهريب النفط.

وقال الصحافي والمعارض الليبي المخضرم عاشور شمس إن أقطيط quot;كالمرشح الافتراضي، كله كلام وطروحات وأفكار، بعضها نافع جدًا، ولكن يصعب تنفيذه في هذا الوقت. فالوقت ليس مناسبًا له، ويبدو كأنه من كوكب آخر غير كوكب الليبيين الآنquot;.