تثير غولنار كاريموفا، ابنة رئيس أوزبكستان، الضجة مجدداً في رسالة الكترونية موجهة منها ونشرت في لندن حيث تعيش في الإقامة الجبرية بعد انتقادات حادة كانت وجهتها لحكومة بلادها.

في الرسالة تعلن غولنار كاريموفا انها تمر بضغوط نفسية شديدة وانها تتعرض للضرب والتهديدات المستمرة من جانب رجال الشرطة والمراقبة المستمرة بالكاميرات.

ويقول تقرير لـ(بي بي سي) ان غولنار التي كانت من أكثر الشخصيات نفوذًا في آسيا الوسطى وقعت في المحظور العام الماضي عندما بدأت انتقاد السلطة علناً فأصبح ظهورها في أي مكان صعبًا للغاية. مع ذلك، كانت غولنار تكتب على الإنترنت حتى 5 أسابيع مضت ومنذ ذلك الحين، التزمت الصمت.

يذكر ان غولنار بدأت منذ العام الماضي تفجير قنابلها الكلامية وانتقاداتها للسلطة الحاكمة في بلادها، ويقول مراقبون إن هذه التجاذبات تظهر المنافسة المحتدمة داخل النخبة في أوزباكستان بشأن مَن سيخلف الرئيس إسلام كاريموفا (75 عاما).

وكانت تعتبر غولنار ابنة الرئيس مرشحا قويا، لكن مشاكل في الداخل والخارج بدأت تقوّض فرصها. ولكن في العام الماضي، ارتبط اسمها بتحقيق حول رشاوى وعمليات غسيل أموال على نطاق واسع في السويد وسويسرا بعد الاشتباه في الكثير من المقربين منها.

وفي أيلول (سبتمبر) 2013 اتخذت مشاكلها منحى شخصيا بدرجة أكبر، عندما تحدثت شقيقتها الصغرى لولا لـquot;بي بي سيquot; عن رغبة غولنار للوصول لمنصب الرئيس وانقسام داخل العائلة. وردت غولنار بانتقادات لاذعة لشقيقتها.

خطاب مرتبك

وتقول محررة بي بي سي نتاليا انتالافا التي كتبت تقريرا حول غولنار، يوم الأربعاء، ان غولنار قالت في خطابها المرتبك الذي تملأه إشارات الضيق والذي وصلني على البريد الإلكتروني: quot;أمر بضغوط نفسية شديدة، لقد ضُربت حتى أنه لا يمكنك إحصاء الكدمات التي أًصيب بها ذراعايquot;.

وتضمن الخطاب وصفًا مفصلًا للحياة قيد الإقامة الجبرية حيث التهديدات اليومية، والمراقبة المستمرة بالكاميرات ورجال الشرطة.

وحسب (بي بي سي) فقد أُرسل الخطاب عبر الإنترنت من أوزبكستان، إحدى أكثر الدول عزلة وقمعًا، وكان عبارة عن مرفقات برسالة جاءت من شخص لم يذكر اسمه وكان يطلق على نفسه quot;شخص يحاول إقامة العدالةquot;.

وقال مرسل الخطاب إن الخطاب تمت كتابته في الأيام القليلة الماضية وهُرب إليه، لكنه رفض أن يفصح عن تفاصيل أكثر.

خطاب غير موقع

ولم يكن الخطاب موقعًا، لكن أسلوب الكتابة المحكم وخط اليد الروسي المتقن يدل أنه لم يكتبه أحد سوى غولنار، التي تردد الحديث طويلًا عن أنها سوف تخلف والدها إسلام كاريموفا في رئاسة البلاد. وجاء في الخطاب أيضًا أنه quot;من السذاجة أن يظن المرء أننا في دولة قانونquot;. وبمقارنة الخطاب بعينة مكتوبة بخط يد غولنار، توصلت إلى أن ذلك الخطاب كتبته غولنار بنسبة 75 في المئة.

وقالت خبيرة الخطوط المتخصصة في تحليل خط اليد باللغات السيريلية، إن quot;العمل بدون أصل مكتوب يمكن أن يحقق نجاحا بنسبة 100 في المئة في مطابقة خط اليد، لكن في هذه الحالة هناك احتمال كبير أن يكون كاتب النصين هو الشخص نفسهquot;.

يُذكر أن غولنار، التي وصفتها المراسلات الدبلوماسية الأميركية بأنها quot;بارونة المطاطquot; وأكثر شخص مكروه في أوزبكستان، كانت أرسلت تغريدات على صفحتها على موقع التواصل الاجتماعي تويتر عن خلاف نشب بينها وبين والدها، الرجل القوي رئيس أوزبكستان.

وكانت نتيجة ذلك الخلاف مصادرة شركتها وإغلاق محطاتها الفضائية وجمعيتها الخيرية بالإضافة إلى اعتقال مؤيديها. يقول الخبراء إن الخطاب من الممكن أن يكون مكتوبًا بخط يد غولنار كريموفا بنسبة 75 في المئة.

سقوط الامبراطورية

وبمجرد أن سقطت إمبراطورية غولنار، شنت نجلة الرئيس هجومًا صريحًا على أبرز رموز الدولة في أوزبكستان على رأسهم رئيس المؤسسة الأمنية، روستام إنوياتوف، متهمةً إياه بمحاولة الانقضاض على السلطة.

وكنت أتبادل مع غولنار التغريدات على موقع التواصل الاجتماعي تويتر من حينٍ لآخر. وكان حسابها على تويتر، وهي في بلد يفرض رقابة شديدة على الإنترنت والإعلام، يوفر نظرة متعمقة غير مسبوقة في أحداث كان يمكن بالكاد تخمينها قبل أن تنشر تغريداتها.

لكن في 16 شباط (فبراير) الماضي، دخلت غولنار في صمت يستمر إلى الآن. وكانت آخر تغريدة لغولنار قبل يوم واحد من اقتحام الشرطة شقة فاخرة في العاصمة، طشقند، واعتقال المقيمين بها، وهم أشخاص كان لا يجرؤ أي منفذ للقانون المساس بهم قبل ذلك اليوم. وقدم الخطاب تفسيرًا لعملية الشرطة تلك وأثارها.

لا حياة آدمية

وذكر الخطاب أن quot;ما يجعل الأمر أكثر سوءا أنه من المستحيل أن تعيش كآدمي وأنت مراقب بالكاميرات ومسلحون يحيطون بك من كل اتجاه، فالقوات الخاصة قفزت إلى سطح المبنى ونثرت المتعلقات الشخصية في كل مكان وحُطمت النوافذ والأبواب، والأفظع من ذلك، هو رؤية شخص معصوب العينين يُجر على الأرضquot;.

وحسب محررة بي بي سي يتضح من الخطاب في فقرات تالية أن الشخص معصوب العينين هو شريك غولنار في أعمالها ويُقال إنه صديقها، روستام مادوماروف، الذي أُلقي القبض عليه ليلًا مع اثنين من أصدقائها المقربين، وتم اتهامهم جميعًا في اليوم نفسه بالاختلاس والتهرب الضريبي وحيازة عملة أجنبية بما يخالف القانون وغسل الأموال.

وبلغة ركيكة غريبة، يصعب فهمها أحيانا، تصف غولنار خطورة الموقف، إذا تقول إن quot;المئات، أو من الممكن أن يكون الآلاف من موظفيها السابقين ومؤيديها تعرضوا للتهديد والاعتقالquot;.

عزلة تامة

وأضافت غولنار أنها تعيش في عزلة تامة عن العالم من حولها لنشرها حقائق غير لائقة وغير ضرورية، فلا تلفزيون ولا إنترنت في المنزلquot;، وأعربت أيضًا عن قلقها على ابنتها المريضة.

وقال مصدر مقرب من غولنار في طشقند، رفض ذكر اسمه، أنها وابنتها إيمان البالغة من العمر 16 سنة يعيشان قيد الإقامة الجبرية. وأكد المصدر أن أعضاء في طاقم العمل في السفارة الأميركية زاروا إيمان في مقر الإقامة القسرية لأنها مواطنة أميركية.

يُذكر أن إيمان ابنة غولنار، هي ابنة زوجها السابق منصور مقصودي المواطن الأميركي من أصول أفغانية. ورفضت السفارة الأميركية تأكيد تلك الزيارة في بيان رسمي قالت فيه quot;لأسباب سياسية، لا نستطيع التعليق على هذا الأمرquot;.

وتردد غولنار على مدار الخطاب مزاعم تتعلق بوالدتها وشقيقتها وأقرب الحلفاء من والدها تتضمن اتهامات بالابتزاز والتعذيب. ويبدو هجوم غولنار، كما يسميها الأوزبكيون، على عائلتها مثيرًا للسخرية، فقد كانت نجلة الرئيس هي الوجه الجميل الذي يظهره النظام بينما هي الآن تنتقد ذلك النظام.

وكانت تدير إمبراطورية أعمال وكانت أيضًا تظهر كمطربة بوب باسمها الفني غوغاشا بالإضافة إلى كونها سفيرة أوزبكستان لدى الأمم المتحدة. قد يكون الرئيس الأوزبكي هو من أمر بوضع ابنته قيد الإقامة الجبرية.

قضية رشوة

ويشار الى أن غولنار قد اتهمت بالتورط في قضية رشوة لصالح شركة الاتصالات السويدية الفنلندية تلياسونيرا والتي دفعت 300 مليون دولار عام 2008 من أجل دخول سوق الهاتف الجوال في أوزبكستان.

وتعتبر هذه القضية أكبر فضيحة فساد شهدتها السويد في تاريخها، ومع ذلك تنكر الشركة تورطها في أي عمل غير قانوني في أوزبكستان في حين تصر غولنار على أن رئيس المؤسسة الأمنية في أوزبكستان هومن يقف وراء الحملات التي تواجهها في الوقت الراهن.

ويقول رئيس تحرير أحد المواقع الإلكترونية الرائدة في آسيا الوسطى، دانيل كيسلوف، إن quot;غولنار تحاول الظهور كضحية وإظهار والدها على أن مراكز قوى داخل السلطة تتلاعب بهquot;. وأضاف أنه من المرجح ألا يكون زعمها صحيحًا وأنه ربما يكون إسلام كاريموف رئيس أوزبكستان، هو من أمر بإيداع نجلته غولنار قيد الإقامة الجبرية.

ولم يكن الرئيس الأوزبكي يهتم كثيرًا بصورة أوزبكستان أمام العالم ولم يكن يعير اهتمامًا تلك الانتقادات الموجهة إليه بخصوص انتهاكات حقوق الإنسان في بلاده كالتعذيب بالسجون وعمليات التعقيم الإجباري التي يتعرض لها المرضى في المستشفيات الحكومية وعمالة الأطفال في حقول القطن وفقًا لكيسلوف.

وفي الختام، ذكر كسيلوف أن كل ما كان يشغل بال الرئيس الأوزبكي هو أمر واحد، هو كيف يستغل ابنته quot;باورنة المطاطquot; في جذب الاستثمارات الأجنبية إلى بلاده. ورجح أن يكون إقدام الرئيس كريموفا على وضع ابنته قيد الإقامة الجبرية ينطوي على رسالة ضمنية يؤكد من خلالها أن الأمر بيده وحده في البلاد.