تتصاعد دعوات إلى إعادة النظر في تركيبة مجلس الأمن بعدما أظهر عجزًا حيال الأزمة السورية، ما عدا تمكنه من سحب الكيميائي. تبدى ضعفه هذا عند تغاضيه عن تنفيذ الفصل السابع واكتفائه بلباقة دبلوماسية بدعوات إلى عدم إعاقة وصول مساعدات إنسانية.


ناقش مجلس الأمن الدولي الأزمة السورية 18 مرة منذ بداية العام، وهذا هو عمليًا كل ما فعله لحل النزاع المستمر في حصد عشرات الأرواح وتشريد المئات كل يوم. ولم يتقدم المجلس بأي مشاريع أو خريطة طريق دبلوماسية لحل النزاع. لكن روسيا استخدمت حق الفيتو ضد ثلاثة قرارات خلال السنوات الثلاث الماضية.&
&
إعادة هيكلة
وكان المجلس وُصف قبل الأزمة السورية بأنه هيئة لا أسنان لها جراء الامتياز الذي تتمتع به الدول الخمس دائمة العضوية في إجهاض أي إجراء يتخذه باستخدام حق الفيتو. لكن شلل مجلس الأمن بشأن الأزمة السورية تحديدًا رفع عجزه إلى مستوى جديد، كما يقول خبراء، وقدم سندًا آخر للداعين إلى إعادة نظر جذرية بتركيبة المجلس وقواعد العمل فيه.

المصيبة أن مجلس الأمن لم يفشل في وقف الحرب الأهلية فحسب، بل عجز حتى عن إيصال المساعدات الإنسانية، مثل الأغذية والأدوية، إلى ملايين السوريين المحتاجين.&

وبدلًا من ذلك، أمضت روسيا والدول الغربية شهورًا في تبادل الاتهامات بالمسؤولية عن منع وصول هذه المساعدات من دون أن تتحرك بجدية لإقناع حلفائها على الأرض بفتح ممرات إنسانية.&

وقال المنسق السابق للشؤون الإنسانية في الأمم المتحدة ورئيس مجلس اللاجئين النروجي حاليًا يان إيغلاند "عدنا متراجعين إلى أحلك أيام مجلس الأمن منذ الحرب الباردة".&

كلام لا ينقذ
ويردد دبلوماسيون داخل مجلس الأمن هذا الشعور بالإحباط . وفي هذا الشأن نقلت صحيفة نيويورك تايمز عن عضو في المجلس طلب عدم كشف اسمه، مراعاة للبروتوكول، قوله: "دعونا ألا نكون ساذجين بشأن إنقاذ أرواح... فإن كل ما نفعله هو الكلام".

وشهد العام الماضي خطابات لمجلس الأمن عن سوريا 33 مرة على الأقل، بحسب نشرة "سكيورتي كاونسل ريبورت"، التي تتابع أعمال المجلس.

ومنذ عام 1990 استخدمت الولايات المتحدة حق الفيتو ضد قرارات المجلس 16 مرة، وروسيا 11 مرة. واقترحت فرنسا تحديد المرات التي يجوز فيها استخدام حق النقض، ولكنها لم تلق استجابة معلنة من الأعضاء الدائمين الآخرين.

اتفاقية جوفاء
في هذه الأثناء، تستمر انتهاكات حقوق الإنسان في سوريا من دون مؤشر إلى وجود اتفاق بين أعضاء مجلس الأمن على إحالة النظام السوري إلى المحكمة الجنائية الدولية. كما إن الاتفاقية، التي جرى التهليل لها كثيرًا، بشأن تدمير أسلحة النظام الكيميائية، لا تشمل أدوات القتل الرئيسة في ترسانته من مدافع وقنابل وبراميل متفجرة وتجويع.

تبدى شلل مجلس الأمن الدولي في أسطع صوره في الأسبوع الماضي عندما قالت منسقة الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية فاليري آموس إن أطراف النزاع في سوريا خرقت قرار مجلس الأمن الداعي إلى تمكين قوافل المساعدات من المرور. وأشارت آموس إلى استمرار النظام في قتل المدنيين عشوائيًا بإلقاء البراميل المتفجرة وإزالة الأدوية من قوافل المساعدات.

من جهته، قال أنطونيو دي أوغويار باتريوتا سفير البرازيل في الأمم المتحدة، الذي تدعو بلاده إلى توسيع عضوية مجلس الأمن، إن فشله نابع من عجز الدول الخمس دائمة العضوية عن "التواصل عبر خطوط الخنادق". وأضاف "إن الأجواء السائدة بين الدول الخمس دائمة العضوية هي أجواء يسودها انعدام الثقة والاختلافات أو الخلافات العميقة من دون أن يتمكن أحد من التحرك ومحاولة إيجاد جو يساعد على التوافق".&
&
تهذيب في غير مكانه
تمثلت مظاهر العجز التي يتسم بها عمل مجلس الأمن مرة أخرى في دعوته في تشرين الأول/أكتوبر الماضي جميع أطراف النزاع إلى عدم إعاقتها وصول قوافل المساعدات إلى المناطق المنكوبة من دون أن يدعم دعوته المهذبة بقوة القانون الدولي، مجسدة بأحكام الفصل السابع لميثاق الأمم المتحدة، فجاء الرد على الدعوة بتجاهلها.

وفي مطلع العام الحالي شهد المجلس تحركًا جديدًا بضغط من الدول العربية لإحياء قرار إيصال المساعدات عندما انضم الأردن ممثل المجموعة العربية في المجلس إلى أستراليا ولوكسمبورغ في إعداد نص جديد.&

ولطمأنة روسيا وإلى حد أقل الصين، حُذفت الإشارات التي تهدد في النص باللجوء إلى الفصل السابع في حال التخلف عن التنفيذ.& كما صاغ دبلوماسيو المجلس نص القرار، بحيث يتعيّن على قوافل الأمم المتحدة أن تحصل على موافقة النظام السوري للدخول من خلال التنويه بسيادة الدولة السورية. وكانت الصيغة المخففة كفيلة بإفشال القرار بعد قلع ما فيه من أسنان. فالنظام لم يعط موافقته، ومن دونها قالت منظمات الإغاثة والمساعدات الإنسانية إنها لا تستطيع الدخول.

1 % نجاح
وفي آذار/مارس، اعترفت سفيرة الولايات المتحدة سامانثا باور بعجز المنظمة الدولية حين قالت "ليس هناك شيء نستطيع أن نفعله أحاديًا لحمل المجلس على أن يفعل ما نريده".

أشد ما يبعث على إحباط المنظمات الإنسانية التناقض الصارخ بين الحماسة التي نُفذت بها اتفاقية تدمير الأسلحة الكيميائية للنظام وطاعته بلا تردد من جهة والانتهاك الصارخ للقرار المتعلق بإيصال المساعدات الإنسانية من الجهة الأخرى.&

ولاحظ رئيس مجلس اللاجئين النروجي إيغلاند "أن الدبلوماسية كانت ناجحة نجاحًا استثنائيًا في حل 1 في المئة من المشكلة هي الأسلحة الكيميائية".

ونقلت صحيفة نيويورك تايمز عن دبلوماسيين قولهم إن فشل مجلس الأمن الدولي في إنهاء الأزمة السورية "نال من سمعة الهيئة الدولية". وقال كريستيان فينفاسر سفير ليشتنشتاين "إن الأمر يتعلق بجوهر ما تنتظره الشعوب من الأمم المتحدة، وإن هناك مستوى من الشعور بالإحباط لم يُعرف له نظير منذ زمن. ويتساءل الناس، ما الذي يفعلونه في هذا المجلس!".