يعيش الشباب السوري حالة من التيه بعد أن ضاعت أحلامهم في حرب طال أمدها، ولم يستطع الكثيرون إكمال مشوارهم التعليمي بينما فقد آخرون فرص عملهم.


&
موظف فني كان يبني بيت الأحلام لخطيبته صرف النظر عن مشروعه وغادر ليعمل متطوعا في منظمة غير حكومية مقابل ما يُسمى مخصصات غذاء. &وطالبة ماجستير في الأدب الانكليزي قطعت دراستها لتعمل في توثيق ما يحتاجه السوريون من امدادات طبية.&وعامل مصنع فقد ساقه وسط اشتباك ، يكافح من أجل إعالة اسرته على قدم واحدة. &
&
عندما تضع الحرب السورية أوزارها في نهاية المطاف سيكون هذا الجيل من الشباب المتعلمين والمهنيين مدعوين لإعادة بناء بلدهم. &ولكنهم فقدوا سنوات ثمينة كان يُفترض ان يستثمروها في مواصلة تحصيلهم العلمي وتوسيع خبرتهم العملية.&إذ توقفت مهنهم وتعطلت دراستهم في وقت مبكر عندما غادروا بلدهم مع مليوني لاجئ آخر. &
&
وكان الكثير من اللاجئين السوريين في الاردن مهنيين من الطبقة الوسطى في سوريا المعروفة بانجاب جمهرة من خيرة اطباء المنطقة ومحاميها ورجال أعمالها. &ولكن الاردن الذي يعاني من ارتفاع معدلات البطالة البالغة 37 في المئة بين &شبابه، منع النازحين السوريين من التزاحم مع الاردنيين على فرص العمل الشحيحة اصلا. &ورغم قرار الحكومة الاردنية بتوفير التعليم مجانا لأطفال اللاجئين السوريين فان القرار لا يشمل الدراسة الجامعية أو التعليم التكنولوجي.&
&
وتُنظم في مخيمات اللاجئين حيث يعيش زهاء 20 في المئة من السوريين المقيمين في الاردن برامج محدودة للتدريب المهني موجهة الى "الجيل الضائع" ممن اعمارهم 18 الى 30 عاما. &وعلى الأطراف الجنوبية لمخيم الزعتري الذي يضم الآن 85 الف سوري يتعلم 350 طالبا سوريا مهن الخياطة والحلاقة واللحام وعلوم الكومبيوتر. &وتعمل شابات سوريات في صناعة محفظات النقود وتصميم الفساتين من نسيج الخيم أو قطع القماش الزائدة. &ويحلق شبان رؤوس لاجئين آخرين مجانا للتدريب على مهنة الحلاقة. &
&
وقالت ياسمين فرحات الموظفة في مجلس اللاجئين النرويجي الذي يدير برنامجا للتدريب المهني ان الهدف من هذه الدورات هو "ان نراهم يعملون وان يستثمروا الوقت لتحسين وضعهم". &ولا يستطيع اللاجئون ان يزاولوا المهن التي يتعلمونها مقابل أجور ولكنهم يحصلون على "حوافز" تكون كوبونات غذاء أو بضائع منزلية أخرى. &
&
ولكن الوضع في المدن الاردنية أصعب. &إذ توفر 78 مدرسة دواما ثانيا لنحو 100 الف طفل سوري مجانا ولكن الدراسة الجامعية باهظة الكلفة لأن الخدمات والتسهيلات التي تقدمها الحكومة الاردنية لا تصل الى توفير التعليم العالي على نفقة الدولة ايضا. &وكانت مدارس سوريا قبل الحرب ترسل اعدادا متزايدة الى الجامعات الحكومية فيما كانت المدارس الخاصة تشهد نموا. &
&
وقالت آيات الخطيب التي أجبرتها الحرب على قطع دراسة الماجستير في الأدب الانكليزي والنزوح الى الاردن "ان التعليم العالي مهمل تماما" بين اللاجئين. &واضافت لصحيفة كريستيان ساينس مونتر انه "حتى اللاجئون الذين يحصلون على أعلى العلامات في المدرسة الثانوية لا يتوقعون ان تتوفر لهم فرصة" لدخول الجامعة. &
&
انهيار الحلم
كان محمد البدوي ، الموظف الفني ، يتطلع الى حياة سعيدة &في عش الزوجية مع خطيبته قبل ان تندلع الحرب عام 2011. &إذ تخرج من الكلية وعمل موظفا في حمص لصيانة المعدات الزراعية. &وخطب نادين الجميلة التي تسكن على الجانب الآخر من المدينة. &وكان البدوي يحلم ببناء بيته بنفسه وأعد مفاجأة لخطيبته باستخدام بلاط زاهي الألوان لجدران المطبخ تتألق مع وهج الطباخ اثناء الطهي. &
&
ولكن الحرب وصلت الى حمص التي اصبحت عاصمة الثورة ولم تعد نادين قادرة على اختراق المدينة لمتابعة بناء البيت. &وكان البدوي يوافيها بأخبار البيت قيد الانشاء بصور يرسلها على الهاتف. &
في هذه الأثناء بدأت حياة نادين نفسها تنهار.&&
&
إذ قتلت قوات النظام والدها وشقيقها وعمها خلال اربعة ايام فقط من عام 2012. &وهرب البدوي مع خطيبته اثناء تبادل الأسرى وموافقة جيش النظام على السماح للنساء والأطفال في حي نادين بالخروج مقابل الافراج عن سجناء في حي خطيبها.&وما ان التقى الاثنان حتى سارعا بالسفر الى دمشق للزواج. &وبعد سبعة ايام غادرا الى عمان. &كان ذلك قبل عامين. &
&
اليوم ليس لدى البدوي بيت ولا وظيفة بل يعمل متطوعا مع منظمة انسانية دولية تدفع له مخصصات غذاء مقابل عمله. &ويعيش البدوي ونادين مع شقيقه وعائلته في شقة في عمان. &
&
التيه&
يعتبر البدوي من المحظوظين. &فان شبابا سوريين آخرين قبلوا بأداء أعمال دون مؤهلاتهم مقابل أجور زهيدة وبصورة غير قانونية.&&
&
ويعيش علاء عامل المصنع الذي فقد ساقه في شقة ذات غرفة واحدة على تل منحدر في عمان. &زوجته حامل بطفلهما البكر وهو قلق بشأن إعالة أسرته التي ستزيد فماً آخر يتعين اطعامه. &وكان علاء يعمل براتب جيد في معمل اسمنت في العربية السعودية. &وبعد عودته الى سوريا فقد ساقه في حادث سير وقع وسط اشتباكات بين مقاتلي المعارضة وقوات النظام. &ولم يتمكن من العودة الى عمله. &وإذ اصبح لاجئا في الاردن الآن فان خياراته محدودة. &
&
وقال علاء لصحيفة كريستيان ساينس مونتر مشيرا الى ساقه "انظروا إلي. &كيف استطيع العمل؟ حقا لا أعرف ما العمل". &
&
فرص العمل المتاحة للاجئين السوريين على قلتها يصعب ايجادها وتتفاوت في تعويضاتها. ويستطيع المستثمر السوري الذي يفتح مشروعا تشغيل مواطنيه السوريين الى حد 50 في المئة من الأيدي العاملة في حين تقبل المنظمات غير الحكومية الدولية متطوعين مقابل أجر رمزي وبعقود قصيرة الأمد فقط. &
&
بدأ البدوي يعمل مع احدى هذه المنظمات لمساعدة مواطني بلده اللاجئين مثله. &ومقابل عمله 9 ساعات في اليوم يتقاضى 18 دينارا اردنيا لا يمكن دفعها له إلا بوصفها مخصصات غذاء لأن الرواتب غير مسموح بها في هذه المنظمات.&وتحدث البدوي عن وضعه في اليوم الأخير من عقد عمله الذي حددت الحكومة الاردنية مدته بستة اشهر. &
&
لدى البدوي وزوجته نادين طفلة عمرها ثمانية اشهر هي مولودهما البكر ، &سمياها سدرة ، شجرة النبق العظيمة التي تنمو في السماء ، تعبيرا عن الحنين الى سوريا. &ويأمل الزوجان بأن يُعاد زرع سدرة ذات يوم في مدينة حمص. &
قال البدوي "لا أعرف أين سأذهب تاليا" ، واعرب عن الأمل بالعمل متطوعا لفترة قصيرة مع منظمة غير حكومية أخرى.&