وجّه زعيم (الدولة الإسلامية) أبو بكر البغدادي مقاتليه للبحث عن تلميذه السابق أبو محمد الجولاني زعيم جبهة النصرة في سوريا والذي انشق عن البغدادي ورفض مبايعته. واشتبه متطرفو الدولة في كون الجولاني متمترسا في بلدة الشحيل التي دفعت الثمن باهظا.


إسماعيل دبارة من تونس: صراعات الجهاديين ليست وليدة الأزمتين السورية والعراقية، فالتاريخ يروي تطاحن تلك الجماعات، منذ ظهور التيارات الجهادية التكفيرية. وكلما برزت طائفة متطرفة وتسيّدت في حيز مكاني ما، إلا وظهرت طائفة أشد بأسا منها، تكفّرها وتقاتلها وتستحوذ على مكانها.

ففي أفغانستان، تقاتل المجاهدون العرب والمجاهدون المحليون بعد رحيل السوفيات، ثم جاءت طالبان لتكفّر الجميع وتمسك مقاليد الحكم قبل أن تهوي بدورها، ويتسيّد أمراء الحرب من جديد، وها هي اليوم تعود من الباب الكبير.

وفي الصومال، تقاتلت جماعات اسلامية فيما بينها إلى أن برزت "المحاكم الاسلامية" التي قيل إنها تستلهم فكر القاعدة، فبرزت لها بعد هُنيهة، جماعة "الشباب المجاهدين" التي قاتلت المحاكم الاسلامية وكفرتها، وغير بعيد عن الصومال، يتعاظم دور جماعة (بوكو حرام) بشكل مطرد.

وفي سوريا، يتقاتل الجهاديون رغم استلهام كثير منهم فكر القاعدة، كحال (داعش) التي تحولت الى (الدولة الاسلامية) و(جبهة النصرة) التي تمثل فرع تنظيم القاعدة في سوريا.

الجولاني مطلوب... حيا أو ميتا

أكّد قيادي في "الجيش السوري الحر" لوكالة آكي الايطالية، أن تنظيم الدولة الإسلامية يمشط حاليا بلدة الشحيل شرق سوريا بيتا بيتا بعد إفراغها من سكانها أملاً في إلقاء القبض على زعيم تنظيم "جبهة النصرة" أبي محمد الجولاني أو على بعض معاونيه ممن يشتبه في اختبائهم هناك.

وقال الضابط في الجيش الحر وهو من بلدة الشحيل في ريف دير الزور، علي مرعي: "علمنا من مصادرنا الخاصة أن أبو بكر البغدادي، زعيم الدولة الإسلامية قد أعطى أوامره لمقاتليه أن يمشّطوا بلدة الشحيل، مسقط رأس أبي محمد الجولاني زعيم جبهة النصرة، على أمل أن يجدوا الرجل في البلدة، ولهذا السبب أرغم تنظيم الدولة أكثر من ثلاثين ألف شخص من سكان البلدة على مغادرتها قبل أيام".

وأضاف "أصدر البغدادي أوامره لمقاتليه أن يقلبوا كل حجر في البلدة بحثاً عن غريمه الجولاني، الذي يصفه أتباع الدولة بـ(الخائن) لأنه خالف البغدادي ولم يقبل الانضمام إلى تنظيمه، وقد نسف تنظيم الدولة عدة بيوت في البلدة عائدة لمقاتلين من جبهة النصرة وكتائب ثورية أخرى انتقاماً من الجولاني".

وفيما إن كان الجولاني، ما زال في البلدة التي كانت تعتبر معقلاً لجبهة النصرة، قال مرعي: "وفق معلوماتنا فإن الرجل غادرها قبل هجوم داعش عليها بساعات، وهو الآن بعيد عنها، لكن تنظيم الدولة سيمشط البلدة بحثاً عن أي من معاونيه على أمل أن يجد أياً منهم، كما سيبحث عن أي وثائق لها علاقة بالجولاني وتنظيمه وفق ما المعلومات التي وصلتنا".

الشحيل المنكوبة

اكتسح تنظيم "الدولة الإسلامية" قبل أيام بلدة الشحيل وأفرغها من سكانها الذين لجأوا إلى قرى وبلدات مجاورة، ويبلغ عددهم أكثر من 30 ألف نسمة، رغم مبايعة فصائل وأهالي البلدة للبغدادي كـ"خليفة للمسلمين" مطلع الشهر الجاري.

وقال المرصد السوري لحقوق الإنسان وناشطون إن تنظيم "الدولة الإسلامية" الذي بات يسيطر على أجزاء واسعة من محافظة دير الزور الحدودية مع العراق، سبق أن هجّر نحو 30 ألف مواطن آخرين من بلدتي خشام وطابية في المحافظة نفسها.

وقال المرصد السوري في بريد إلكتروني: "هجّر تنظيم الدولة الإسلامية، أهالي مدينة الشحيل، المعقل السابق لجبهة النصرة في سوريا، البالغ عددهم أكثر من 30 ألف نسمة، وذلك بعد مبايعة فصائل وأهالي مدينة الشحيل الدولة الإسلامية في الثاني من الشهر الجاري".

وقال المرصد: "الدولة الإسلامية" لم تسمح حتى الآن بعودة سكان بلدتي خشام (أكثر من 15 ألفاً و500 مواطن)، وطابية جزيرة (نحو 15 ألفاً) في ريف دير الزور الشرقي، الذين هجرهم في 23 يونيو، كأحد شروط (قبول توبتهم) بعد قتالهم (الدولة الإسلامية)"

وعلى صفحة تم استحداثها مؤخرا تحت اسم "الشحيل تستغيث" على فايسبوك، كتب ناشطون "كلاب داعش من شدة خوفهم من الشحيل اشترطوا أن يتم تهجير كل من في الشحيل إلى خارج المدينة لكي يستطيعوا أن يدخلوها. ومن شدة خوفهم أيضاً وجبنهم دخلوا في مدرعات ودبابات ولم يدخلوا في سيارات عادية".

وشكك ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي في نيات تنظيم "الدولة الإسلامية" وبإمكان العودة، متهمين عناصر (داعش) بأنهم يريدون احتلال منازل البلدة ونهبها.

الجولاني المتمرّد

أرسل البغدادي تلميذه أبو محمد الجولاني في خضم الثورة السورية ليتكفّل بالملف السوري وينشأ نواة لتنظيم القاعدة هناك، وأسس (جبهة النصرة) التي سرعان ما رفضت أوامر البغدادي في الانضمام إلى (الدولة الاسلامية في العراق والشام- داعش)، إذ فضل الجولاني الحفاظ على ولائه لتنظيم القاعدة بزعامة أيمن الظواهري، وهو ما اثار غضب أبي بكر البغدادي الذي لم يغفر له تمرّده، فكانت ضربات الدولة الاسلامية للنصرة تفوق مثيلاتها الموجهة لبقية الفصائل المسلحة السورية، بأسا وقوة.

ولا تتوفر معلومات دقيقة عن الجولاني الذي يرفض ابراز ملامح وجهه رغم ظهوره على قناة الجزيرة القطرية العام الماضي.

لكن تقريرا لموقع "تحرير سوري" الإلكتروني، قال إن الاسم الحقيقي للجولاني هو أسامة الحداوي وهو من أبناء بلدة الشحيل بريف دير الزور شرقي سوريا، ويبلغ من العمر 30 عاماً، وكان طالباً يدرس الطب البشري في جامعة دمشق قبل احتلال العراق عام 2003 وذهب مع أخيه يحيى لقتال الأميركيين هناك.

وأوضح الموقع أن يحيى شقيق من يفترض أنه الجولاني، قتل في العراق، في حين بقي أسامة هناك واعتقل عام 2010 بتهمة الانتماء إلى تنظيم القاعدة وخرج من المعتقل بنهاية عام 2011.

ولفت التقرير السوري إلى أن أبو بكر البغدادي الذي كان زعيم تنظيم القاعدة في العراق وقتها، أوكل إلى الجولاني بعدها مهمة قيادة عمليات للتنظيم داخل سوريا بعد أشهر من اندلاع الثورة فيها مارس/آذار 2011، وعاد أسامة إلى بلدته الشحيل بالتنسيق مع أخيه عمار الحداوي.

وقام الجولاني بتنفيذ أول تفجير لتنظيم "النصرة" الذي شكله، بالقرب من موقع أمني بمنطقة كفرسوسة في العاصمة دمشق، ومن ثم توالت عملياته خاصة في محافظته دير الزور، في حين تقول تقارير إنّ أغلب الانتحاريين الذين نفذوا عمليات جبهة النصرة هم من أبناء عمومة الجولاني وينحدرون من قرية الشحيل.

وبعد نشوب الخلاف بينه وبين البغدادي، على خلفية رفضه ضم "النصرة"إلى تنظيم "الدولة الإسلامية في العراق والشام"، أصيب الجولاني مؤخراً في إحدى المعارك التي نشبت بين الجانبين في بلدة “مركدة” شمالي محافظة دير الزور، وانتقل بعدها إلى إدلب شمالي سوريا لتلقي العلاج.

وأشار الموقع إلى أن الجولاني شوهد آخر مرة في ريف محافظة حلب شمالي سوريا قبل أن يختفي.

لكن من الصعب التأكد من كافة تلك المعلومات، نظرا لشح المعلومات التي يوردها الجهاديون عن خلافاتهم ومعاركهم وخسائرهم وتحرك قياداتهم.