مع اقتراب الذكرى الأولى لفض اعتصامي الإسلاميين في مصر، تحاول جماعة الإخوان المسلمين اللعب على وتر المظلومية لاستدرار العطف الشعبي والعودة إلى الحياة السياسية مجددًا، إلا أن محللين يستبعدون عودتها ويعتبرون أنها هي من حفرت قبرها بيدها عبر لجوئها إلى تنفيذ الأعمال الإرهابية في مختلف المحافظات.
صبري عبد الحفيظ من القاهرة: تحيي جماعة الإخوان المسلمين والتيار الإسلامي في مصر الذكرى الأولى لفضّ اعتصامهم في ميداني رابعة العدوية ونهضة مصر، الذي وقع فجر الأربعاء 14 أغسطس/ آب 2013، وعرف إعلاميًا بـ"مجزرة رابعة".
تحولت جماعة الإخوان المسلمين منذ فضّ اعتصام أنصار الرئيس السابق محمد مرسي في ميداني رابعة العدوية ونهضة مصر من أعلى الهرم السلطوي في مصر، إلى قاع المظلومية. وعادت مرة أخرى إلى المربع رقم صفر، واستقر قادتها، بمن فيهم الرئيس السابق محمد مرسي، والمرشد العام للجماعة محمد بديع، في قعر المعتقلات.
محاولات يائسة
حفرت جماعة الإخوان المسلمين قبرها بيديها، عندما جاهرت بمعاداة الشعب المصري، الذي حملها إلى السلطة، وأسقطها في ثورة 30 يونيو، ولن تعود إلى الحكم أو الحياة السياسية مرة أخرى. ولن تنجح في توظيف فضّ اعتصام رابعة العدوية في استعادة الحاضنة الشعبية لها مرة أخرى.
وقال الدكتور عادل عامر، رئيس مركز المصريين للدراسات السياسية، لـ"إيلاف"، إن أفعال الجماعة سواء عندما كانت في السلطة أو في أعقاب ثورة الشعب في 30 يونيو، ساهمت في إعادتها مرة أخرى إلى الحياة تحت الأرض، وإعادة قياداتها إلى السجون. ولفت إلى أن فض اعتصام رابعة العدوية كان القشة التي قصمت ظهر الجماعة، وساهم في عودتها إلى مربعها رقم صفر، ألا وهو المعتقلات والشعور بالمظلومية، وتصدير مشهد أن أعضاءَها يتعرّضون للقتل والاعتقال، وتحاول استدرار عطف المصريين والمجتمع العربي والدولي مرة أخرى. وأشار إلى أنها لن تنجح في استعادة هذا العطف والحصول على حاضنة شعبية مرة أخرى، لأنها انكشفت للعالم كله.
وحسب وجهة نظر عامر، فإن الجماعة انتهت سياسيًا، لكن التنظيم الخاص بها لم يمت بعد، ومازال يصرّ على دخول مواجهة خاسرة مع الشعب المصري والنظام. وأضاف أن "الإخوان" تحاول إنهاك الدولة عبر التظاهرات المستمرة أو الأعمال الإرهابية والتفجيرات، التي تقع في مختلف المحافظات، لاسيما العاصمة القاهرة.
استراتيجية التشتيت
وقال عامر إن الجماعة تمارس التظاهرات وأعمال قطع الطرق وعرقلة عمل مؤسسات الدولة بنفسها ومن خلال أعضائها، منوهًا بأنها تمارس الإرهاب والتفجيرات من خلال وكلائها الذين يحملون مسميات كثيرة، منها "أنصار بيت المقدس"، أو "أجناد مصر"، "جند الإسلام"، ولفت إلى أن كل هذه الجماعات خرجت من رحم الإخوان، والهدف من تعدد الأسماء والمسميات هو تشتيت أذهان الأجهزة الأمنية.
يرى عامر أن الجماعة تمارس سياسة الانتقام من المصريين منذ عزلها من السلطة في 3 يوليو/ تموز 2013، بسبب تأييدهم لخارطة المستقبل، وخروجهم للتصويت بكثافة في الاستفتاء على الدستور والانتخابات الرئاسية، لافتًا إلى أن الشعبية التي يحظى بها الرئيس عبد الفتاح السيسي تثير غضب وحنق الجماعة ضد الشعب، ونبّه إلى أن العمليات الإرهابية وتعطيل مصالح الناس عبر التظاهرات جزء من خطط الجماعة للانتقام من الشعب والرئيس.
وذكر عامر أن تيار الإسلام السياسي في مصر والمنطقة العربية قد انتهى تمامًا، وليس جماعة الإخوان المسلمين فقط، مشيرًا إلى أن حزب النور مجرد فقاعة. وقال إن الحزب السلفي ليست لديه قواعد شعبية في المحافظات، ولا يعبّر إلا عن مصالح قياداته فقط.
تضارب أرقام
تتضارب الإحصائيات الرسمية والمدنية حول أرقام الضحايا الذين قتلوا أثناء فضّ الاعتصام، فبينما تقول وزارة الصحة المصرية إنهم 371 قتيلًا، تقول مصلحة الطب الشرعي التابعة لوزارة العدل إنهم 762 قتيلًا، بينما تتراوح الأرقام التي جرى توثيقها من قبل منظمات حقوق الإنسان ما بين 981 و1300 قتيل، فيما تقول جماعة الإخوان إن عدد الضحايا لا يقل عن خمسة آلاف قتيل.
ووصف تقرير منظمة هيومن رايتس لحقوق الإنسان أحداث فضّ الإعتصام، في تقرير بمناسبة مرور عام عليها، بأنها "جريمة ضد الإنسانية"، وقالت إنها وثقت 870 شخصًا خلال 12 ساعة، معتبرة أن هذا العدد من الضحايا يعتبر أكبر رقم فض اعتصام سلمي في العصر الحديث.
فض اعتصام رابعة كان أمرًا مهمًا للمصريين، من أجل الحفاظ على الأمن القومي، وحماية مصر من التقسيم. وقال الشيخ نبيل نعيم مؤسس جماعة الجهاد السابق، لـ"إيلاف" إن جماعة الإخوان المسلمين كتب الله عليها أن تنتهي من حياة المصريين والعرب والمسلمين جميعًا، بعد عام واحد من وصولها إلى السلطة، مشيرًا إلى أن السبب في أن الله سبحانه وتعالى لم يقف إلى جوارها. ووصفها نعيم بأنها جماعة إحترفت التجارة بالدين، ولم تقدم إلى الناس صحيح الإسلام، لكنها ألبست أطماعها في السلطة والحكم ثوب الدين، فأخزاها الله وخذلها، وجعل الناس تنفضّ من حولها.
وأضاف نعيم أن ما تفعله الجماعة من عمليات إرهابية يزيد من تثبيت الذاكرة السوداء عن تاريخ في العنف والإرهاب، مؤكدًا أن "الإخوان" جماعة متورطة في العمالة والخيانة، وتقديم الإسلام المشوّه إلى العالم أجمع، ولفت إلى أن الإسلام الذي يقدمونه مرتبط بتصوراتهم المريضة على حد قوله.
العطف بالمال
وحول مستقبل الجماعة بعد مرور عام على فضّ إعتصام رابعة العدوية وعودتها مرة أخرى إلى السجون، قال نعيم إنه لا يتوقع أن يكون للجماعة أي مستقبل سياسي، غير أنه استدرك قائلاً: إن الجماعة تمتلك أموالًا مهولة، وتستطيع أن تجنّد عددًا كبيرًا من المرتزقة، سواء من الإعلاميين أو المشتغلين بالعمل السياسي، ليكونوا بوقًا لها، ضمن محاولاتها المستميتة للعودة إلى الحياة السياسية واستدرار التعاطف الشعبي مرة أخرى".
ورفض نعيم أية دعوات إلى المصالحة مع جماعة الإخوان، معتبرًا أن الجماعة ماتت سياسيًا، ومن غير المقبول أن يحاول البعض إحياءَها، لتعود مرة أخرى إلى نهش المصريين على حد تعبيره.
إلى غير رجعة
وقال الدكتور كمال الهلباوي، القيادي السابق في التنظيم الدولي، إن الجماعة لم يعد لها وجود على أرض الواقع، منذ فض اعتصام رابعة العدوية. وأضاف لـ"إيلاف" أن من يتتبع تظاهرات وفعاليات الجماعة خلال الفترة الماضية، سوف يتأكد من أنها فقدت القدرة على الحشد، الذي كانت تتباهى به بين القوى السياسية.
ولفت الهلباوي إلى أن فض اعتصام رابعة العدوية يمثل أقوى وأعنف الضربات في تاريخ جماعة الإخوان، متوقعًا ألا تستطيع التعافي من تلك الضربات، لاسيما أن التنظيم الأساسي في مصر هو من تلقى تلك الضربات، مشيرًا إلى أن الجماعة لن تستطيع العودة إلى الحياة السياسية مرة أخرى، خاصة في ظل خسارتها للغطاء الشعبي، وزيادة كراهية المصريين لها، وسوف تستمر محاولاتها لاستعادة هذا الغطاء عبر الحديث عن تعرّضها للظلم والقتل، ونبّه إلى أنها تعمل على توظيف ما حصل في ميدان رابعة العدوية، من أجل استعادة العطف الشعبي مرة أخرى، سواء في مصر أو في مختلف دول العالم، ولاسيما أوروبا وأميركا.
وأشار إلى أن عامًا واحدًا من الحكم كان كافيًا لكشف الجماعة على حقيقتها، وجعل المصريين ينفرون منها وينفضّون من حولها، وأضاف أن عامًا واحدًا أيضاً عقب الخروج من الحكم، أثبت أنها جماعة هشة، وأنه يسهل القضاء عليها، لاسيما في ظل الإصرار على معاداة الشعب المصري.
ثورة فوتوشوب!
ووفقًا للدكتور محمد عبد السلام، الخبير في شؤون جماعات الإسلام السياسي، فإن الجماعة دخلت في مواجهة مع الدولة والشعب من أجل إعادة عقارب الزمن إلى ما قبل 3 يوليو/تموز 2013، مشيرًا إلى أن الجماعة دخلت في تحالفات وارتكبت الكثير من الأخطاء والخطايا من أجل تحقيق هذه الهدف، وكسر ما تعتبره "انقلابًا عسكريًا"، واثبات أن ما حصل في 30 يونيو ثورة "فوتوشوب"، وليس ثورة حقيقية، حسب معتقداتهم.
وأوضح لـ"إيلاف" أن الجماعة منذ عزل الرئيس السابق محمد مرسي، وهي تقف في حالة ذهول سياسي، وغير قادرة على استيعاب التغيير الذي أراده الشعب المصري، متهمًا إياها بالغباء السياسي، وارتكاب أعمال عنف، ساهمت في زيادة عزلتها سياسيًا وانفضاض الناس من حولها. وعلى النقيض مما يراه خبراء وسياسيون آخرون، يعتقد عبد السلام أن الجماعة لم تنتهِ، موضحًا أن الجماعة مازالت تحتفظ بأنصارها وأعضائها في مختلف أنحاء الجمهورية، لكنهم يعانون من العزلة المجتمعية.
وتر المظلومية
وأشار إلى أنه من الصعب القضاء على جماعة الإخوان، التي يصل عمرها إلى أكثر من ثمانين عامًا، لاسيما أنها عاشت طوال تاريخها تحت الأرض، وتجيد استخدام "العزف على المظلومية"، مشيرًا إلى أنها تحاول الإيحاء للداخل والخارج أنها تعاني من الظلم والإضطهاد، من أجل كسب تعاطف القوى المدنية مرة أخرى.
وشدد على أن استغلال الإخوان لفكرة المظلومية، لن يمنحها قبلة الحياة مرة أخرى، وأوضح أن الشعب المصري والقوى السياسية المدنية وعت الدرس جيدًا، وأدركت أن الجماعة لا تعمل إلا لمصالحها الخاصة. ويستبعد أن تعود الجماعة إلى الحياة السياسية، خاصة بعدما لفظها الشعب المصري، لاسيما أنها مازلت تعاني هي من حالة عدم الإتزان السياسي، وتصرّ على معاقبة الشعب، وتوفير أجواء وبيئة خصبة لتصاعد العنف والعمليات الإرهابية.&
التعليقات