يتوقع خبراء أن يتجه اليمن في 2015 نحو سيناريوهات متعددة، تبدأ من الأفضل من خلال انتخابات رئاسية بترشيح رئيس مقبول من كل الأطراف واندماج الحوثيين في الحالة السياسية، وتنتهي بالأسوأ، وهو سقوط اليمن في مستنقع الحرب المذهبية.


حسن حاميدوي: أكد المحللون السياسيون أن اليمن تجاوز الكثير من الأزمات في العام 2014، كادت تعصف بالدولة، وتجرّها إلى مهاوي الحرب الأهلية، وهناك مرشحات أن يصمد اليمن في وجه الأزمات نفسها في العام 2015، شريطة توافر النوايا الحسنة بين جميع التيارات السياسية في اليمن، فضلًا عن وجود دور متزن لدول الجوار والمجتمع الدولي لتحقيق مخرجات الحوار الوطني، التي من شأنها أن تحمي اليمن من الانقسام.

أوضح الخبير الاستراتيجي اليمني عبد السلام محمد، مدير مركز أبعاد للدراسات والبحوث في صنعاء، أن الصراع في اليمن بالنسبة إلى الحركة الحوثية يعتمد على عامل محلي أولًا، يتمثل في تحركهم نحو المناطق الشرقية والجنوبية، وهذا قد يستدعي صراعًا مذهبيًا يؤدي إلى حرب أهلية، مبينًا في حديثه لـ "إيلاف" أن هناك أيضًا عاملًا إقليميًا، "يتمثل في استخدام الحركة الحوثية أداة ضمن مكونات المجتمع الدولي وتداعياته في سوريا والعراق وإيران، وهذا قد يؤدي بالحركة إلى السيطرة على اليمن من أجل أغراض إقليمية، ما قد يكون مدخلًا لتفكك دول الخليج العربي".

انسحاب صالح؟
توقع عبد السلام أن يشهد العام 2015 ضغطًا دوليًا على الحوثي للحفاظ على اليمن، باعتبار موقعه الجيوسياسي المهم، وذلك باتجاه الدفع نحو اندماج الحوثي في العمل السياسي المدني، وتسليم السلاح، "وإن كان هذا أمرًا مستبعدًا، ومنوطًا أيضًا بدول الخليج العربي ونظرتها إلى الحركة ومدى اعتبارها خطرًا على أمن الخليج، وهنا ربما تتعاون دول الخليج مع المجتمع الدولي لإضعاف هذا الخطر وربما تصطدم معه لمنع تفاقم هذا الخطر".

يرى عبد السلام أن الرئيس اليمني السابق علي عبدالله صالح مكبّل بالقرارات الدولية، وقد ينسحب نهائيًا في العام 2015 من الحياة السياسية، ويترك المجال لأنصاره الذين يتشكلون من قسمين: عسكري متعدد الولاءات، لذا سيكون العمل به من خلاله ضعيفًا جدًا، وقبلي ربما يشكل كيانًا مقاومًا للحوثيين، ما لم تتحرك الحركات الجهادية، التي كلما تحركت خلطت الأوراق، وساعدت الحركة الحوثية على تحقيق أكبر قدر من الانتصارات، وجر البلاد إلى صراع طائفي، يصب في مصلحة الحوثي، ولا يصب في مصلحة الحكومات الوطنية.

لا ثالث لهما
وأكد عبدالسلام أن اليمن بين خيارين لا ثالث لهما؛ أولها خيار الحل الوطني، من خلال انتخابات رئاسية، وترشيح رئيس مقبول من كل الأطراف، بمن فيهم الحوثيون، مع ضرورة قبولهم بالاندماج في الحالة السياسية، وتشكيل تيار حزبي مدني، وهذا يضمن عدم انزلاق اليمن في حرب أهلية شبيهة بما حصل في سوريا والعراق، وثانيهما خيار المقاومة الشعبية الوطنية التي تعيد إلى الدولة والمؤسسة العسكرية هيبتها، "وهذا الخيار يلزم المجتمع الدولي ودول الخليج العربي بضرورة تغيير قناعاتها تجاه بعض التيارات الشعبية والإسلامية والليبرالية والقومية واليسارية المشاركة في ثورة 11 شباط (فبراير)، لأن ذلك التكتل هو من كسب ثقة المجتمع المحلي قبل أن تزعزعه سلطة الانتقال التي فشلت في تحقيق أهداف ومطالب الشعب".

نجا من ثلاثة مشاريع
وقال الدكتور زيد الفضيل، الباحث السعودي والخبير في الشأن اليمني، لـ"إيلاف" إن اليمن كان معرّضًا في 2014 لثلاثة مشاريع: "اللبننة، وهو مشروع الصراع الطائفي بين السنة والشيعة والأحزاب ذات البعد الأيديولوجي، والذي يقع ضمن إطار الاستقطاب الإقليمي بين إيران والسعودية؛ والصوملة، وهو مشروع الصراع القبلي؛ والعرقنة، وهو مشروع الصراع الطائفي البحت، لكن اليمن خرج سالمًا من كل تلك المشاريع، وهو أمر مرشح لأن يحدث في العام 2015".

أضاف الفضيل: "عندما دخل أنصار الله إلى صنعاء وعمران، كانت الساحة مؤهلة لأن تدخل اليمن في الصوملة، من خلال صراع بين قبائل حاشد ومكين، وفي مشروع العرقنة، من خلال الصراع بين الحوثيين وحزب الإصلاح، وفي مشروع اللبننة عبر الصراع الإقليمي بين السعودية وإيران، لكن هذا لم يحدث، وكما نجا اليمن في 2014 من هذه التقسيمات، سينجو منها في 2015".

إقليمان أو ستة؟
يرى الفضيل أن القاعدة لن تلعب دورًا أكبر من دورها في 2014، "بل هو في سبيله إلى الانحسار، لأنه ليست هناك رغبة دولية ولا حتى إقليمية في دعمه وبقائه، والحوثيون تخطوا الأمر، والحوار بدأ بينهم وبين حزب الإصلاح ربما يثمر في المستقبل عن شيء جديد، وهناك خطوات جديدة تحتاج إيجاد علاقة أكبر والعودة من جديد إلى ما كانت عليه العلاقات، ولمن لم يعرف الساحة الطائفية في اليمن، فإنها لم تعرف يومًا صراعًا طائفيًا من الأساس، لا بين الزيدية ولا بين الشافعية، والقاعدة بأعمالها المشينة حالة مستنكرة".

وفي ما يتعلق بموقع الحراك الجنوبي في العام 2015، قال زيد إن استمراره سيكون أقوى، "وستتحدد بوصلته بشكل أوضح، فالصراع الآتي في اليمن سيكون على تثبيت الولايات الفيدرالية الست أو العودة إلى الولايتين الفدراليتين، وهذا ما يتبناه الحوثيون والحراك الجنوبي، عبر العودة إلى فيدرالية من إقليمين، إقليم شمالي وإقليم جنوبي، والتحدي الكبير في 2015 هو تطبيق مخرجات الحوار الوطني، والمتمثل في شكل الدولة ونظامها الدستوري، وهل تكون دولة مدنية بمعنى أن الشريعة مصدر من مصادر التشريع، وليس المصدر الوحيد، وهو ما ينادي به أنصار الله".

دفعة للحراك الجنوبي
إلى ذلك، قال الكاتب الصحافي اليمني نجيب اليافعي إن دخول الحوثيين صنعاء أعطى دفعة كبيرة للحراك الجنوبي للعمل نحو خيار الانفصال، لاسيما بعد إعلان حزب الإصلاح والسلفيين عن مشاركتهم مع بقية الفصائل في المحافظات الجنوبية في تقرير المصير، وهي الكتلة التي لم تتخذ قرارًا في الماضي، مشيرًا إلى أن هذه المستجدات أعطت الحراك الجنوبي زخمًا كبيرًا للسير نحو هذا التوجه.

وأضاف اليافعي لـ "إيلاف": "السبب الرئيس لهذا التوجه هو الحالة النفسية التي وصلت إليها شعوب المنطقة الجنوبية، حيث رأوا أن لا فارق بين قبائل سنحان وحاشد ومكين، لذا اتجهوا بشكل مكثف نحو خيار الوطن الجنوبي البعيد عن الصراعات القبلية والمناطقية، وأيضًا الهمجية التي رسمها مسلحو الحوثي خلال الفترة الماضية".

وقال اليافعي إن القاعدة استلمت زمام الأمور خلال الفترة الماضية بعد انسحاب الكتل السياسية والشعبية والقبلية أثناء تمدد مسلحي الحوثي لاعتبارات مناطقية واجتماعية، "والصراع بين القاعدة والحوثيين لن يطول إذا تغيّرت التحالفات خلال 2015 بين القبائل المحيطة بالحوثي والمصالح القبلية، وإذ استمر الحوثي في التمدد عسكريًا في مختلف المناطق، مع استمرار تواري كل الكتل والقوى السياسية والقبلية عن مواجهته، لا شك أن القاعدة ستحصل على زخم واسع، وستنتشر بشكل كبير خصوصًا في المناطق الوسطى وبعض المناطق الجنوبية مثل حضرموت وأب وتعز".

تحالفات عرضة للتبدل
واستبعد اليافعي قيام دولة شيعية في خاصرة اليمن السني، "فالمصالح في اليمن تحكمها السياسة، وليس الأيديولوجيا، التي غالبًا ما تكون في بعض المحاورات الجنوبية، بحكم التمدد السلفي، الذي أعطى الجنوب بعدًا مذهبيًا أكثر منه في الشمال، الذي تحكمه السياسة أكثر من الأيديولوجيا، فتمدد الحوثيين في صعدة ثم دماج ثم عمران فصنعاء تمت مجابهته بعمليات مقاومة، والرفض الشعبي والاجتماعي الحاصل لهذا المشروع يتصاعد باعتباره مشروعًا عنصريًا قائمًا على السلالة، ومناطقيًا ضيقًا في وسط مجتمع يمني متنوع، من المستحيل أن يقبل بصبغة مذهبية قادمة بلباس إيراني".

وأوضح أن تقسيم اليمن يمكن فرضه بالقوة العسكرية، خصوصًا في مناطق الشمال، "لكن يستحيل أن تتحول اللبننة إلى مشروع متكامل، باعتبار أن اليمن يختلف عن لبنان، حيث لا توجد صبغة طائفية ولا مذهبية عميقة متجذره في المجتمع، فالمتجذر في المجتمع هي المصلحة السياسية والاجتماعية التي تتغير باستمرار، حتى إن الحوثي لم يكن ليستطيع أن يدخل صنعاء إلا من خلال تحالفات قبلية من خصوم الإصلاح وخصوم علي محسن الأحمر، ومن يظن أن الحوثي تمدد عسكريًا بقوته الذاتية، فهو واهم، بل تمدد بقوى الآخرين، والذين يشعرون الآن بالقلق والخوف مما قام به الحوثي في الفترة الماضية، ما قد ينبئ بتغيير هذه التحالفات في العام 2015".