تمكن العلماء من استنبات العديد من الأعضاء والأنسجة البشرية وشبه البشرية باستخدام الخلايا الجذعية، لكن العضلات التي استنبتها العلماء الأميركيون من جامعة ديوك تستجيب للمحفزات الخارجية وتتحرك مثل العضلات الحقيقية.

ماجد الخطيب: تختلف العضلات الهيكلية عن العضلات الملساء والقلبية بأنها تخضع للتحكم من قبل الجهاز العصبي الإرادي مباشرة، وأنها لا يمكنها أن تقوم بعملية الانقباض ذاتيًا، كما لا تخضع لأية مؤثرات أخرى (مباشرةً) كالهرمونات في حركتها.

أما العضلات الملساء والقلبية فتخضع بشكل أساس للجهاز العصبي اللا إرادي، إلا أنها يمكن أن تنقبض دون أمر مباشر من الجهاز العصبي المركزي. ويمكن للعضلات الملساء وعضلة القلب أن تخضع لتأثير من الغدد الصماء لتنظيم عملية انقباضها.

ومشكلة العضلات التي تم استنباتها حتى الآن مختبريًا من الخلايا الجذعية هي انها لا تستجيب للمحفزات العصبية والهرمونية والكهربائية، رغم انها قد تكون بديلًا معقولًا للعضلات الحقيقية. وما حققه الباحثون الاميركيون من جامعة ديوك في دورهام بقيادة الباحث نيناد بورساك، هو انهم استنبتوا عضلات تستجيب للمحفزات الخارجية ومن خلايا عضلية بشرية معينة، وليس من الخلايا الجذعية.

وسط عملي للتجارب

يمكن لهذه العضلات المتحركة أن تكون وسطًا عمليًا لاختبار الأدوية والعقاقير على عضلات الإنسان، كما قد تكون احتياطيًا مستقبليًا لعضلات الإنسان. والمهم أيضًا هي إمكانية استخدامها في معالجة الأمراض التي تسبب ضعف وضمور العضلات وغيرها من الأمراض النادرة.

وبدأ الباحثون بالفعل فى إجراء الدراسات عليها لفهم أمراض عضلية وراثية كمتلازمة دوشين، التي تسبب ضعف العضلات الهيكلية، ولا يوجد لها علاج حتى الآن.

وكتبت الباحثة لوران مادن، التي شاركت في التجارب، على صفحة "إي لايف" الإلكترونية، انهم نجحوا في استنبات ألياف عضلية تتفاعل مع المحيط وتتحرك مثل العضلات الحقيقية. هذا سيتيح للعلم إجراء الاختبارات التي يتعذر إجراؤها على عضلات جسم الإنسان الحي.

استخدم العلماء في البداية شريحة من الخلايا العضلية البشرية وجعلوها تنمو على وسط من الخلايا الجذعية، لكن الخلايا الليفية لم تؤلف نسيجًا عضليًا، الأمر الذي دفع الباحثين لمضاعفة عدد الخلايا آلاف المرات عبر تنميتها داخل وسط من هايدروجيل (جيل مائي). وكانت النتيجة خلايا عضلية تتأثر خارجيًا بالمحفزات الكهربائية والعقاقير المختلفة.

شخصنة الأبحاث

كتبت الباحثة مادن أن العملية لم تكن بهذه السهولة لأن العديد من العوامل كان ينبغي توفرها وانسجامها مع بعضها كي تضمن استنبات الخلايا إلى عضلات. ورغم الخبرة الطويلة لفريق العمل في استنبات عضلات مختلف الحيوانات فقد تطلبت التجربة سنة من العمل المختبري لتوفير هذه العوامل المختلفة.

وظهر من التجارب على هذه العضلات انها تتفاعل وتحرك تجاه الشحنات الكهربائية، كما تتأثر العضلات الحقيقية بالحوافز العصبية. اظهرت التجارب الأخرى على النسيج العضلي المستنبت انه يستجيب لمختلف المواد والأدوية كما تستجيب عضلات البشر أيضًا.

ولم تكن عضلات الحيوانات التي استنبتها فريق العمل مختبريًا في السابق تستجيب للحوافز كما تفعل خلايا العضلات البشرية المستنبتة.

وذكر نيناد بورساك أن أحد أهداف الفريق الأساسية هو "شخصنة" الأبحاث على عضلات البشر، بمعنى استنبات العضلات من جسم إنسان ما، ومن ثم إجراء تجارب الأدوية عليها وصولًا إلى أفضل علاج لهذا الإنسان بالذات، إذ انه من المعروف أن عقاقير علاج العضلات تنتج حتى الآن لكل البشر دون حساب لفردانية مواصفات عضلات كل إنسان على حدة.

استنبتوها من خلايا عضلية

كان الباحثون من دورهام قد نجحوا أيضًا في استنبات الشرايين من الخلايا العضلية، إذ يواجه الطب دائمًا مشكلة إنقاذ أرواح الأفراد الذين يتعرضون لانسداد في شرايين القلب أو للجلطات القلبية، ويستخدم جراحو القلب عادة عمليات المجازة القلبية لمساعدة المرضى على إطالة حياتهم.

واستخدم فريق البحث، بقيادة لورا نيكلسون من جامعة ديوك، خلايا غير جذعية في استنبات الشرايين، ومن الخلايا العضلية بالضبط. وكان هذا الفريق الاميركي نجح في 1999 باستنبات شرايين الخنزير، إلا أنها لم تكن ملائمة للشرايين البشرية بسبب سرعة موت خلاياها.

وذكرت نيكلسون أن جدار الشريان المستنبت يختلف عن بقية جدران الأوعية الدموية المستنبتة بطرق أخرى لأنهم زودوا خلاياه هذه المرة بجين النمو Wachstumsgen hTERT (human telomerase reverse transcriptase subunit). ويعتبر هذا الجين أهم مكونات إنزيم يعمل على وقف موت الخلايا. وهذا يعني أن بإمكان هذه الخلايا أن تعيش لفترة غير محددة طالما وصلها ما يكفي من المواد المغذية.

استنبات مثانة من خلايا الخنزير

قبل ذلك، اقترب علماء جامعة آخن الالمانية خطوة كبيرة باتجاه استنبات مثانة للانسان، حينما نجحوا مختبريًا باستنبات مثانة من خلايا جلد الخنزير.

وأفاد رئيس المشروع بيرنهارد بريمة، من مستشفى آخن التابع للجامعة، بأن فريق العمل نجح للمرة الاولى&في أوروبا في تنمية مثانة باستخدام خلايا البشرة. وسيستخدم الفريق نفس طريقة العمل مستقبلًا لاستنبات مثانة انسان مختبريًا.

وشرح بريمة الطريقة قائلًا إنه تم تكثير خلايا بشرة الخنزير على هيكل ثلاثي الأبعاد صنعه العلماء من نسيج بروتين حيواني يتحلل ويختفي تلقائيًا بعد ثلاثة أشهر من زرع الخلايا عليه. ونجح الباحثون في تنمية الخلايا إلى مثانة بواسطة ايعازات خاصة.

ويفترض أن تساعد المثانات المستنبتة المرضى المحتاجين وتجنبهم المضاعفات التي تسببها عمليات ترقيع المثانة بواسطة الأنسجة المستمدة من الأمعاء. ومعروف أن أبرز هذه المضاعفات هو تكون الأورام وتسرب الأملاح والاوكسجين من الجسم. ويجري في ألمانيا سنويا تشخيص 15000 حالة إصابة بسرطان المثانة الخبيث، ويضطر الجراحون لاستئصال المثانة بأكملها في 20% من الحالات.