الإرهاب، والعنف، والتكفير، قضايا ملأت الدنيا وشغلت الناس، إلى جانب الأزمة الإقتصادية، وأسعار النفط، والبطالة، والهجرة غير النظامية، وقد أثار اكتشاف 25 طنًا من الكتب التي وصفت بالتكفيرية، في مستودع في مدينة المهدية الساحلية، 200 كيلومتر جنوب شرق العاصمة تونس، الكثير من الجدل، واتهامات مجانية لبعض الدول التي تناهض ثقافيًا وسياسيًا ظاهرة التكفير والغلو بكل الوسائل.


عبدالباقي خليفة: ما إن أعلنت السلطات الأمنية التونسية، عن كشفها لمستودع تخزن به كتب، وصفت بالتكفيرية، بلغ وزنها 25 طنا، حسب إفادات أمنية، وعلى ذمة شخص مصنف أمنيا بأنه متشدد، حتى توالت ردود الأفعال من قبل وسائل اعلام، وبعض المعلقين، الذين لم يتوانوا في الإساءة لبعض الدول العربية، التي اتهموها بالترويج لمذهب معين، وأنها تقوم بتمويل أصحاب ذلك المذهب الذي وصفوه بالتكفيري في تونس. أو بتعبير أحدهم، وهو رياض الصيداوي، لوكالة الأنباء الألمانية { د. ب. أ }" أموال طائلة تتدفق من دول خليجية لدعم جمعيات دينية تعمل على تغيير المذهب المالكي والطبيعة الصوفية للمجتمع التونسي والترويج للمذهب الوهابي".&

قراءة خاطئة

وزعم الصيداوي، وفقا للمصدر أن تلك الدول "اتبعت نفس الآليات سابقا في أفغانستان وباكستان، وهو ما أدى إلى انتاج طالبان". وهو ما يكشف وفق خبراء عن أمية معرفية، إذ أن طالبان، تعني طلبة المدارس الدينية، وهي سابقة قائمة ومنذ قرون، وكان لها اسهام كبير في القتال في أفغانسان منذ ثمانينات القرن الماضي.&

ورغم أن الأجهزة الأمنية التونسية، وتحديدا وزارة الداخلية التونسية، وبعض وسائل الاعلام، قد ذكرت بأن المتهم اعترف بملكية تلك الكتب، وإنه ينوي ترويجها في عدد من المدارس والمعاهد والمساجد، وذلك بغية استقطاب عناصر جديدة وتحفيزها على تبني أفكار تراها الوزارة تكفيرية ومتطرفة، وفق تلك المصادر. وأنها { الوزارة } &دعت ممثلين عن وزارة الشؤون الدينية ووزارة الثقافة إلى عين المكان، واكتشفوا حسب بيان وزارة الداخلية التونسية أن مضمون الكتب المحجوزة لا ينسجم مع الواقع التونسي، وأنها تنحى منحى تكفيريا". ولم يشر بيان وزارة الداخلية التونسية إلى مصدر تلك الكتب، وإن كان البعض قد ذكر بأنها قادمة من القطر الليبي، أو قادمة من دول عربية مشرقية لأغراض دينية أو تجارية. كما لم يشر البيان إلى أسماء الكتب التي وصفت بالتكفيرية.

الديني والتكفيري

الباحث التونسي في قضايا التكفير والارهاب، الدكتور سامي براهم، وصاحب دراسة معمقة حول السبل الكفيلة بمقاومة التكفير والإرهاب، أكد، لايلاف، في اتصال هاتفي معه أنه" لا يوجد مذهب أو دين ليس فيه تكفير، أو حرمان" وكلمة كافر تقابلها العديد من المصطلحات المماثلة، مجدف، مهرطق، تحريفي، وحتى رجعي، وغيرها من المصطلحات التي تعني الإبعاد والنقيصة والتي تؤدي في حال توفر القوة اللازمة إلى القمع والاستئصال.

واستحضر الباحث براهم، طريقة التعامل مع الكتب الدينية في عهد الرئيس السابق بن علي" كانت هناك نكات كثيرة في عهد بن علي، فكل كتاب ديني يعثر عليه، هو محل شبهة تكفير، بل إن كتبا ماركسية وجدت لدى متدينين وصفت بالدينية بل بالتكفيرية ". وتابع" ليس كل كتاب ديني هو تكفيري بالضرورة، وجميع المذاهب فيها تكفير بما في ذلك المذهب المالكي الذي تتبعه تونس وعدد من الدول الاسلامية الأخرى" وأردف" غالبا ما تكون هذه القضايا مشحونة بالإفتعال، وقد تشكل بعض الكتب خطورة، لكنها ليست في نفس المقام" وعندما طلبنا منه شرحا وافيا، أفاد براهم بأن" الكتب العقائدية وكتب السيرة والتفسير أو ما يعرف بأمهات الكتب لا تمثل خطورة لأنها موجودة منذ نحو 1500 سنة ولم تثر ما تثيره بعض الكتب التكفيرية الحقيقية".

وحول الاختلاف بين كتب التكفير والكتب الأخرى شدد سامي براهم على إن " الكتب التكفيرية هي التي يكتبها تكفيريون، أما العلماء المشهود لهم بالعلم في الدول العربية، وهم محل احترام وتبجيل من قبل سلطات دولهم، وتمنحهم براءة من التكفير فليسوا تكفيريين". وبخصوص الكتب التي يمكن وصفها بالتكفيرية حتى لا يرمى الطفل مع الغسيل، كما يقولون،أوضح براهم وهو باحث أكاديمي رصين، يستشار من قبل معاهد الدراسات المتخصصة في هذا الميدان، داخل تونس وخارجها" الكتب التكفيرية هي الصادرة عن تكفيريين معروفين بهذا الفكر، ويمكن ذكر أبوقتادة، وأبو مصعب السوري، والمقدسي، وأمثالهم، أما الكتب التي تصل من المملكة العربية السعودية فهي لا تمثل خطرا أمنيا، بل هي من باب التمذهب الفقهي والاجتهاد الفقهي".