البيرة: على بعد امتار قليلة من المواجهات مع الاسرائيليين في شمال البيرة في الضفة الغربية المحتلة، يحاول فلسطينيون المضي بحياتهم الطبيعية في تعبير جديد عن ارادة الحياة على الرغم من الموت والعنف اليومي.

في منطقة البالوع الملاصقة لمركز عسكري اسرائيلي قرب مستوطنة بيت إيل، تفتح المحال التجارية ابوابها، ويرتادها الزبائن غير آبهين باصوات الرصاص والحجارة والغاز المسيل للدموع التي تتكرر كل يوم.

في مقهى محاذ لمنطقة المواجهة، يقول المحامي زيد ايوبي وهو ينفث دخان نرجيلته لوكالة فرانس برس "نعيش بشكل طبيعي. هذه الانتفاضة لا تؤثر علينا. باتت حدثا عاديا في حياة الفلسطينيين". ويضيف "كما ترى، المواجهات تجري على بعد امتار، وانا اجلس هنا ادخن النرجيلة".

وتنتشر الحجارة وبقايا الاطارات المحروقة في وسط الطريق الملاصق للمقهى وعلى جانبيه. كما تمكن رؤية حاويات القمامة التي اغلق شبان بها الطريق منعا لدخول سيارات الجيش الاسرائيلي الى المدينة التي تشكل مركز السلطة الفلسطينية. وتصل سيارة محملة بعلب كرتونية كبيرة الى المكان، ينزل منها السائق ويخرج العلب التي تحتوي على ساندويشات شاورما وبيتزا، يضعها ارضا، ويغادر.

ويوضح ناشط لوكالة فرانس برس ان حوالى عشرين مطعما في الضفة الغربية تقوم بتوزيع أطعمة على الشبان الذين يمضون ساعات طويلة يرشقون الحجارة باتجاه الجيش الاسرائيلي، ويتورطون غالبا في مواجهات. ويفضل اصحاب المطاعم عدم الكشف عن اسمائهم خوفا من الملاحقة الامنية. يدخل المهندس المعماري عامر ابو ريان الى المقهى. ويقول لفرانس برس "الوضع بالنسبة الينا عادي، وان كانت هناك مواجهات".

ويضيف "من خلال عملي كمهندس معماري، ألاحظ ان طلبات البناء والعمل لم تتوقف، ليس اليوم فقط، انما خلال كل الانتفاضات التي شهدتها الاراضي الفلسطينية". على تلة مطلة على المنطقة، يتجمع اشخاص نساء ورجال واطفال يراقبون المواجهات التي يخوضها شبان بعضهم ملثمون ضد جنود اسرائيليين. ويقوم بعضهم بالتقاط الصور من هواتفهم المحمولة. وباتت اشرطة الفيديو سلاحا اساسيا في جولة المواجهات الحالية المستمرة منذ الاول من تشرين الاول/اكتوبر.

وينبعث من المكان دخان ابيض ناتج على الارجح من اطلاق الرصاص الحي او المطاطي. وتبعد منطقة المواجهة امتار عن منزل الرئيس الفلسطيني محمود عباس غربا حيث تنتشر مطاعم ومحال تمارس عملها كالمعتاد. ويروي عبدالله مبارك (23 عاما) الذي يعمل في محطة وقود قريبة، أن زجاج احدى الغرف في المحطة اصيب قبل ايام بالرصاص.

ويضيف "هناك مواجهة مع الاحتلال، هذا امر اعتدنا عليه منذ زمن. نحن نعمل بشكل طبيعي جدا، والناس يقصدون المحطة لتعبئة الوقود كالمعتاد". الا ان عاملا آخر في المحطة يقر بتراجع نسبة ارباح المحطة الى اكثر من النصف خلال المواجهات المتواصلة منذ اكثر من اسبوعين. وقتل في اعمال العنف 41 فلسطينيا واريتريا واحدا عن طريق الخطأ وثمانية اسرائيليين.

ولا يستشعر الفلسطينيون الذين يعيشون مع الخطر والموت منذ عقود، بوجود خطر داهم. ويقول عبد بزار الذي كان يقود سيارته وزوجته الى جانبه، لدى توقفه لتعبئة الوقود "لسنا خائفين، بعد كل ما عشناه، مم نخاف؟". وينشغل مصطفى غوشة في ترتيب البضاعة داخل محله التجاري الملاصق لمحطة الوقود، في انتظار الزبائن، وغالبيتهم من الصحافيين المتواجدين بكثافة في المنطقة.

ويقول انه قام بتغيير الزجاج الامامي لمحله ثلاثة مرات بعدما اصيب بطلقات من الجيش الاسرائيلي خلال المواجهات الاخيرة. ويضيف "لكن رغم ذلك، ابقي المحل مفتوحا ولا اغلقه الا حين تشتد المواجهة".

وتستمر المواجهات حتى ساعات المساء. في صبيحة اليوم التالي، ينشغل موظفون في بلدية البيرة في اصلاح الاضرار التي لحقت في حديقة عامة، اطلق عليها اسم "حديقة السفراء" كونها اقيمت بتبرع من دول اجنبية عدة.