عندما زارت الملكة إليزابيث الثانية دولة الامارات عام 1979 قالت وهي يسيطر عليها شعور بالإعجاب الذي يلامس حدود الإنبهار أمام المؤسسين الراحلين الشيخ زايد بن سلطان ال نهيان، والشيخ راشد بن سعيد ال مكتوم، "إن دبي بالتقدم المرموق الذي حققته ستكون حاضنة المشاريع مستقبلاً" .. فماذا كانت ملكة بريطانيا ستقول لو أنها شهدت دبي عام 2015؟
الأمل والمستقبل
الحوار الذي اجرته مجلة نيوزويك مع الشيخ محمد بن راشد ال مكتوم، يفتح آفاق الأمل أمام المنطقة العربية بعد سنوات من الإحساس بالمستقبل المجهول، إنه فجر الغد الواعد بعد ليل طويل.
للمرة الأولى منذ عشرات السنين، يسمع العالم العربي صوتًا صادقًا مبشرًا بمشاريع تنموية تتجاوز حدود الدولة القُطرية، وللمرة الاولى يسمع الناس قائدًا عربيًا يقول بفخرٍ: "إن المنطقة ليست على اجندتي، انها اجندتي".
عقيدة الشيخ محمد بن راشد هي ان المنطقة غير قابلة للتجزئة، فهي إما ان تنهض معًا وإما ان يلحق التردي كل أعضائها، وهو يقولها بصراحته الصادقة: "المنطقة اليوم كما نراها على محك تاريخي، وعند مفترق طرق حضاري، اما ان تستعيد حضارتها وتستأنف ريادتها، وإما ان تكون منطقة غير صالحة للسكن".
الإمارات نموذجاً
لقد وضع باني نهضة دبي الحديثة بذلك حدًا للنظرة الضيقة التي ترفع شعار الانعزال داخل حدود الدولة الواحدة، ما جعل العمل العربي المشترك متعثرًا في اغلب الأحيان. وكمن يرسم خريطة الطريق يهدي حاكم دبي جوهرة تجربته التنموية الى البلدان العربية قائلاً: "اليوم جزء كبير مما نصنعه في دولة الامارات هو بناء نموذج ناجح للمنطقة، نموذج تستطيع أي دولة أو شعب أن يتبناه"، هذه الجوهرة لا تقوم على دعامة واحدة، انها مزيج من التطور الاقتصادي والانفتاح الذهني والتسامح الذي هو أساس التعايش المشترك.
أما المحرك الذي يدفع منظومة القيم هذه فهي كما يحددها الشيخ محمد بن راشد :"مجموعة كبيرة من الأنظمة الاقتصادية والإدارية المتطورة التي توفر جودة حياة للجميع، نموذج يقوم على دعم الشباب واعطائهم فرصة لبناء اوطانهم".
تمكين نصف المجتمع
رائد النهضة لديه إيمان راسخ بأن التنمية الشاملة لا يمكن ان تتحقق اذا بقي نصف المجتمع محرومًا من المساهمة الفعالة في حركة البناء والتقدم في جميع المجالات. وهو يدرك ان عدم افساح كل الميادين للمرأة إنما هو عرقلة لأي تحول إيجابي، لذلك يدعو بقوة الى: "تمكين المرأة بشكل كامل واستغلال طاقاتها الكامنة بدون أي تحجيم او تعطيل".
هموم المنطقة
النظرة الشاملة للمنطقة، التي تراها كجسم واحد رغم اختلاف الأعضاء، هي التي توضح رؤية رئيس وزراء دولة الامارات الى ان أي خلل جسيم في الجغرافيا السياسية في المنطقة، لا تكون عواقبه الوخيمة فردية. فكل من ظن ان الأخطاء التي وقع فيها صدام حسين، ادرك بعد غزو العراق أن مأساة هذا البلد العربي ستحدث اضرارًا لكل المنطقة قد لا يمكن الخلاص من آثارها حتى بعد عشرات السنين . يقول الشيخ محمد بن راشد في هذا الصدد :"بداية التدهور الكبير والفوضى في منطقتنا كانت مع غزو العراق، وحل جيشه، وفتح المجال لخطاب وجماعات طائفية إقصائية، ثم رد فعل تكفيري ارهابي، ثم فوضى تقودها احزاب وجيوش صغيرة امتد تأثيرها لأكثر من مكان".
آفاق الأمل
الاشعاع الذي أراد الشيخ محمد بن راشد ان ينير للمنطقة طريقها هو في ذات الوقت العمود الفقري للحوار مع مجلة نيوزويك، هو دعوته الحكومات الى تمكين شعوبها وفتح آفاق الأمل أمامها. اما في دولة الامارات فإن آفاق الأمل تتجاوز نطاق الكرة الارضيّة الى الفضاء الخارجي .من هنا اطلق حاكم دبي مشروع مسبار الأمل الذي يراه مشروعًا عربيًا لشباب ومنطقة وأمة. والوعد عظيم بإمتياز فهو يعد بريادة علوم الفضاء وتخريج مئات المهندسين والخبراء في هذا المجال.
كذب المحللون
الشيخ محمد بن راشد بخبرته القيادية يقدم درسًا عميقًا الى الاعلاميين والمحللين، وهو ضرورة التروي والإعتماد على الحسابات الدقيقة عندما يتعلق الأمر بدارسة الواقع وتأثير ما يحدث على المستقبل.
وعن ذلك يقول، "لست محللاً اقتصادياً، ويمكنكم بالتأكيد الحصول على إجابة أفضل من المتخصصين، ولكن ما أعرفه من خلال خبرتي أنه من الخطأ الكبير أن تعتمد الحكومات على ما يقوله المحللون الاقتصاديون ومتابعو الأسواق الدولية وأصحاب التقارير المسؤولة عن المؤشرات فقط، الاقتصاد العالمي خلال الأعوام العشرة المقبلة هو غير الاقتصاد العالمي خلال العشرة السابقة".
ويضيف "مهمة الحكومات هي التنبؤ بهذا المستقبل، والاستعداد له، ليس المهم هو تقلب الأسواق الاقتصادية الحالية، المهم هو ما القطاعات التي ستقود اقتصاد العالم خلال السنوات المقبلة، حتى نكون ضمن هذه القطاعات من اليوم، من كان يظن قبل 10 سنوات مثلاً أن شركة مثل أبل سيبلغ حجمها أكبر من شركات نفط عمرها أكثر من 100 سنة ؟".
التعليقات