أعلنت دبي عن إطلاق منصة متكاملة لتلقي الأفكار والاقتراحات والملاحظات، تحمل اسم "مجلس محمد بن راشد الذكي". وأكد الشيخ محمد بن راشد أن المجلس يخضع لإشرافه المباشر ويضم 30 جهة ودائرة حكومية. وأكد حاكم دبي أن الأفكار والملاحظات ستكون محل تقدير واهتمام، وذلك بغية بناء "المدينة الأفضل عالميًا".
عبداللطيف الزبيدي: منذ أثينا التاريخية وروما الأباطرة، لم تغادر الديمقراطية، بجلساتها ومداولاتها ومناظراتها، جدران البرلمانات وسقوفها، إلى العصر الحديث، بل إلى الرابع والعشرين من شهر أكتوبر 2015. أمّا تدشين مجلس يتسع للمواطنين والمقيمين والزائرين في دبي ومن شاء من سكّان العالم الافتراضيّ، لطرح الأفكار والملاحظات للنقاش، وإيصالها إلى ثلاثين دائرة حكوميّة، تشمل جميع التخصّصات وجوانب الحياة العامّة بلا استثناء، فهذه تجربة خلاّقة لا سابقة لها في التاريخ. ذلك هو "مجلس محمد بن راشد الذكيّ".
قد لا تكون الديمقراطية كمصطلح في محلها في هذا المضمار. فهي في اللغة اليونانية القديمة:"حكم الشعب" أو "سلطة الشعب". وفي أثينا لم يكن العمل بها مطابقًا لما نفهمه منها اليوم. إذ كانت الديمقراطية الأثينيّة تستثني النساء والعبيد والفقراء. وبالتالي لم تكن الديمقراطية ديمقراطية بمفهوم زماننا. والتفسير السائد في التاريخ الحديث، يعود إلى أبراهام لنكولن، الرئيس السادس عشر للولايات المتحدة: "الديمقراطية هي حكم الشعب للشعب، من أجل الشعب".
نظرة الناس في جميع القارات إلى الديمقراطية منحصرة متجمّدة في النموذج الغربيّ. ولهذه النظرة أسبابها المنطقيّة ومدلولاتها المقنعة. لكن مزايا الحياة الديمقراطية والنتائج الإيجابية الملموسة من ممارستها، ليست وقفًا على النماذج الغربية، التي لا يوجد دليل على كمالها ومثاليتها، إلاّ بالمقارنة بما هو دونها في المستوى. أمّا مجال الابتكار في التطبيق فكل إبداع ليست له حدود.
المجلس الافتراضي الذكيّ الذي أسسه وأطلقه الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس دولة الإمارات، رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي، فكرة مبتكرة تحمل في طيّاتها دعوة إلى إعادة النظر في مسائل عدّة:
يتشكل البرلمان، بتسمياته المتعددة، مجلس الشعب، المجلس الوطني، مجلس الأمّة، من أعضاء ينتخبهم أفراد الشعب ضمن سن قانونية محدّدة، لسنوات معلومة. وللمجلس جلسات مفتوحة وأخرى مغلقة، ضمن أوقات معيّنة. ويستطيع الأعضاء استدعاء الوزراء لاستجوابهم عندما تدعو الضرورة.
لكن هذا المجلس الذكيّ يأتي بمفاهيم جديدة تؤسس لهويّة مختلفة تمامًا عن البرلمانات والمجالس التقليدية. فبدلاً من اقتصار المؤسسة على أعضاء منتخبين، يستطيع أيّ مواطن ومقيم وزائر بل حتى أيّ فرد من سكّان العالم، دخول المجلس الافتراضيّ والإدلاء بدلوه بالأفكار والملاحظات، وستتولى الدائرة المعنيّة استقبال وجهة نظره، ويكون في إمكانه متابعة ما أرسله ومعرفة رأي الجهة المختصّة ومدى تفاعلها. وكل ذلك تحت إشراف مباشر دائم من حاكم دبي شخصيّا.
&المجلس الذكيّ لا يعرف حدودًا للسن، فقد تأتي الفكرة المتألقة من طفل عبقريّ أو شخص في التسعين حنّكته التجارب. ولكون المجلس افتراضيًّا فلا مقاعد ولا أماكن مخصّصة ولا أوقات أو مواعيد للجلسات، فإن في مقدور الآلاف الحضور متى أرادوا على مدار الساعة، فالأبواب المعلوماتيّة الرقميّة الإلكترونيّة مفتوحة على مصاريعها ليل نهار، لكل سكان الأرض، فلا أهميّة لفوارق التوقيت. ولن يقال لأحد إن الجلسة مغلقة أو انتهى الدوام.
&الجانب المهمّ الآخر، هو أن البرلمانات المتعارف عليها في بلدان العالم، عندما يطرح عضو أو أعضاء مسألة تحتاج إلى معرفة جواب الوزير أو المسؤول المعنيّ فيها، لا يكون حضوره حتميّا ولا فوريّا. أمّا في هذا المجلس الذكيّ فما يطرحه الشخص من آراء وملاحظات، لن يخرج عن اختصاصات الدوائر الثلاثين، التي تغطي جميع جوانب الحياة العامّة في دبي، وهي تعمل بلا كلل طوال الليل والنهار.
&لا شك في أن عمل البرلمانات مختلف، فهي السلطة التشريعية التي تضطلع بسنّ القوانين ومراجعتها أو إعادة النظر فيها أو تحديثها وحتى تعطيلها وإلغائها. وإنما يتفرّد المجلس الذكيّ بنقل الشأن العام إلى مستوى أكثر عموميّة، بفتح كل الأبواب أمام الجميع. يقول باني نهضة دبي الحديثة: "هدفنا أن تتاح الفرصة لكل أفراد المجتمع بمختلف شرائحه لحضور مجلسنا وتقديم الأفكار وطرح الملاحظات والنقاش، والعمل يدا بيد في عمليّة البناء، التي يجب أن تكون بمشاركة الجميع، وهذا لن يكون إلاّ بدمج الفكرة التقليدية للمجلس مع التكنولوجيا الحديثة، لإتاحة الفرصة لجميع سكان ومحبّي دبي حول العالم، للمساهمة في عملية التطوير على مدار 24 ساعة، فالأفكار ليست حكرًا على أحد، وليس لها وقت محدد".
&إذا كانت الديمقراطية هي إتاحة الفرصة للجميع للمشاركة في القرار، فإن مجلس محمد بن راشد الذكيّ، لم يدع لأيّ مجال فرصة البقاء في الكواليس، فكل الميادين حاضرة على مدار الساعة في انتظار الآراء والملاحظات والأفكار التحديثية التطويرية:الأعمال، السياحة، المواصلات، الكهرباء والمياه، الأمن، التعليم، القضاء، الصحة، الثقافة، الإعلام وغيرها.
&بعد إطلاق مجلس محمد بن راشد الذكيّ، لن تحتاج إلى دليل على أن دبي مدينة عالميّة، فقد أتاح للمواطن والمقيم والزائر ولكل أبناء العالم الذين يحبون دبي، أن يطلقوا العنان لرؤى الإبداع والأفكار البناءة، في سبيل بلوغ الأجمل والأفضل والأكمل. أليس المجلس الذكيّ مفهومًا جديدًا لديمقراطية المشاركة في صنع القرار؟
التعليقات