دأب المرجع الشيعي الأعلى في العراق آية الله علي السيستاني خلال الأسابيع الماضية على توجيه التعليمات والإرشادات من خلال ممثليه في خطبة الجمعة إلى رئيس الوزراء حيدر العبادي لمحاسبة المسؤولين الفاسدين واصلاح القضاء ودعم القوات الأمنية العراقية بدلا من "الميليشيات" المدعومة من إيران. ويبقى نجله في هذه الاثناء على اتصال مباشر مع مكتب الحيدري مطالبا بتسريع الاصلاحات.

إعداد عبد الاله مجيد: أثارت مداخلات المرجع الشيعي الأعلى في العراق آية الله علي السيستاني الأخيرة جولة جديدة من التساؤلات بين القادة السياسيين والدبلوماسيين في بغداد عما إذا كان بإقحام نفسه بدعوى مساعدة البلد في أزمته، يُحدث تغيرًا جذريًا باتجاه إقامة نظام ديني في العراق.

وقال قيادي شيعي في بغداد لصحيفة نيويورك تايمز طالبا عدم كشف اسمه "ان كثيرين يُفاجأون بل يُفاجأون جدًا حين يرون السيستاني يتدخل بهذا القدر في السياسة". وأضاف "في الواقع وفي الممارسة إنه يفعل ما يفعله خامنئي وما فعله الخميني من قبله" في إشارة إلى المرشد الأعلى الحالي والراحل في إيران.

إرشادات "أبوية"

وكان السيستاني يكتفي بالارشادات "الأبوية" للسياسيين الشيعة دون أن يصل دوره إلى ممارسة أي مسؤوليات في الحكم.

ولكنه على ما يبدو أعاد النظر في حساباته وسط الأزمة التي يمر بها العراق بسبب الحرب مع تنظيم "داعش" وتفشي الفساد وتنامي خطر الميليشيات الشيعية وقادتها السياسيين على العبادي والدولة العراقية نفسها. ولكن دعواته إلى الاصلاح مع احتضان حكومة العبادي لم تسفر عن نتائج تُذكر الأمر الذي يؤكد قوة المعارضة بين خصوم رئيس الوزراء من السياسيين الشيعة أنفسهم وعمق الفساد وسوء الادارة.

وكانت فتوى السيستاني العام الماضي داعيًا الشباب إلى السلاح ضد داعش تمخضت عن انبثاق "ميليشيات شيعية" جديدة وتنامي تلك الموجودة التي تسيطر عليها إيران.

ويقول خبراء إن السيستاني أصبح يشعر بقلق متزايد من خطر هذه "الميليشيات" على وحدة العراق لأسباب منها ان العديد من قادتها والسياسيين المرتبطين بها وقفوا عقبة في طريق جهود الحكومة لتحقيق المصالحة الوطنية مع السنة التي جعلها السيستاني اولوية عنده.

وقال جواد الخوئي السكرتير العام لمؤسسة الخوئي عن السيستاني "ان الأمر جدي هذه المرة فهو رجل طاعن في السن الآن ولعله يعتبر ان هذا سيكون آخر شيء يفعله في حياته". ولكن محللين يقولون ان السيستاني رغم قلقه لا يعارض دور إيران في العراق.

يشعر بالقلق

وقال الزميل في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى مهدي خلجي لصحيفة نيويورك تايمز ان السيستاني "يعتقد ان وجود إيران ضروري في العراق ولكن عليها ان تنتهج سياسات أكثر حكمة". وأضاف خلجي ان السيستاني يشعر بالقلق من الاحتقانات بين السنة والشيعة ودور إيران في تفاقم الانقسامات الطائفية في العراق.

ولكن السيستاني حتى وهو يتحرك للحد من نفوذ إيران في العراق يحاكي اساليب النظام الإيراني. ولاحظ دبلوماسي في بغداد ان رجال الدين الشيعة يطلقون التوجيهات من المدن المقدسة في العراق خلال خطبة الجمعة مثلما ينتظر السياسيون الإيرانيون التوجيهات من مدينة قم. وقال الدبلوماسي "نحن كل يوم جمعة ننظر إلى كربلاء والنجف".

وثمة احساس في المرجعية الدينية في النجف بالندم على دعمها الطبقة السياسية الشيعية في السنوات التي اعقبت احتلال العراق عام 2003. فان دعم المرجعية طيلة هذه السنوات اضفى شرعية لا غنى عنها على الأحزاب السياسية الشيعية التي هيمنت على الساحة السياسية وهي الآن هدف الغضب الجماهيري الذي يجتاح المدن العراقية منذ آب (أغسطس).

ونقلت صحيفة نيويورك تايمز عن نصير كاشف الغطاء احد رجال الدين الكبار في النجف قوله "نحن جميعا نعاني من الماضي ويجب ان نجبر السياسيين على تنفيذ الأشياء. فان دور المرجعية هو ان تكون حامية حقوق المجتمع".

وينتمي كاشف الغطاء إلى رجال الدين الشيعة الذين يؤيدون تدخل السيستاني في السياسة ويدعو مع بعض المراجع الآخرين إلى دور حتى أقوى. وقال كاشف الغطاء "لو كان الأمر بيدي لاتخذت إجراءات أشد جذرية".

والسؤال الذي يطرحه المراقبون هو ما إذا كان حضور السيستاني بدور بارز في السياسة سيكون حضورا دائما وما إذا كانت هناك رغبة بين الشيعة العراقيين وقادتهم السياسيين في هذا الدور المتزايد.

وكان جوست هلترمان مدير برنامج الشرق الأوسط وشمال افريقيا في مجموعة الأزمات الدولية زار النجف مؤخرا وكتب في مجلة نيويورك ريفيو اوف بوكس "ان بعض اعضاء النخبة الشيعية العراقية يقولون ان المقاربة الإيرانية قد تكون العلاج لأمراض البلد وينتقدون السيستاني لأنه ليس قويا بما فيه الكفاية في تدخلاته".

ولكن محمد رضا علي نجل السيستاني أشار خلال لقاء قصير اجرته صحيفة نيويورك تايمز معه في النجف إلى ان تدخل المرجعية في السياسة لا يُراد له ان يكون دائما. وقال عن والده "ربما بعد سنة سيصمت".