فنّد ناشط وكاتب في حزب العمال البريطاني تناقض مواقف زعيم الحزب اليساري المتشدد جيرمي كوربين، ووجهات نظره في علاقات المملكة المتحدة مع الدول وخاصة المملكة العربية السعودية وإيران وفنزويلا.


نصر المجالي: نشرت صحيفة (ديلي تلغراف) مقالاً للناشط العمالي دان هودجيز على خلفية مواقف زعيم حزب العمال في شأن العلاقة مع المملكة العربية السعودية، وانتقاده الدائم لها باعتبارها "تذللاً" من المؤسسة البريطانية للبيت السعودي الحاكم، وبيّن مواقفه هو شخصياً من إيران التي تعتبر "ابتذالاً".

ويقول الكاتب إنه إذا كانت مواقف كوربين المضادة لعلاقة بريطانيا الوطيدة مع السعودية تستند إلى ملف المملكة في شأن حقوق الإنسان، فإن لإيران، صديقة زعيم حزب العمال، ملفاً أسوأ، ويضمّن هودجيز مقاله اقتباسات من تقرير لمنظمة العفو الدولية (أمنيستي) حول حقوق الإنسان في إيران.

مقال محمد بن نواف

يأتي مقال الكاتب البريطاني بعد المقال الذي هزّ الأوساط السياسية البريطانية، الذي كان كتبه السفير السعودي لدى المملكة المتحدة الأمير محمد بن نواف بن عبدالعزيز في صحيفة (ديلي تلغراف) يوم 26 تشرين الأول (أكتوبر) الماضي.

وفي المقال، حذر الأمير محمد بن نواف من "تداعيات خطيرة"، وقال إن بلاده واحدة من حلفاء بريطانيا المقربين في الشرق الأوسط، بالإضافة إلى كونها شريكاً تجارياً مهماً. وقال إن "الشراكة الاستراتيجية الهامة بين بريطانيا والسعودية أضحت مهددة وبشكل مفاجئ".

ووصف الأمير السفير التصاعد الأخير في المشاعر المعادية للسعوديين في بريطانيا بأنه أمر "مثير للقلق"، كما رفض بشكل صارم الهجمات التي تشن بين حين وآخر على ملف السعودية في شأن حقوق الإنسان.

ورأى سفير المملكة العربية السعودية في لندن الأمير محمد بن نواف بن عبد العزيز أن علاقات الرياض مع لندن قد تتعرض لأزمة بسبب التسيّس المفرط لها من الجانب البريطاني.

تصريح كوربين

وتطرق السفير إلى تصريح زعيم حزب العمال البريطاني جيريمي كوربين الذي زعم بأنه تمكن من إقناع رئيس الوزراء ديفيد كاميرون بالتراجع عن تقديم المال لإصلاح نظام السجون في السعودية، واعتبر السفير ذلك بمثابة الانتهاك لمبدأ الاحترام المتبادل.

كما نقلت (ديلي تلغراف) عن السفير السعودي في لندن قوله إن بلاده تتعرض كثيرًا لسوء الفهم والتحيز والتحامل، ولكن وبما أن الشعب السعودي يحترم عادات وتقاليد بريطانيا والديانات السائدة فيها، فمن حقه أن يأمل بنفس المعاملة.

ونوه الأمير محمد بن نواف بأن السعودية ترغب في استمرار علاقاتها الطيبة مع بريطانيا، ولكنها لن تسمح لأحد "بتلقينها الدروس"، وشدد في الختام، على أنه "إذا كانت العلاقات التجارية واسعة النطاق بين البلدين ستخضع لإيديولوجيات سياسية معينة، فإن ذلك سيشكل خطراً على التبادل التجاري الهام بين البلدين".

مقال هودجيز

وفي الآتي تعرض "إيلاف" أبرز ما عرضه الكاتب العمالي البريطاني في تفنيد مواقف زعيم الحزب اليساري المتشدد كوربين، حيث يقول دان هودجيز: على أي مستوى من سادية التعذيب نريد أن يكون لدينا أصدقاء؟ طرح السؤال يستند جزئيًا الى قصتين نشرتا على موقع التلغراف الالكتروني.

الأولى كتبها بيتر ديمونيكزاك وحملت عنوان "ديفيد كاميرون يطلق حملة دبلوماسية سرية مع السعودية بعد جدل". وفي التقرير يقول إن رئيس الوزراء "هرول" لتعزيز العلاقات مع السعوديين بعد أن أعلن سفيرهم أنه كان يستعد لاتخاذ "إجازة" في أعقاب إلغاء عقد السجون، وغداة موجة الانتقادات لسجل حقوق الإنسان في المملكة.

الممثلة الإيرانية

القصة الثانية كتبها بارني هندرسون، تحت عنوان "ممثلة إيرانية توصف بغير الأخلاقية لنشر صور لها من دون الحجاب "، ويمضي التقرير كيف تم منع صدف طاهريان من التمثيل بعد نشر صور لنفسها على وسائل الاعلام الاجتماعية لا ترتدي الحجاب. ويبدو أن نشر الصور "أثار غضبًا من جانب وسائل الاعلام الاجتماعية في إيران، التي نشرت صورًا لها بوضع حجاب على رأسها بواسطة الفوتو شوب.

محتوى أخلاقي

بعد 18 عامًا من إعلان وزير الخارجية العمالي الأسبق روبن كوك عن وثيقة مهمة جديدة تهدف إلى تحقيق "محتوى أخلاقي في السياسة الخارجية" والاعتراف بأن "المصلحة الوطنية لا يمكن أن تعرف إلا من خلال الواقعية السياسية الضيقة"، كما أنه وضع حقوق الإنسان مرة أخرى على الأجندة، يتحالف السياسيان جيريمي كوربين ومايكل غوف في اتخاذ موقف ضد الأنظمة القمعية في العالم، وذات الموقف اتخذاه ضد النظام السعودي،& وكان الأمر الجيد الذي دعمهما هو تقرير منظمة العفو الدولية (أمنيستي) للعامين 2014/15 بشأن "حالة حقوق الإنسان في العالم".

أشار تقرير (أمنيستي) إلى أن الحكومة السعودية قيدت بشدة حرية التعبير وتكوين الجمعيات والتجمع، والتضييق على المعارضة واعتقال وسجن النقاد، بمن فيهم المدافعون عن حقوق الإنسان، كما ظل التمييز ضد الأقلية الشيعية راسخًا؛ وحكم على بعض الناشطين الشيعة حتى الموت وتلقى عشرات بالسجن لفترات طويلة ... وظل التعذيب امرًا شائعًا وعامًا.

كما "واجهت النساء من التمييز في القانون والممارسة، وكانت الحماية لهن غير كافية ضد العنف الجنسي وغيره ... كما أن السلطات مارست الاستخدام الواسع لعقوبة الإعدام ونفذت العشرات من عمليات الإعدام العلنية."

يستحق التصفيق

كما قلت، فإن أي شخص يتخذ موقفًا ضد نظام بسجل حافل مثل ذلك السجل يستحق التصفيق من جانبنا، وأفترض أنها على الأقل ما يتعين على الجميع أن يفعله، ان يصفق لمن يقفون الى جانب حقوق الإنسان. وهناك عبارة لجيريمي كوربين زعيم حزب العمال قالها في خطابه في مؤتمر الحزب: "علينا أن نكون واضحين جدًا ما نمثله في مجال حقوق الإنسان، لأن أي رفض للوقوف هو نوع من الاشياء التي تلحق الضرر بمكانة بريطانيا في العالم حقًا".

توضيح واقعي

ويقول الكاتب هودجيز: أنا ضد&السجن لأسباب سياسية وضد التعذيب وضد اضطهاد الأقليات. أنا لست مؤيدًا لأي من تلك الأشياء. ولكن ما أود فقط إلقاء المزيد من الضوء على توضيحه في حال اتخاذ أي موقف ينطوي في الواقع.

طريقة واحدة يمكننا الوقوف ، على ما يبدو، وهي مواجهة البيع المستمر لمبادئنا مقابل سيولة بالعملة الصعبة. "المملكة العربية السعودية يجب أن تعامل على أنها منبوذة عالمياً"، هذا ما جاء في افتتاحية لصحيفة (الغارديان) في حزيران (يونيو) الماضي، ومع ذلك، تقول (الغارديان) لا تزال المملكة تُعامل مع مرتبة الشرف من قبل القوى الغربية. ولا تزال بريطانيا تشتري النفط السعودي وتدعم التجارة مع السعودية.

الميزان التجاري

ويقدر الميزان التجاري بين بريطانيا والسعودية في المتوسط بحوالى& 15 مليار جنيه سنوياً، وهناك أكثر من 6000 شركة بريطانية تقوم بمهام تصدير نشيطة للمملكة،& وتشير التقديرات إلى أن استثمارات المملكة العربية السعودية تتجاوز ألـ 60 مليار جنيه استرليني في الاقتصاد البريطاني، وكانت صفقة اليمامة التسلحية (سيئة الصيت) العام 1985 وتبلغ قيمتها 43 مليار جنيه استرليني قبل اغلاق ملفها رسميًا العام 2006&&بعد تحقيقات من مكتب جرائم الاحتيال الخطيرة، وحدها المستثمرة في الاقتصاد البريطاني.&
&
موقف مبدئي

ويتابع الكاتب هودجير: مرة أخرى، أنا سعيد لاتخاذ موقف مبدئي هنا. دعونا نقلص التجارة. دعونا نقلص العقود. دعونا نخفض الانفاق على الاستثمار. انا استطيع اتخاذ مثل هذا الموقف لأن وظيفتي لا تعتمد على أي من تلك التجارة أو الاستثمارات. لذلك إذا أردنا أن نتخذ موقفا هنا، علينا أولاً أن نعرف كم عدد الوظائف التي نحن مستعدون لخسارتها ؟ وما هي هذه الوظائف& التي سيخسرها أصحابها بسبب مواقفي المبدئية ؟ واذا كان لا بد من ان يدفع أحد ما ثمن مبادئي علينا ان نقف لمعرفة اسماء هؤلاء الخاسرين وأن نرى وجوههم.

وإذا كان لا بد من ذلك، فإن هناك منطقة أخرى يمكننا على ما يبدو اتخاذ موقف تجاهها&في مجال الدبلوماسية. أو على وجه التحديد، يمكننا أن نبدأ بها كونها أقل دبلوماسية قليلا . علينا أن نوقف بسط السجادة الحمراء لزيارات هؤلاء (الطغاة)، فلا مزيد من حفلات عشاء الدولة الرسمية، او زيارات رفيعة على مستوى ملكي، وهنا يتعين على الأمير تشارلز ولي العهد أن يطوي سيفه وكوفيته بعيدًا، في إشارة لارتداء ولي العهد الكوفية العربية خلال زيارته للسعودية ومشاركته برقصة السيف النجدية (العرضة).

هناك تناقض

ويستطرد هودجيز في مقاله: مرة أخرى، أنا مرتاح في ذلك. لأنني لم أكن أكلف نفسي عناء التفكير بالوقوف خارج قصر باكنغهام في المطر المنهمر ملوحًا بحماس بعلم أخضر بسيف وعبارة "لا إله إلا الله، محمد رسول الله".

ولكن يبدو لي أن هناك تناقضًا طفيفًا هنا في التعاطي مع الأمور، وهو ما يعيدني إلى المقالتين اللتين بدأت بهما هذا التقرير، فمع النظام السعودي يبدو أن المبدأ الأساسي لممارسة التأثير والنفوذ هو "خلق مسافة معه". ويجب أن نكون أكثر عزلة عنه، كما يجب أن نكون أكثر صراحة. وإذا كان ذلك يؤدي إلى هذا النوع من المواقف الدبلوماسية كما رأيناه من موقف السفير السعودي في لندن سيكون الموقف جيدا عندئذ، وهذا يعني أن احتجاجاتنا تؤدي لبعض التأثير، "في إشارة لمقال الأمير محمد بن نواف في (ديلي تلغراف)".

إيران المستبد الآخر

ولكن الذي يقف على النقيض من طريقة التعامل مع السعودية، هي طريقة التعامل مع هذا النظام المستبد الآخر، إيران. وهنا، مفتاح الاشتباك وهو - كما قيل لنا – ضرورة التعاون الوثيق معها أكثر من أي وقت مضى. مجرد إلقاء نظرة على المثال الذي ضربته جيريمي كوربين نفسه. ففي كانون الثاني (يناير) 2014 ذهب زعيم حزب العمال في رحلة تقصي حقائق الى طهران، وهناك التقى وزير الخارجية محمد جواد ظريف وتصور مبتسماً معه.

وظل كوربين خلال وبعد الزيارة يدعو دائما لإقامة علاقات دبلوماسية وثيقة، والانخراط مع إيران. وفي كلمة ألقاها في لندن في عام 2014 وأثنى على ما وصفه بـ "الشمولية والتسامح وقبول الأديان الأخرى والتقاليد والمجموعات العرقية الأخرى في إيران"، ودعا الى "فصل جديد" في العلاقات بين بلدينا.
&
امنيستي وايران

وهنا لا بد من تذكير كوربين بتقرير لمنظمة العفو الدولية (أمنيستي) عن ايران للعامين 2014/ 2015: لم يؤد تعيين الرئيس روحاني مستشاراً خاصاً لشؤون الأقليات العرقية والدينية إلى انخفاض مستوى التمييز ضد الأقليات العرقية في إيران، بما في ذلك عرب الأحواز والأذربيجانيون والبلوش والأكراد والتركمان، أو ضد الأقليات الدينية، بما في ذلك أهل الحق والبهائيون والمتحولون إلى المسيحية، والمسلمون المتصوفون والسنة. وأثر التمييز ضد الأقليات العرقية سلباً على فرص تمتعهم بالخدمات الأساسية، مثل السكن والمياه والصرف الصحي والعمل والتعليم. ولم يسمح للأقليات العرقية باستخدام لغاتها في مجال التعليم وحرمت من فرص كافية لتعلمها.

الأقليات

ويضيف تقرير منظمة العفو: وأثر التمييز ضد الأقليات العرقية سلباً على فرص تمتعهم بالخدمات الأساسية، مثل السكن والمياه والصرف الصحي والعمل والتعليم. ولم يسمح للأقليات العرقية باستخدام لغاتها في مجال التعليم وحرمت من فرص كافية لتعلمها.

ويتابع تقرير منظمة العفو: واصلت السلطات الإيرانية فرض قيود على حرية التعبير والإعلام ..كما واصلت التعذيب وغيره من ضروب سوء المعاملة، وبخاصة خلال الاعتقال السابق للمحاكمة، ظلت شائعة ...كما أن القضاء يفتقر إلى الاستقلال وظل يخضع لتدخل من قبل السلطات الأمنية.

معاناة النساء

ويشير تقرير منظمة العفو أيضا إلى استمرار معاناة النساء من التمييز الواسع النطاق والمنهجي في القانون والواقع الفعلي. وظلت قوانين الأحوال الشخصية التي تمنح المرأة وضع التبعية للرجل في مسائل مثل الزواج والطلاق وحضانة الأطفال والميراث سارية المفعول، كما واصلت السلطات اضطهاد الأفراد بسبب ميولهم الجنسية الفعلية أو المتصورة وهوية نوعهم الاجتماعي.

قد يقول بعض الناس إن هناك فرقًا بين ما ينادي به زعيم حزب العمال جيريمي كوربين، وبين ما يتم من تملق وركوع من جانب المؤسسة البريطانية لبيت آل سعود. ولكن مشاهدة عميقة لما ورد على لسان كوربين في شريط الفيديو خلال زيارته لطهران في شأن إيران فإن (التملق) بدا واضحًا.

زيارة كراكاس

ويضرب الكاتب العمالي هودجيز مثالاً آخر عن تناقض زعيم حزب العمال، حيث يقول: من دواعي سروري - أنا استخدم هذا المصطلح في أسهل معانيه - انني كنت عضوًا في وفد النقل اللندني الذي زار كراكاس عاصمة فنزويلا. وآنذاك كان كين ليفينغستون يتقاسم قمة الافتتان مع جيريمي كوربين، جون ماكدونيل ورفاقهم& بـ(نظام شافيز). وحين تشاهد الشرطة على دراجاتهم النارية ببنادقهم وخوذاتهم التي اشبه بخوذات النازيين وهم يفتحون الطرقات امام الوفد بصليات نارية من رشاشاتهم، فإن مثل هذا المنظر يعطيك منظورًا مختلفًا بعض الشيء عن الرومانسية للنضال الثوري البوليفاري.

ترهيب

وهنا يقول هودجيز: مرة ثانية اعود إلى تقرير منظمة العفو الدولية عن حقوق الانسان في فنزويلا العام 2010 من جانب النظام الذي يشيد به اليسار البريطاني المتشدد.

وجاء في التقرير: هناك اعتداءات ومضايقات وترهيب ضد أولئك الذين ينتقدون سياسات الحكومة، بما في ذلك الصحافيون والمدافعون عن حقوق الإنسان، كانت عمليات ترهيب على نطاق واسع ضد المدافعين عن حقوق الإنسان وأقاربهم حيث كل من يسعى إلى تحقيق العدالة والإنصاف يتعرض للهجوم والتهديد والمضايقة من قبل قوات الأمن".

ويقول تقرير منظمة العفو: "تعرض للمضايقة أعضاء الأحزاب السياسية المعارضة، وكذلك للتهديد والترهيب، بما في ذلك استخدام اتهامات جنائية زائفة ضدهم".
ويختم الكاتب هودجيز مقاله: أنا سعيد بعودة ملف حقوق الإنسان إلى أجندة العمل السياسي في المملكة المتحدة، وسعيد أيضاً أن نناقش مرة أخرى السياسة الخارجية من ناحية (أخلاقية)، وأنا فخور لرؤية السياسيين من اليسار واليمين اتخاذ موقف بشأن هذه القضايا، وبودي أن أقف معهم، ولكن أولا، أود أن أعرف إلى أين نقف، ومتى، وكيف ؟