في فلسطين انتقلت الحرب من الكبار إلى الصغار الذين يحاولون استهداف بعضهم بسلاح يدوي وذاتي الصنع هو المقلاع الذي تلقى الحجارة بوساطته وتصيب هدفها، على بعد أمتار عدة، وكما إن أطفال المستوطنات يلجأون إليه، كذلك بات المقلاع سلاحا رئيسيا يستخدمه فتيان فلسطينيون في تظاهراتهم ضد الجيش الإسرائيلي.
إيلاف - متابعة: في مستوطنة بيت إيل إلى شمال مدينة البيرة، كان ثلاثة أطفال يتدرّبون على إلقاء الحجارة بالمقلاع في اتجاه شارع يمر بمحاذاة المستوطنة تحت نظر جندي& يراقبهم بحذر.
حاول الاطفال، الذين لا تتجاوز اعمارهم على الارجح العشر سنوات، اكثر من مرة رشق حجارة بوساطة مقلاعهم، لتصل الى الشارع الذي يبعد امتارًا عدة عنهم ويمر فيه الفلسطينيون، لكنهم لم يتمكنوا من تسجيل اهداف. وبدا أن الجندي نزل من برج المراقبة الموجود منذ سنوات في نقطة عسكرية ثابتة عند طرف المستوطنة لتأمين حمايتهم خشية تطور الامر الى مواجهة.
اعتاد اطفال هذه المستوطنة القاء الحجارة باتجاه السيارات الفلسطينية المارة في المنطقة. وفي مخيم الجلزون الفلسطيني المحاذي لبيت ايل، اعتاد فتية رشق الحجارة بوساطة المقلاع باتجاه الجيش الاسرائيلي كلما وقعت مواجهات عند مدخل المخيم.
واقيمت مستوطنة بيت ايل على اراضٍ تابعة لقريتي بيتين ودورا. في هاتين القريتين، يجيد الاطفال الفلسطينيون لعبة المقلاع التي تحولت الى سلاح رئيس يستخدمونه مع فتية اكبر منهم في تظاهراتهم ضد الجيش الاسرائيلي في الضفة الغربية المحتلة.
قماش خيط وحجر
المقلاع عبارة عن قطعة من الجلد أو من القماش المتين، ثبت في طرفيها خيطان مطاطيان طويلان: الخيط الاول يعلق بالاصبع، والخيط الثاني يتم افلاته عند القاء الحجر. ويوضع الحجر المتوسط الحجم في قطعة القماش او الجلد، ومن ثم يلوح بالمقلاع اكثر من مرة من اجل اعطاء دفعة قوية للحجر، ويتم افلات الخيط ليصل الحجر الى ابعد مسافة ممكنة.
ويقول شاب ملثم كان يلقي الحجارة بوساطة مقلاعه، خلال مواجهات مع الجيش الاسرائيلي في المنطقة الفاصلة بين مدينة البيرة ومستوطنة بيت ايل، لوكالة فرانس برس، "المقلاع يوصل الحجر الى مسافة طويلة جدا، وبالتالي اذا اصاب الحجر الجندي فإنه يؤذيه". ويقول شاب آخر يقف الى جانبه، "القاء الحجارة باليد بشكل متواصل متعب، باستخدام المقلاع لا تتعب اليد".
ويوضح شاب آخر لم يتجاوز العشرين عامًا، كان ملثمًا بالكوفية، ويداه متسختان من بقايا التراب والحجارة "ليس كل من يستخدم المقلاع يجيد ذلك. ففي احيان كثيرة، ينطلق الحجر بطريق الخطأ، ولا يصل الى الهدف المقصود".
ويشكل المقلاع، اضافة الى "المغيطة" أو "النقيفة"، التي تصنع من قطع انابيب مطاطية وقطعة خشبية، سلاحًا رئيسًا لدى الشبان الفلسطينيين في تظاهراتهم ضد الجيش الاسرائيلي. وقد انتشرت صورهم وهم يحملون المقلاع في الانتفاضة الاولى العام 1987، ومنذ ذلك الوقت، في العالم. وعادوا الى استخدامه في المواجهات الدائرة منذ الاول من تشرين الاول/اكتوبر.
السلاح الوحيد
وعلى الرغم من التقارير الاسرائيلية المتكررة عن اعتقال أو قتل أو اصابة فلسطينيين يستخدمون السكين لمهاجمة اسرائيليين، الا أن الفلسطينيين يؤكدون ان بعض هذه التقارير مبالغ بها أو حتى غير صحيحة.
بالنسبة الى العديد من الناشطين والشبان المحبطين نتيجة سنوات من انتظار سلام لم يأتِ، ودولة لم تأتِ، وحرية تنقل وفرص عمل غائبة، المقلاع، وذخيرته الحجارة، هو السلاح الوحيد. تضاف اليه زجاجات المولوتوف التي تصنع بوساطة عبوة زجاجية تملأ بالوقود مع فتيل على رأسها، وتلقى باتجاه الجيش بعد اشعال النار في الفتيل. وصار في الامكان مشاهدة فتيات يحاولن استخدام المقلاع خلال التظاهرات، وإن كنّ يفتقرن الى التدريب الكافي لتسجيل اهداف.
في القرى الفلسطينية يستخدم بعض الرعاة المقلاع كأداة لصيد العصافير، إذ ان اصابة أي طائر بحجر المقلاع يقتله على الفور. كما انهم يستخدمونه لمنع الاغنام من الذهاب بعيدًا.
يوضح احد الرعاة رافضًا الكشف عن اسمه لفرانس برس ان "المقلاع اصلًا يصنع من شعر الغنم المجدول"، مشيرًا الى ان المقلاع الذي يستخدمه الشبان الفلسطينيون مصنوع من خيطان بلاستيكية ضعيفة، والجلدة المستخدمة لا تدوم كثيرًا ولا تتسع لحجر كبير.
دروس على يوتيوب
على موقع "يوتيوب" على الانترنت، يعلم شريط فيديو يتناقله الشبان الفلسطينيون "صناعة المقلاع في ثماني دقائق"، ويتم فيه شرح تفاصيل اعداد المقلاع. ويجسد المقلاع سلاح "المقاومة الشعبية السلمية" التي ينادي بها الرئيس الفلسطيني محمود عباس وقادة فلسطينيون آخرون.
ويقول الناشط في المقاومة الشعبية عبد الله ابو رحمة لوكالة فرانس برس " اكثر من مرة في مواجهاتنا مع المستوطنين، كانوا يبادلوننا القاء الحجارة، ويستخدمون المقلاع بدورهم، لكنهم لا يتقنون إلقاء الحجارة مثلنا، لذلك يتدربون". ويؤكد ان مستوطنين تدربوا على القاء الحجارة في مستوطنات في شمال نابلس.
ويوضح ابو رحمة الذي يعمل في دائرة مواجهة الاستيطان لدى السلطة الفلسطينية، "هم يحاولون تقليدنا، مثلما يحاول الاطفال عندنا تقليد جنود الاحتلال حينما يصنعون سلاحًا ناريًا من الخشب ويلعبون به". ويضيف "هم لا يحتاجون الحجارة، لان لديهم اسلحة نارية، ويحرسهم جنود الاحتلال، لكنهم يحاولون تقليدنا. الحجر بات يقلقهم لانهم ادركوا انه سلاحنا الرئيس".
&
التعليقات