رغم اختلاف وجهات النظر السياسية بين السعودية ومصر بشأن سوريا، إلا أن ذلك لا يمكنه التأثير على العلاقات الاستراتيجية، حسب الخبراء.

صبري عبد الحفيظ من القاهرة: لا يمكن للدبلوماسية الزائدة التي يتبعها المسؤولون في مصر والسعودية أن تمنع وجود خلافات جوهرية بين البلدين في ما يخص حل الأزمة المشتعلة في سوريا منذ ما يقرب من 5 سنوات؛ لاسيما أن القاهرة ترى أنه لابد من التمسك بالحلول السلمية، واحترام القانون الدولي، ولا تدعم التدخل العسكري في الصراع السوري، بينما السعودية تتبنى دعم المعارضة، وضرورة تحرك المجتمع الدولي؛ لإسقاط نظام الأسد.

تصريحات المسؤولين في البلدين تكشف أيضا وجود خلافات جوهرية وحقيقية في ما يخص الأزمة السورية؛ فقد رحب السفير سامح شكري، وزير الخارجية المصري، بالتدخل العسكري الروسي في سوريا، وأن هذا من شأنه وقف انتشار ونمو الجماعات الإرهابية هناك، بينما نادت السعودية بضرورة أن توقف روسيا ضرباتها العسكرية، منوهة إلى أن هذه العمليات الحربية كانت سببًا في سقوط عدد كبير من المدنيين.

الخلاف الشديد بين القاهرة والرياض يظهر أيضا في مسألة مصير بشار الأسد، فقد قال المتحدث باسم الخارجية المصرية، المستشار أحمد أبو زيد، في 17 أكتوبر الحالي، إن مسألة بقاء الأسد، أو عدمه، أمر يحدده الشعب السوري، في المقابل، قال عادل الجبير، وزير الخارجية السعودي في 1 أكتوبر الحالي، إن على الأسد أن يرحل أو يواجه خيارًا عسكريًا.

كما أن مصر ترى أن دعم المعارضة ضد الجيش السوري يؤدي إلى مزيد من الاحتقان في الأزمة السورية، ولا يؤدي إلى حلها، على النقيض من ذلك تعمل السعودية على دعم فصائل المعارضة التي توجه ضربات عسكرية للجيش السوري.

الخلافات بين مصر والسعودية في ما يخص الأزمة السورية، تطرح العديد من التساؤلات وعلامات الاستفهام حول مصير العلاقات الاستراتيجية بين البلدين، فضلاً عن تأثير هذه الخلافات على التحالفات السياسية والعسكرية في منطقة الشرق الأوسط.

السفير محمود ريحان، مساعد وزير الخارجية السابق، قال إن علاقات الدول بعضها البعض تتوقف على علاقات الرؤساء، واختلاف وجهات النظر السياسية، لافتاً إلى أن هذه الخلافات تكون سببًا في إحداث تغيير آخر في التعاون السياسي، والمساعدات المالية، مؤكدًا أن هذه الأمور تحدث بالفطرة في العالم العربي.

وأضاف مساعد وزير الخارجية الأسبق لـ"إيلاف": مشكلة الأزمة السورية أن هناك عددًا كبيرًا من الأصابع الأجنبية والعربية تلعب في هذه الأزمة، والحل العسكري صعب، وكذلك الحل السياسي، ولكن في نهاية الأمر، لابد من الجلوس على طاولة المفاوضات بين كل الدول العربية، وليس مصر والسعودية فقط؛ لحل هذه الأزمة "سياسيًا"، خاصة أن التدخلات العسكرية، هدف من أهداف الدول الكبرى التي تعتمد على بيع وتجارة السلاح؛ لتغذية هذه التدخلات الحربية.

وتابع: من حق كل دولة أن تتبنى وجهة النظر التي تريدها، ولكن السعودية عليها أن تعلم أن تبنيها للتدخل العسكري، يعني أنها ستدخل في صدام مع دول وقوى كبرى، خاصة أن روسيا تضرب داخل سوريا علنًا، وللأسف المشكلة السورية معقدة، فلا الحل السياسي نافع، ولا غيره، ولابد من احترام كل وجهات النظر لحل هذه الأزمة الكبيرة في منطقة الشرق الأوسط.

وبشأن الزيارات المتكررة لوزير الخارجية السعودي عادل الجبير لمصر قال، مساعد وزير الخارجية: هناك العديد من الأحاديث والمناقشات التي تدور بين مصر والسعودية داخل الغرف المغلقة، لإقناع مصر بسلامة وصحة موقف الرياض في ما يخص الأزمة السورية، خاصة أن الرياض تريد الحصول على الدعم المعنوي من القيادة السياسية في مصر لهذا الموقف.

وذكر "ريحان" أن الفترة الماضية شهدت ظهور خلافات كبيرة بين مصر والسعودية، ومن الطبيعي أن تحدث هذه الخلافات انقسامات واختلافات بين البلدين؛ لأن كل طرف يدافع عن وجهات نظره، ولكن دخول مصر في تحالف مع روسيا وإيران في ما يخص حل الأزمة السورية، يعني أن مصر تؤيد التدخل العسكري لصالح النظام القائم؛ لأن طهران وبرلين متورطتان عسكريًا في سوريا، وكل هذه السياسات ستؤدي حتمًا إلى صدامات بين مصر والسعودية.

على النقيض من ذلك، يرى السفير رؤوف سعد، مساعد وزير الخارجية الأسبق، أن زيارات الكثيرة المتبادلة بين الجانبين المصري والسعودي، تشير إلى أن هناك "تقاربًا" في وجهات النظر السياسية بين القاهرة والرياض؛ للوصول إلى تسوية بشأن القضية السورية.

وأكد "سعد" في تصريحات خاصة لـ "إيلاف" أن مصر والسعودية لا يمكن أن تحدث بينهما خلافات استراتيجية في ما يخص الأزمة السورية؛ لأنهما تدركان أن هناك محاولات لإسقاط دمشق في يد الجماعات الإرهابية، وتقسيمها إلى دويلات، وهي الأسباب الكافية لأن يكون بين الدولتين تقارب ملحوظ لحل الأزمة بين النظام والشعب السوري.

وبشأن تغيير إمكانية تأثر العلاقات والتعاملات بين مصر والسعودية بسبب هذه الأزمة، قال "سعد": المواطنون قد يتصورون أن &المداولات والنقاشات بين مصر والسعودية بشأن الأزمات السياسية في المنطقة، تعني أن هناك خلافات بين البلدين، ولكن المصالح الاستراتيجية بين القاهرة والرياض مبنية على المصالح الإقليمية، وسلامة منطقة وأمن دول الخليج، فضلاً عن أن القاهرة والرياض تدركان أنه لا مفر من ضرورة الاتفاق بينهما؛ لمجابهة التحديات التي تواجهها دول العالم العربي.

غير أن الدكتور سعيد اللاوندي، الخبير في العلاقات الدولية، فقال إن هناك بالفعل خلافات بين القاهرة والرياض في ما يخص الأزمة السورية، ولاسيما في ما يخص بقاء أو رحيل بشار الأسد. وأوضح في تصريحات خاصة لـ "إيلاف": رغم اختلاف وجهات النظر السياسية بين البلدين، إلا أن ذلك لا يمكنه التأثير على العلاقات الاستراتيجية بين السعودية، منوهًا إلى أن القاهرة لا يمكن أن تكون في خندق واحد مع روسيا وإيران في ما يخص القضية السورية؛ لأن القاهرة تأخذ قراراتها طبقًا لقناعاتها السياسية.

وأكد الدكتور عادل عامر، رئيس مركز المصريين للدراسات السياسية، لـ"إيلاف"، أن المصالح المحلية والدولية هي التي تحدد الرؤية السياسية، ولكن وجهات النظر التي يتم الاتفاق عليها دوليًا، هي التي ستطبق في نهاية المطاف، منوهًا إلى أن سياسة المملكة العربية السعودية تقوم على تبني المواقف، تبعًا لنظرية الحفاظ على الأمن القومي العربي. ولفت إلى أن الخلافات في وجهات النظر بين البلدين في ما يخص الأزمة السورية، لا يمكن أن تحدث شقاقات، بل إنها تؤشر على حيوية العلاقة، وترد على من يقولون إن هناك تبعية لطرف منهما للآخر، ولفت إلى أن العلاقات بين البلدين أعمق وأمتن من أن تهزها خلافات في وجهات النظر السياسية.