مع اقتراب تصويت المرحلة الثانية من الإنتخابات البرلمانية المصرية، يشتد الصراع بين الأحزاب والمرشحين المستقلين، ورصدت منظمات المجتمع المدني العديد من الخروقات، لاسيما استغلال المساجد والكنائس، والمؤسسات الرسمية في الدعاية.


صبري عبد الحفيظ من القاهرة: يشتد الصراع مع اقتراب التصويت في المرحلة الثانية من الإنتخابات البرلمانية المصرية، التي تجري في 22 و23 تشرين الثاني (نوفمبر) الجاري. وانتشرت الدعاية الإنتخابية للمرشحين في مختلف شوارع ومدن وقرى 13 محافظة، واشتعلت المنافسة والحرب الكلامية بين الأحزاب والقوائم الإنتخابية، لاسيما مع تصاعد دور المال السياسي، وإخفاق حزب النور السلفي في تحقيق نصر واضح في المرحلة الأولى، ومخاوفه من استمرار الإخفاق في المرحلة الثانية.

"مباركيون" مرشحون
ترتفع سخونة الصراع في المرحلة الثانية في ظل ترشح العديد من رموز الحزب الوطني المنحلّ، وهو الحزب الحاكم في عهد الرئيس السابق حسني مبارك، واتهم بعضهم في قضايا قتل المتظاهرين أثناء ثورة 25 يناير 2011.

وترشحت شاهيناز النجار، زوجة رجل الأعمال أحمد عز (السبب الرئيس في اندلاع ثورة يناير) وتتنافس على مقعد دائرة المنيل، وحسين مجاور، رئيس اتحاد العمال السابق والقيادي في الحزب، وحيدر بغدادي صاحب فضيحة السيديهات الجنسية الشهيرة، وإيهاب العمدة، المتهم السابق في قضية قتل المتظاهرين في ما عرف بـ"موقعة الجمل"، وعلي مصيلحي وزير التضامن السابق، ورجل الأعمال هاني سرور، المتهم في قضية أكياس الدم الملوثة، والمحامي عمر هريدي، ومجدي عاشور، الذي اتهمه الرئيس السابق محمد مرسي، بأنه متعهد توريد البلطجية في مصر، إضافة إلى رجل الأعمال طلعت القواس، وكريم سالم، القيادي في الحزب المنحل، والمتحدث الرسمي السابق لحملة الفريق أحمد شفيق في انتخابات الرئاسة عام 2012.

وفي محافظة الشرقية يتنافس رجل الأعمال طلعت السويدي أحد رموز الحزب المنحل، دائرة ديرب نجم في الشرقية، وهاني أباظة النائب السابق عن الحزب نفسه، وفي محافظة دمياط، تسيطر قيادات الحزب على المشهد الإنتخابي، ومنهم محمد قطارية، ورجل الأعمال محمد خليل قويطة، ومحمد نجيب بركات، وياسر الديب.

ابتزاز المال
وبسبب ترشح رموز وقيادات الحزب الوطني المنحل في الإنتخابات، ولاسيما أن غالبيتهم من رجال الأعمال، سيطرت ظاهرة المال السياسي على المشهد الإنتخابي، واتهم الدكتور يونس مخيون، رئيس حزب النور السلفي، رجال الأعمال بإنفاق نحو 200 مليون دولار من أجل السيطرة على البرلمان.

وقال في تصريح له على صفحته في موقع "فايسبوك": "بعد ما رأيناه من استخدام المال السياسي في ظل نظام انتخابي عقيم، أصبح بمقدور أي رجل أعمال يمتلك ثروة أن يشتري برلمان مصر لنفسه، أو وكالة عن الغير بسهولة، وبما لا يتجاوز 200 مليون دولار، خاصة في حالة العوز والضيق التي يعانيها كثير من المصريين".

أضاف: "هذا الرقم لا يمثل شيئًا لرجال الأعمال، فهو لا يتعدى ثمن برج على النيل، أو قرية سياحية، أو حتى ثمن بضعة صواريخ إيرانية، وهذا الوضع يجعل الأمر في البرلمان المقبل سيئًا، لوجود أشخاص لا تهمّهم مصلحة البلاد، ولذلك أصبح بمقدور هؤلاء رجال الأعمال التحكم في مصير بلد في مكانة ومنزلة مصر، بملايين، يا بلاش".

ورصدت منظمات المجتمع المدني المراقبة للإنتخابات، خروقات دعائية للمرشحين والأحزاب في مختلف المحافظات، ومنها ما وثقته البعثة الدولية المحلية لمراقبة الإنتخابات، من استغلال واضح للمساجد ومراكز الشباب، ففي محافظة القليوبية في الدائرة الثالثة، عقد المرشح صلاح الدين حسين الأشهب مؤتمرًا انتخابيًا كبيرًا في قرية أسنيت، ثم تجول المرشح داخل القرية، وسط عدد كبير من مؤيديه، مع تشغيل أغانٍ من خلال مكبرات صوتية.

وفي محافظة كفر الشيخ في الدائرة الرابعة، لصق أنصار المرشح كرم سيد البنا صورًا دعائية له على جدران المنازل والمساجد. وفي محافظة المنوفية في الدائرة الرابعة قام المرشح محمد أنور السادات بشراء مجموعة من الأجهزة الرياضية لمركز شباب قرية البندري.

علاقات رفيعة
في القاهرة، رصدت البعثة قيام المرشح عادل عكاشة عن الدائرة الرابعة والعشرين، حي التبين، بالاتصال هاتفيًا بالمسؤولين بعد علمه من أهالي الحي بانفجار ماسورة مياه عند جسر المرازيق محاولًا إظهار نفسه المرشح صاحب العلاقات مع المسؤولين، ومستخدمًا تلك الأزمة في حملتة الدعائية.

وفي دائرة القاهرة الجديدة، في محافظة القاهرة، وعقب صلاة الجمعة، قام المرشحان ناصر بيان، وياسر حسان المرشح عن حزب الوفد، بتوزيع برامجهم الانتخابية أمام مسجد السويدي في التجمع الثالث، عن طريق بعض الأطفال، الذين ارتدوا قمصانا مطبوعًا عليها صورة ورمز ورقم واسم المرشح، كما قام المرشح أمجد يوسف بتوزيع برنامجه الانتخابي أمام مسجد الشربتلي.

استغلال منابر دينية
في بورسعيد صعد المرشح سليمان وهدان عن حزب الوفد في الدائرة الثانية الضواحي والجنوب إلى منبر مسجد قرية الجزر التابعة لجنوب بورسعيد عقب الانتهاء من صلاة الجمعة، وخطب& في المصلين، داعيًا إياهم إلى التصويت لمصلحته من داخل المسجد.

وفي دمياط، تجول المرشح عبد الشافي حمزة، أحد رجال الأزهر، في قرى كرم ورزق والأسكندرية الجديدة، داعيًا المواطنين إلى انتخابه، لكونه أحد علماء الأزهر، مدّعيًا أن نجاحه يعني الوقوف بجوار مؤسسة الأزهر الشريف. وفي الدائرة الرابعة مركز البرلس في محافظة كفر الشيخ، خطب المرشح أحمد كمال عطية في المصلين أمام مسجد مرتضى بعد فراغهم من أداء صلاة الجمعة، داعيًا إياهم إلى التصويت لمصلحته في الانتخابات.

توزيع هدايا
كما انتشرت ظاهرة استغلال مراكز الشباب، ففي محافظة دمياط في الدائرة الثانية / دائرة كفر سعد وكفر البطيخ، حضر المرشح حمدي شلبي نهائي كرة قدم في مركز شباب قرية السوالم في كفر سعد، لدعمه في الانتخابات البرلمانية. وفي محافظة الدقهلية في الدائرة السادسة / دائرة شربين/ مركز شربين، افتتح المرشح إيهاب السلاب ملعب كرة قدم في قرية أبو الشحات، ووزع هدايا مختلفة على الشباب.

واتهم تقرير حقوقي القنوات الفضائية المملوكة لرجال الأعمال بالتسبب بعزوف المواطنين عن المشاركة في الإنتخابات البرلمانية. وقال التقرير الصادر من مركز الحوار للدراسات السياسية والإعلامية، إن بيان اللجنة العليا للانتخابات أوضح أن من عدد أدلوا بأصواتهم في الجولة الأولى من هذه المرحلة بلغ حوالى 7 ملايين و270 ألف و594 ناخبًا، وبلغت الأصوات الصحيحة 6.584.128 صوتًا، بنسبة 90.46%، والأصوات الباطلة 694.466 صوتًا، بنسبة 9.54. لتصل بذلك نسبة المشاركة إلى 26.56% في الجولة الأولى.

تضليل الإعلام الخاص
وأضاف التقرير أن هذه النسبة ضعيفة، مشيرًا إلى أن أخطر أسباب غياب المشاركة بقوة من المواطنين، هو الشعور بأن نتائج الانتخابات قد تكون محسومة مسبقًا. ونبه إلى أن المسؤول الأول عن هذا الشعور هو الإعلام الخاص، الذي حاول من خلال دعمه ومساندته بعض القوائم أو الأشخاص أن يبعث برسائل إلى المواطنين، خاصة البسطاء، بأن هذا المرشح أو هذه القائمة مدعومة من الدولة أو محسوبة على الرئيس عبد الفتاح السيسي، وهو أمر ليس صحيحًا.

ودعا المركز الإعلامي الحكومي الرسمي إلى تدارك هذا اللغط والمغالطة في المرحلة الثانية من العملية الانتخابية، حتى لا تنخفض مستويات المشاركة مقارنة بما جرى في المرحلة الأولى، مشددًا على ضرورة أن يوضح للرأي العام حقيقة موقف بعض وسائل الإعلام الخاصة في تحيّزها أو تبنيها مواقف بعض المرشحين أو دفاعها عن بعضهم بأن الأمر لا يتعلق بالدولة ومسؤوليها، بقدر ما قد يرتبط بمصالح تجمع بين بعض أصحاب الفضائيات والمرشحين.

ولفت إلى أن ارتفاع نسب المشاهدة للقنوات الخاصة مقارنة بالإعلام الرسمي أو الحكومي، يجعل تأثيراته أكبر بكثير، بما يضاعف مسؤولية وسائل الإعلام الحكومية في ضرورة البحث عن آليات غير تقليدية تحفّز المواطن على المشاركة في العملية الانتخابية، وتؤكد له أن صوته له أهمية في حسم المعركة لمصلحة من يراه صالحًا لتولي هذا المنصب.

&