تعتبر موجة الإعتداءات الإرهابية التي ضربت العاصمة باريس الأسوأ منذ الحرب العالمية الثانية، وهي تأتي بعد مرور احدى عشر شهرا على الهجوم الإرهابي على مجلة شارلي أيبدو الساخرة ووسط إجراءات امنية هي الأعلى المتبعة في العاصمة باريس و ضواحيها &منذ كانون الثاني يناير الماضي و استهدفت مناطق من المفترض أن تكون محمية امنيا، منها الهجوم الإنتحاري على مسرح باتكلان حيث كان 1500 شخص يحضرون حفلا لموسيقى الروك تحييه فرقة أيغيلز أوف ديث ميتيل الأميركية، و تفجير إنتحاري مزود وقع بالقرب من الإستاد الوطني حيث كان &80 000 مواطن يتقدمهم الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند &يتابعون مباراة &بين فريقي فرنسا و ألمانيا لكرة القدم.
لماذا يضرب الإرهاب مجددا في فرنسا؟
يقول فرديريك أنسيل، باحث في معهد العلوم السياسية في باريس، لـ'إيلاف' إن إعتدءات باريس تختلف عن الهجوم الذي استهدف مجلة شارلي إيبدو الساخرة في كانون الثاني يناير الماضي.
يتابع: الإنتحاريون حاولوا قتل أكبر عدد ممكن و هنا انتقلنا إلى &طريقة مغايرة، تعكس درجة من الحقد والكراهية لكل ما تشكله الجمهورية الفرنسية القائمة على إحترام حقوق الإنسان، و كل ما يقال عن أن هذه الإعتادءات أتت نتيجة التدخل الفرنسي في سوريا والعراق ضذ تنظيم داعش ليس إلا سببا ظاهريا لأن ما يجب معرفته أن القيم &الجمهورية الفرنسية مثل العلمانية و احترام حقوق الإنسان تتناقض مع ما تنادي به الحركات الإسلامية المتطرفة.
أظهرت إعتداءات باريس أن المواطن الفرنسي العادي مهددٌ في عقر داره إذ لم تطال الهجمات هدفا محددا، و استطاعت الإرهابيون الإفلات من رقابة الأجهزة الأمنية إلى حين تنفيذهم الهجمات.&
سلمى بلعلى &باحثة في العلوم السياسية و مختصة في الحركة الجهادية في أوروبا و شمال أفريقيا &تعتبر في حديث لـ'إيلاف' انها عمليات حربية و لم تعد فقط عمليات إرهابية.
و ترى : ' هذه العمليات ليس لها سابقا &و لا اتحدث هنا عن الكمية و لكن النوعية ، هي عملية حربية لأنها استهدفت من حيث الكم و التنظيم وحتى البلاغة السياسية، أي الرسائل السياسية بلغت قمة الحرفية و لم يسبق للجهاديين في أوروبا &أن ينفذوا عمليات إرهابية بهذا المستوى من الحرفية.
على ماذا يدل؟
تقول سلمى بلعلى إن هجمات باريس إن دلت على شيء &فهو أن المنظمين لديهم خبرة عسكرية و ليسوا إرهابيين عاديين مثل زمن تنظيم القاعدة و بتنا في زمن داعش مع عمليات حربية لا تشبه مثيلاتها من قبل و هذا يعود لتمكن داعش من تجنيد و تدريب أشخاص سواء داخل فرنسا أو المجتمعات الأوروبية الأخرى بدرجة فائقة'.
هجمات باريس تأتي في وقت تُتبعُ فيه إجراءات امنية هي في اعلى درجاتها و وسط إقرار البرلمان و الحكومة قوانين لمحاربة الإرهاب منها قانون التنصت الذي يمكن أجهزة المخابرات الفرنسية رسميا من التنصت على الهواتف و الشبكة العنكبوتية &و فرض إجراءات امنية مشددة تحد من توجه الفرنسيين او المقيمين في فرنسا للقتال إلى جانب التنظيمات المتطرفة في سوريا و العراق.
كيف يُمكنُ لهجمات إرهابية أن تحدث وسط إجراءات أمنية مشددة؟
سلمى بلعلى هي من مؤيدي نظرية أن الأمن في فرنسا، منذ نحو عقد من الزمن، يُدار بطريقة غير متناسقة أو موازنة للحروب التي تقودها او تشارك فيها &فرنسا بالخارج في أفريقيا او الدول العربية.
وتدافع عن نظريتها بالقول : ' كيف لا يُجرى تأمينُ المنشآت الكبرى في باريس و ضواحيها؟&
تتابع: 'كيف تفسر السلطات الفرنسية الإهمال في تأمين منشآت مثل مسرح الباتكلان &و &أكبر ملعب كرة قدم في أوروبا 'ستاد دو فرانس' و هذا &ليس إلا دليلا على أن هناك خللا في التنسيق و إهمالا من طرف السلطات الفرنسية القائمة على الأمن الداخلي'.
و هنا لا يُمكنُ إلا و الإشارةُ إلى أن الدول الأكثر قوة في العالم منها الولايات المتحدة، لم تستطع القضاء على الإرهاب بعصا سحرية .
فرنسا هي عضو في التحالف الدولي لضرب تنظيم الدولة الإسلامية في العراق و مؤخرا في سوريا.&
هل يمكن أن نشهد تغييرا في العمليات العسكرية الفرنسية في سوريا و العراق؟
تقول سلمى بلعلى :' إن حقيقة التدخل الفرنسي في سوريا هو سياسي لأنه ليس مرافقا برؤية أمنية مثلا تساند المجتمع العشائري الذي يكافح الإرهاب على أرض الميدان أو المجتمع المدني الذي أبدى نوعا من الصرامة ضد تنظيم داعش ومن يسانده.
و هي ترى' أن العمليات الفرنسية في العراق و سوريا مجرد عمليات جوية و الكل يعرف أن الجيش الجهادي لا يكافح بالطائرات و إنما بتعبئة المجتمعات و رأينا ذلك في الحرب الذي قامت بها الجزائر ضد الحركة الجهادية و لم تقض عليها إلا عبر تعئبة المجتمعات على أرض الميدان بينهم الشباب و الإعلام و رجال الدين و فرنسا لم تقم بأي مبادرة من هذا النوع و هذا يدل على أن التدخل في سوريا ذات مغزى سياسي أكثر و ليس محاولة للقضاء بطريقة جذرية على تنظيم داعش'.
أثبتت التجارب في السنوات الماضية على أن الأنظمة لا تتحرك جديا فيما يخص الحركات الجهادية إلا إذا مُست في صميم مصلحتها السياسية و أمنها الداخلي و خير مثالا على ذلك الحرب التي شنتها الولايات المتحدة ضد تنظيم القاعدة في أفغانستان بعد تنفيذ الحركة الأصولية إعتداءات الحادي عشر من أيلول سبتمبر 2001.
سلمى بلعلى ترى' أن هذه النظرية تعكس حال فرنسا اليوم بعد هجمات باريس، و الوقت لم يعد للمبادرات السياسية بل للمبادرات العملانية لأن مصداقية و شرعية الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند باتت على المحك.
تجدر الإشارة إلى أن هجمات باريس تأتي قبل أسبوعين من انطلاق قمة المناخ العالمية في فرنسا في 30 &من تشرين الثاني نوفمبر بمشاركة زعماء و قادة دوليين بينهم الرئيس الأميركي بارك أوباما و وسط أزمة لاجئين غير مسبوقة تهز دول الإتحاد الأوروبي على خلفية الأزمة السورية.&
التعليقات