بيروت: نفذت طائرات فرنسية سلسلة من الغارات الجوية على مدينة الرقة في شمال سوريا، شملت مستودع اسلحة ومركز تدريب لتنظيم الدولة الاسلامية، في رد على ما يبدو على اعلان التنظيم الجهادي مسؤوليته عن اعتداءات باريس الاخيرة.

وعلى الرغم من صعوبة تحديد مواقع التنظيم الاستراتيجية في معاقله بسبب الاجراءات المشددة والنقص في المعلومات الاستخباراتية بحسب محللين، لكن ذلك لا يمنع الائتلاف الدولي من الاستمرار في استهداف البنى التحتية وآخرها امس قصف الاميركيين لـ116 شاحنة نفط في مدينة حدودية مع العراق.

واستهدفت طائرات فرنسية مساء الاحد مواقع لتنظيم الدولة الاسلامية في مدينة الرقة غداة تبني التنظيم اعتداءات نفذها ثمانية انتحاريين في باريس وحصدت في حصيلة غير نهائية 129 قتيلا. وبحسب المرصد السوري لحقوق الانسان، استهدفت الغارات "مخازن اسلحة ومعسكر تدريب" في الرقة.

وأكد ابو محمد، الناشط في حملة "الرقة تذبح بصمت" التي توثق انتهاكات التنظيم منذ سيطرته على المدينة، ان الغارات الفرنسية استهدفت "سلسلة مقار ومراكز للتنظيم" بينها "معسكر الطلائع ومقر الفرقة 17 بالاضافة الى حواجز على مدخل المدينة الجنوبي". واعلنت وزارة الدفاع الفرنسية الاحد ان عشر مقاتلات قاذفات فرنسية القت الاحد عشرين قنبلة على الرقة.

ويصعب تحديد حجم الخسائر البشرية الناتجة منها في ظل التعتيم والاجراءات الامنية المشددة التي يفرضها التنظيم على المدينة. ويشير مدير المرصد رامي عبد الرحمن الى "استنفار امني" في المدينة، مضيفا "من الصعب تأكيد المعلومات عن حصيلة القتلى من المستشفيات الموجودة هناك".

في السياق عينه، يقول ابو محمد لوكالة فرانس برس عبر الانترنت "لا قتلى في صفوف المدنيين حتى الان" من دون ان يتمكن ايضا من تحديد حصيلة القتلى في صفوف الجهاديين. ويوضح ان التنظيم فرض "حظر تجوال" في المدينة و"قطع الكهرباء" عنها.

واستولى الجهاديون على محافظة الرقة بعد معارك عنيفة مع مقاتلي المعارضة الذين كانوا استولوا عليها من قوات النظام السوري في آذار/مارس 2013. وشكلت الرقة المحافظة السورية الاولى التي خسرها النظام السوري منذ بدء النزاع في منتصف آذار/مارس 2011. وحولها الجهاديون الى نموذج لحكم "الخلافة الاسلامية"، اذ يطبقون احكاما دينية متشددة ويتحكمون بمفاصل الحياة فيها، ويغذون الشعور بالرعب من خلال الاعدامات الوحشية والعقوبات التي يطبقونها على كل من يخالف احكامهم او يشكون بمعارضته لهم.

نقص في المعلومات الاستخباراتية
ويعد النقص في المعلومات الاستخباراتية من ابرز العقبات التي تواجه الجهات المعنية بمكافحة تنظيم الدولة الاسلامية. ويقول الكاتب والباحث المتخصص في شؤون الجماعات المسلحة هاشم الهاشمي لوكالة فرانس برس "لا توجد مصادر استخباراتية ميدانية في الرقة لديها القدرة على المجازفة والمغامرة للتعامل مع الدول (التي تتصدى للجهاديين) لان تنظيم داعش يتشدد في معاقبة كل من يجرؤ على ذلك، لناحية القتل وحتى لتعذيب الشديد قبل القتل".

الا انه يوضح ان "تنظيم داعش والجماعات المتطرفة غالبًا ما تقيم مخازن السلاح ومعسكرات التدريب قرب المستشفيات او الابنية التي تقدم الخدمات العامة للمدنيين اي الابرياء" لتلافي استهدافها.

يضيف ان التنظيم "يقسم مناطق تواجده الى ثلاث: مناطق الحرب حيث يخوض القتال مع مجموعات مسلحة او القوات النظامية، والمناطق المختلطة وهي المناطق المهددة، لكنها لا تتعرض لعمليات برية، بالاضافة الى مناطق التمكين، حيث يسيطر بالكامل، ولا يتعرّض لهجمات برية من خصومه" على غرار الرقة.

ويضيف ان "قيادات الصف الاول من داعش غالبًا ما يقيمون في المناطق المختلطة"، بينما استهدفت الغارات الفرنسية الرقة اي "منطقة التمكين"، وبالتالي يستبعد مقتل قياديين.
ويوافق الباحث والمحلل في شؤون الجماعات الجهادية تشارلي وينتر على ان لا وجود لقيادات تنظيم الدولة الاسلامية في الرقة.

ويقول لوكالة فرانس برس "اذا كان لدى الفرنسيين معلومات استخباراتية جيدة حول المواقع التي يستهدفونها، ويقومون بذلك لاسباب وجيهة تتخطى كونها رد فعل، فيمكن البناء على ذلك على المدى الطويل". ويضيف "لكن هناك احتمال كبير بان يكون الدافع خلف هذه الغارات هو الانتقام، وهو امر مفهوم بالكامل، لكنه ليس الخيار الاكثر واقعية".

استهداف "نفط" الجهاديين
وتلقى تنظيم الدولة الاسلامية الاحد ضربة موجعة في احد ابرز معاقله في شرق سوريا، اذ اعلنت وزارة الدفاع الاميركية الاثنين تنفيذ الائتلاف الدولي ضربات جوية ادت الى تدمير 116 شاحنة نفط في مدينة البوكمال في محافظة دير الزور على الحدود مع العراق.

ويعتمد تنظيم الدولة الاسلامية في تمويله الى حد كبير على عائدات تجارة النفط، مع سيطرته على ابرز الحقول الموجودة في دير الزور والتي تعد الاغزر في سوريا. ويؤكد متحدث باسم الائتلاف الدولي لوكالة فرانس برس انها "المرة الاولى التي نستهدف فيها شاحنات (نفط) عدة في غارة واحدة"، موضحا ان الشاحنات كانت متوقفة وحاضرة لتزويدها بالنفط او للانطلاق لبيع مخزونها. ويوضح ان استهداف هذه الشاحنات ياتي في اطار "استراتيجية لضرب قدرات التنظيم المالية".