&بينما يحيي المسلمون في مختلف أنحاء العالم ذكرى مولد النبي محمد، أثارت فتاوى للتيار السلفي بمصر تُحرّم مظاهر الاحتفال بهذه الذكرى، الكثير من الجدل، بينما ردت دار الإفتاء بتفنيد فتاوى التحريم، مؤكدة بأنه عمل محبب ولا حرمة فيه.

&
صبري عبد الحفيظ من القاهرة: يحتفل المسلمون في أرجاء العالم، غداً الأربعاء، بذكرى مولد النبي محمد، فيما أصدر مشايخ التيار السلفي في مصر فتاوى تحرم الاحتفال بهذه الذكرى، وتناقل منتسبون لهذا التيار فتاوى قديمة لرموزه، ومنهم الشيخ أبو اسحاق الحويني، الذي قال: "لو كان الاحتفال مظهرًا من مظاهر حب الرسول لفعلوا الصحابة وهم أفضل منا في حب الرسول"، مشيراً إلى أن "الاحتفال بدعة من الدولة الفاطمية بهدف التقليل من شأن الصحابة".
&
بدعة
&
"البدعة" هو اللفظ نفسه الذي يستخدمه الدكتور ياسر برهامي، نائب رئيس الدعوة بالإسكندرية، في فتواه حول تحريم الاحتفال بالمولد، وقال: "لا يوجد في الكتب ما يسمى بالمولد النبوي، والاحتفال به بدعة وأمر محدث"، وأضاف: "الاحتفال به يجب أن يكون احتفالًا بالسنة"، وتابع: "أما محبة الرسول بأكل الحلاوة واللحمة، فهذا ليس من حب الرسول"، ولفت إلى أن "مظاهر هذه الاحتفالات ظهرت أثناء الدولة الفاطمية، ودواوين الإسلام كلها تخلو من الاحتفال به".
&
ويتفق الشيخ سعيد عبدالعظيم، أحد قيادات الدعوة السلفية، مع أصحابه في تحريم الاحتفال بالمولد النبوي، وقال: "عمل المولد محدَثٌ لم يقع في عهد الصَّحابة ولا الَّذين يلونهم ولا الَّذين يلونهم، فانخرمت القرونُ الفاضلة ولم يقع فيها الاحتفالُ بميلاد النَّبي، وإذا عُلِم أنَّه محدَثٌ فهو بدعة، وكلُّ بدعة ضلالة كما صحَّت بذلك الأخبارُ عن النَّبيِّ"، وأضاف: "العلماء اختلفوا في تحديد يوم ميلاد النبي، حيث ذكر بعضهم أنه ولد في رجب وليس في ربيع الأول، وهذا أدل على حرمة الاحتفال بميلاده في هذه الأيام".
&
إحتفالات
&
ورغم فتاوى التحريم السلفية، إلا أن المصريين يحتفلون بطريقتهم الخاصة بالمولد النبوي، وتنتشر في الأسواق والمحال التجارية كافة أنواع الحلوى منذ نحو اسبوع على الأقل، ويقبل المصريون، فقيرهم وغنيهم، وتنتشر في المساجد التابعة للصوفيين حلقات الذكرى، ورسمياً، تحيي الدولة بشكل دوري ذكرى المولد باحتفال كبير، عادة ما يحضره رئيس الجمهورية، وكبار رجال الدولة، ويتم تكريم حفظة القرآن.
&
وعلى مستوى المؤسسة الإسلامية الرسمية، يعتبر الأزهر الشريف ودار الافتاء أن الاحتفال بالمولد النبوي حلال ولا حرمة فيه، وقالت دار الافتاء في تقرير لها يفند فتاوى التحريم السلفية: "الاحتفال بذكرى مولد سيد الكونَين وخاتم الأنبياء والمرسلين نبي الرحمة وغوث الأمة، جائز شرعًا، بل هو من أفضل الأعمال وأعظم القربات، لأنها تعبير عن الفرح والحب للنبي"، وأضافت الدار: "محبة النبي أصل من أصول الإيمان، وقد صح أن النبي قال: لَا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده والنَّاس أجمعين".
&
عمل محبب
&
وأوضح مرصد الفتاوى الشاذة والتكفيرية التابع للدار في معرض رده على فتوى الشيخ السلفي سعيد عبد العظيم: "جماهير العلماء سلفًا وخلفًا منذ القرن الرابع الهجري أجمعوا عَلى مَشروعية الاحتفال بالمولد النبوي، بل ألَّف في استحباب ذلك جماعةٌ من العلماء والفقهاء، وبَيَّنوا بالأدلة الصحيحة استحبابَ هذا العَمل، بحيث لا يبقى لمن له عقلٌ وفهم وفكر سليم إنكار ما سلكه سلفنا الصالح من الاحتفال بذكرى المولد".
&
وأوضحت دار الافتاء: "كانوا يقومون بإحياء ليلة المولد بشتى أنواع القربات من إطعام الطعام، وتلاوة القرآن، والأذكار، وإنشاد الأشعار والمدائح، كما نص على ذلك غيرُ واحد من المؤرخين مثل الحافظَين ابن الجوزي وابن كثير، والحافظ ابن دِحية الأندلسي، والحافظ ابن حجر، وخاتمة الحفاظ جلال الدين السيوطي".
&
وساقت الدار أسانيد من السنة النبوية تؤكد مشروعية الاحتفال بمولد النبي محمد، وقالت: "عن بريْدَةَ الأسلمي أنه قال: خرج رسول الله في بعض مغازيه، فلمَّا انصرف جاءت جاريةٌ سوداءُ فقالت: يا رسول الله، إنِّي كنت قد نذرت إنْ ردَّكَ الله سالمًا أن أضربَ بينَ يَديْكَ بالدَفِّ وأتغنَّى، فقال لها رسول الله: "إن كنت نَذرت فاضربي، وإلا فَلا".
&
وأضاف المرصد أن المولد النبوي إطلالة للرحمة الإلهية بالنسبة للتاريخ البشري جميعه، فلقد عَبَّر القرآن عن وجود النبي بأنه "رحمة للعالمين"، وهذه الرحمة لم تكن محدودة، فهي تشمل تربيةَ البشر وتزكيتهم وتعليمهم وهدايتهم نحو الصراط المستقيم وتقدمهم على صعيد حياتهم المادية والمعنوية، كما أنها لا تقتصر على أهل ذلك الزمان، بل تمتد على امتداد التاريخ بأسره.
&