التوتر الخليجي - الإيراني متصاعد منذ زمن، فيما الدولتان تخوض الحرب بينهما بالوكالة خارج أرضها، على أراض سورية ويمنية.
خاص إيلاف: خط التماس الخليجي - الإيراني قديم، قدم الثورة الاسلامية الخمينية في إيران. فمنذ عام 1979، وإطاحة آية الله الخميني حكم الشاه رضا بهلوي في طهران، ثم مبادرة الإيرانيين، تحت لواء تصدير الثورة، إلى مهاجمة العراق في حرب استمرت 8 أعوام، ارتسم خط التماس هذا، الذي خاض من خلفه الطرفان حروبًا عديدة، أحدثها الحربان في سوريا منذ عام 2011، واليمن في عام 2015، فضلًا عن صراعات أخرى ناعمة مرشحة للتصعيد في 2016 ما لم تُزل أسبابها بحسب خبراء استراتجيين.
صراع حتمي
قال كمال الشرفي، المدير التنفيذي لمركز صناعة الفكر للدراسات، لـ "إيلاف" إن الصراع الخليجي - الإيراني يكاد يكون حتميا ولا فكاك منه في الوقت الحالي على الأقل لأسباب تتعلق بالعمق التاريخي للطرفين، فترى إيران أن عمقها الحضاري المتمثل في الإمبراطورية الفارسية، لا بد من أن يكون حاضرًا، "وهو ما ينتح عنه أحقية بالدور الإقليمي بعد نشاط الدور التركي المنافس بحسب رؤية إيران، فيما يرى الخليجيون وتحديدًا السعودية أنهم الأولى بهذا الدور على خلفية عمقهم الحضاري والتاريخي، حيث تمثل السعودية عمق الحضارة الإسلامية وقائدة العالم الإسلامي والعربي، فضلا عن دورها في الإشراف على المقدسات الإسلامية".
أضاف الشرفي: "إيران تعتبر مصالح الغرب وخصوصًا الولايات المتحدة في منطقة الخليج تهديدًا مباشرًا على أمنها، لذا ترى أحقيتها في تولي الملف الأمني في الخليج للدفاع عن مصالحها، خصوصًا بعد التحالفات الخليجية مع الغرب والولايات المتحدة، وفي المقابل ترى دول الخليج في التحركات التوسعية الإيرانية في المنطقة تهديدًا أمنيًا مباشرًا، وخطرًا يجب الوقوف أمامه بشتى السبل والحد من توسعه، فتدخل إيران في اليمن، الحديقة الخلفية للسعودية، وفي سوريا قلب المجال الحيوي للخليج، وتحريك القوى الناعمة في كل من البحرين والمناطق الشرقية في السعودية والكويت، أمر بالغ الخطورة ويجب التصدي له بشتى الوسائل".
التصعيد آت
وأوضح الخبير في الشؤون الإيرانية، الدكتور محمد السلمي، أن الأحداث في سوريا والعراق وخصوصًا اليمن وما أسفر عنها من عمليات وعاصفة الحزم، ساهمت طيلة 2015 في تصعيد المواجهة بشكل كبير بين إيران والخليج وتحديدًا السعودية، وإن كانت المواجهة على ارض ثالثة، مشيرا في حديثه لـ "إيلاف": "لهذا الصراع مسببات ودوافع، وهو مرشح للاستمرار ما لم يتم تسوية الأمور في اليمن والعراق وسوريا، واعتقد أن عام 2016 سيكون امتدادًا لعام 2015، وربما تسوء الأمور أكثر، إلا إذا رأت إيران عكس ذلك في ما يتعلق بحل الخلاف، "بحيث تقدم تنازلات في ما يتعلق بسوريا، ولاسيما أن موقف السعودية في سوريا إنساني بالدرجة الأولى، في حين إيران ما زالت تمد النظام السوري بالأسلحة والعتاد والرجال، وما لم تترك إيران هذا الميدان وتسحب قواتها والميليشيات التابعة له، وترك الساحة لمعالجة سورية - سورية بعيدًا عن التدخلات الخارجية، فاعتقد أن وتيرة المواجهة مرشحة للتصعيد".
نغمة جديدة
وأضاف السلمي: "من خلال متابعته للإعلام الإيراني، لاحظ وجود نغمة جديدة في التصريحات الإيرانية، ربما تكون ناعمة بعض الشيء، وهذه النغمة تحاول بأن تروج بأن هناك تقاربا سعوديا إيرانيا قادما، مع اقتراب عودة السفير السعودي إلى ممارسة مهامه في طهران، واعتقد أن هذه التصريحات تعني أن إيران رأت أن السعودية نجحت في تشكيل تحالفات عربية وإسلامية، وأصبحت شعبية السعودية عربيًا وإسلاميًا في أوجها، وإيران تريد أن توقف هذا الالتفاف مع السعودية أو تحجيمه، وبالتالي تحاول أن تغازل المملكة في بعض التصريحات السياسية، لكن الحكومة السعودية مدركة لهذا".
وتناول حامد الكناني - الكاتب الصحافي المهتم بالشؤون الإيرانية- المواجهة وفقًا لأسس تاريخية وما صاحبها من اطماع فارسية للمنطقة العربية. وأشار في حديثه لـ"إيلاف" إلى&أن المنطقة العربية تعرضت على مر التاريخ لهجمات توسعية فارسية وأخرى غربية حليفة لها، جاءت في إطار تأمين المصالح الاستعمارية ونهب الثروات، حيث كانت الدولة الصفوية التي توسعت مطلع القرن السادس عشر الميلادي، هي من أخذت على عاتقها القيام بمهام الشعوبية والثأر لكسرى ملك الفرس وكسر شوكة العرب، عبر تحالف غربي فارسي استمر أربعة قرون، بدا بتحالف فارسي- برتغالي في عام 1622 ثم تحالف، فارسي- هولندي في القرن السابع عشرـ ثم تطوّر لتحالف فارسي- انجليزي في القرن التاسع عشر".
تطرف سني
في ما يتعلق بالتحالفات الحديثة، قال الكناني إنها تمثلت في تحالف أميركي فارسي، أدى إلى تسليم العراق إلى إيران، ونشوء حركات الإرهاب الشيعية& مثل أنصار الله في اليمن وأحزاب الله في العراق ولبنان وسوريا، وأخيرًا تحالف روسي فارسي، وصل في أبشع صوره قصف طائرات بوتين للعزل والأبرياء والمدنيين، ودعمه لنظام بشار الأسد وقوات فيلق القدس وتنظيم داعش.
وأضاف الكناني: "التطرف السني نشأ في المنطقة كردة فعل تجاه الاعتداءات التي خلفتها هذه التحالفات، اما التطرف الشيعي فلا مبرر له سوى الأحقاد والمطامع المبنية على المزاعم التاريخية الباطلة، "ولا يمكن للدول الإقليمية والمجتمع الدولي ترك العلة ومطاردة المعلول،كما انه من الصعب القضاء على الإرهاب دون ردع طهران وتفكيك شبكاتها الإرهابية التي توزعت على وجه المعمورة وتفننت بعملياتها الإرهابية ونشر الرعب والدمار"، بحسب وصف الكناني
جسور التسوية
تكاد تكون نقاط الالتقاء بين السعودية وإيران محدودة حتى في مجال مكافحة الإرهاب. هذا ما أكده السلمي، مشيرًا إلى أن السعودية أسست للتحالف الإسلامي لمكافحة الإرهاب.
أضاف السلمي: "فبالتالي تبقى نقطة الالتقاء محدودة ومرهونة بالكف عن تدخلات الجانب الإيراني، وهو الرأي الذي توافق معه كمال الشرفي، حيث قال إن الحرب ضد داعش مثلًا لا يمكن أن تحقق جسرًا لتسوية العلاقة بين إيران والسعودية، فإيران لم تكن يوما هدفًا لداعش ولا أعتقد أنها ستكون، فما الدافع الذي سيجعل من إيران تفكر في التقارب مع السعودية، وهي لا ترى أن مصالحها تحت تهديدات داعش، وان كانت الحرب على الإرهاب بمصطلحه العام، فلكل طرف تعريفه الخاص بالإرهاب، ونظرًا لاختلاف المصالح باختلاف المحددات السياسية لكل طرف فيصعب التوافق عليها بين الأطراف المتنافسة".
احتمالات المواجهة
وقال الشرفي: "في سياق المقارنة بين الطرفين قبل الحديث عن احتمال المواجهة المباشرة، لا بد من الإشارة إلى أن إيران تملك قوة عسكرية تمكنها من المناورة وقوة التفاوض والتدخل العسكري غير المباشر، كما أن سعيها للحصول على السلاح النووي وجه سياساتها بطريقة مختلفة، إضافة إلى وجود نقاط التقاء في المصالح مع روسيا والصين، وهو ما أمن لها دعمًا لوجستيًا بالمنطقة، في المقابل تعتبر السعودية من أكثر دول المنطقة تسلحًا ولديها تفوق نوعي في المجال العسكري إذا ما استثنينا السلاح النووي، كما يتمتع الخليج والسعودية تحديدًا بثروة نفطية ومعدنية هائلة توفر لها قوة اقتصادية عالمية، فضلا عن وجود قوة غير مباشرة تتمثل في الدعم اللوجستي الذي تتلقاه من قبل الولايات المتحدة، وهو ما اكده السلمي الذي قال إن الخليج، وتحديدًا السعودية، تتفوق من حيث التقنية العسكرية والسلاح البحري والجوي، واستشهد السلمي بالاختراق الإيراني للمجال الجوي السعودي والذي وقع في 5 حزيران (يونيو) 1984 أثناء الحرب العراقية الإيرانية، عندما قامت 3 طائرات ايرانية من نوع إف 4 ب، باختراق المجال الجوي السعودي، وتم التصدي لها عن طريق سرب من طائرات إف 15 واستطاعت إسقاط طائرتين إيرانيتين وإصابة ثالثة".
وأضاف السلمي: "في المقابل هناك أسلحة إيرانية أغلبها مجمع في الداخل، وبعضها من الستينيات، فضلا عن سلاح جوي قديم من أيام الشاه".
بالوكالة
واستبعد السلمي حدوث مواجهة مباشرة في ظل المعطيات الراهنة، مع تأكيده استمرارية المواجهة غير المباشرة. أضاف: "لكن الوقت لا يزال مبكرًا لمواجهة مباشرة لأن مثل هذه الحروب المباشرة لها ثمنها الباهظ جدًا على الجانبين ولن يكون هناك منتصر في الحالتين".
تابع: "إيران من وجهة نظري لا تجرؤ على المواجهة المباشرة، وهذا ديدن السياسة الإيرانية بعد الثورة، إذ ترتكز أساليبها على الصراع عبر أطراف أخرى، كما أن الجانب الأميركي أيضا ليس من صالحه قيام حرب في المنطقة، لأن الطاقة ستكون مهددة في هذه الحالة".
وقال الشرفي إن السياسة الإيرانية لا تفضل المواجهة العسكرية المباشرة مع أي طرف كان، وبالأخص مع دول الخليج، لما قد يترتب عليه من استثارة الغرب لحماية مصالحه، وللاستنزاف الذي ستتعرض له عسكريًا وسياسياَ واقتصاديًا، لذا تلجأ إيران إلى تقديم الدعم بالمال والسلاح للمحافظة على مصالحها في مناطق الاختلاف مثل سوريا واليمن، وقد ترسل خبراء تدريب عسكري وعددا من الجنود خارج حدودها وهذا ما يسمى الحرب بالوكالة".
قوات الردع الخليجي
وحول الحديث عن استراتجية ردع خليجية، قال السلمي إن هذا لن يأتي إلا بوجود تحالفات عسكرية عربية وإسلامية وهذا التوجه هو السائد حاليًا في ما يبدو من خلال تشكيل التحالف العربي في اليمن والتحالف الإسلامي في مكافحة الارهاب، فضلًا عن خطوات أخرى مباشرة من ضمنها عودة السفارة السعودية في العراق لممارستها مهامها بشكل رسمي.
وعلى الرغم من أن هذه الخطوة جاءت متأخرة لكنها مهمة، حيث لا بد من إعادة العراق الى محيطه العربي والخليجي وهذا لن يتأتى إلا من خلال تقوية العلاقات وبناء جسور مع الشعب العراقي ومكوناته المختلفة إضافة مع الحكومة العراقية، وان ينظر إلى مصلحة العراق أولا وليس مصلحة إيران.
وحول الموقف الأميركي، قال السلمي: "دول الخليج لم تعد تعول على أميركا، خصوصًا بعد الاتفاق النووي وموقفها في سوريا، وبالتالي السعودية ودول الخليج بدأت تشكيل تحالفات بديلة، ولن تضع بعد اليوم بيضها في سلة واحدة، وبالتالي تنوع العلاقات وتطويرها مع كل دول العالم خصوصًا مع الدول الكبرى، هو التوجه القادم في العام، وهو ما شدد عليه الشرفي حيث قال إن ما ينبغي للخليج فعله هو تقليص مساحة التباين في سياسات الدول الأعضاء الخارجية وتوحيد الرؤية حول إستراتيجيا إيران في المنطقة، وعلى الخليج التفكير بجدية في انتهاج سياسات توسع دائرة المناورة من خلال إقامة تحالفات قوية في المجال الحيوي لدول الخليج وخصوصا تركيا وباكستان ومصر، وعمل إتفاقيات دفاعية وعسكرية مشتركة يمكن أن تكون بديلة عن الضمانات الأميركية في حال تخلت أميركا عن حليفها الاستراتيجي مع استبعاد ذلك في الوقت الراهن".
التعليقات