ستمر القمة السعودية الأميركية غدًا بلا مشاكل، لكن من المفيد التنبه إلى أنّ السعودية ما عادت تكتفي بالوعود والأقوال الأميركية، بل تنتظر أفعالًا، خصوصًا أن سياسات واشنطن الشرق أوسطية مبهمة.

إعداد عبدالاله مجيد: نادرًا ما تكون اللقاءات بين رؤساء دول حليفة مهددة بأي شكل من أشكال المواجهة. فهي عادة تكون حسنة التحضير مسبقاً لكي تتمخض عن نتيجة إيجابية بدلا من استخدامها للتفاوض الفعلي، ويكاد يكون من المحتم أن تنتهي إلى بيان عام يصور اللقاء بمفردات إيجابية قدر الامكان.

ومن المستبعد أن يشذ لقاء الرئيس الأميركي باراك أوباما والعاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز عن هذه القاعدة. فالبلدان شريكان استراتيجيان رغم خلافاتهما، وكلا الدولتين تحتاجان الى احداهما الأخرى. في الوقت نفسه يدرك كل من يزور الخليج ويلتقي مسؤولين خليجيين وقادة عسكريين ان على الولايات المتحدة ان تطمئن حلفاءها وتؤكد التزامها بهذه الشراكة.

انعدام الثقة

وعلى المستوى الشعبي، من الواضح تماما ان كثيرين في الخليح لا يثقون بالتزام الولايات المتحدة بالبقاء في منطقة الخليج، وتقلقهم نظريات المؤامرة القائلة ان الولايات المتحدة تتجه نحو إيران. كما ينظر كثيرون الى الولايات المتحدة على انها دولة لا تمارس القيادة بالقدر الكافي من الفاعلية وليس لديها استراتيجية واضحة للمنطقة.

ولا تأتي هذه المشاعر بوصفها صدمة مفاجئة للبيت الأبيض. فان وزير الخارجية جون كيري ووزير الدفاع آشتون كارتر زارا المنطقة في محاولة لطمأنة السعودية والدول الخليجية الحليفة الأخرى، والرئيس أوباما عمل كل ما بوسعه لطمأنتها في قمة آيار (مايو) التي استضافها في كامب ديفيد مع ممثلي السعودية والكويت والامارات العربية والبحرين وقطر وعمان.

أوباما سيستمع بانتباه ليستفيد من بصيرة الملك

&

عصا سحرية

صحيح ان الانتقادات والتوقعات الخليجية كثيرا ما تتجاهل الحقيقة الماثلة في ان الولايات المتحدة بالكاد كانت مسؤولة عن الأوضاع التي أدت الى كل هذه الغليانات التي حدثت منذ عام 2011، وانها لا تملك عصا سحرية تستطيع فجأة ان تغير المشاكل الأمنية التي اوجدها تنظيم داعش وغيره من الحركات المتطرفة، أو طموحات إيران الاقليمية أو الحشود العسكرية أو الحرب الأهلية وانعدام الاستقرار الداخلي في سوريا والعراق واليمن وليبيا.

ولكن الواقع ان من اثمان التحالف طمأنة الحلفاء باستمرار، وان سياسة الولايات المتحدة تجاه المنطقة كثيرا ما تكون سياسة غير واضحة، وغير محدَّدة على الوجه المطلوب وتبدو سياسة نظرية أكثر منها سياسة حقيقية. وعليه فان الرئيس أوباما قد يرغب في اغتنام الفرصة التي تتيحها زيارة الملك سلمان لإيضاح عدة اشياء.&

الاتفاق النووي&
&
احد هذه الأشياء ان لدى الولايات المتحدة خطة عملية واضحة لتنفيذ كل جوانب الاتفاق النووي مع إيران تنفيذا كاملا. وما فعله البيت الأبيض حتى الآن للدفاع عن الاتفاق يفوق بكثير ما فعله لتأكيد استعداده والتزامه التام بوضع إيران امام حقيقة انها لا تستطيع ان تتجاهل أي بند من بنود الاتفاق، وان الولايات المتحدة لن تهادن، وانها سترد كما يجب على أي محاولة إيرانية للتهرب من تنفيذ الاتفاق.&

ساعات وتنطلق القمة السعودية الأميركية


&
الأمر الثاني هو ان يكون واضحا بصورة لا تقبل اللبس وعلنا ان الولايات المتحدة ستنضم الى حلفائها العرب في مواجهة أي عمل إيراني لإساءة استخدام الموارد التي سيتيحها رفع العقوبات بما يؤدي الى زيادة تهديدات إيران الأخرى في المنطقة: قواتها الصاروخية وقدراتها الحربية في الخليج ومحاولاتها لتوسيع نفوذها في لبنان وسوريا والعراق واليمن واستغلال المواطنين الشيعة في دول مجلس التعاون الخليج.

ومن الخيارات المطروحة في هذا الشأن الاعلان عن التزام تام بدعم السعودية والدول الأخرى الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي بدفاعات صاروخية ميدانية. والخيار الآخر التعهد بمدها بالأسلحة الكفيلة بالحفاظ على "تفوق" عسكري واضح على إيران.

والخيار الثالث أن يكون واضحا أن الولايات المتحدة ستحافظ على وجودها في الخليج وان الأولوية الاستراتيجية لقيادة القوات الأميركية في الشرق الأوسط لا تقل عن الأولوية الاستراتيجية لقيادة القوات الأميركية في منطقة المحيط الهادئ وآسيا.

وأخيرًا يستطيع الرئيس أن يذكر تغطية الدول الخليجية بقوة رادعة إذا فشل الاتفاق النووي مع إيران، على غرار ما ذكرته في السابق هيلاري كلنتون حين كانت وزيرة الخارجية. وهذه كلها سياسات تنتهجها الولايات المتحدة الى حد ما. وان اضفاء شكل ملموس وعلني عليها خلال زيارة الملك سلمان لن يكون طفرة كبيرة.

تحديات أخطر
&
ويواجه الرئيس أوباما تحديات أخطر في عدة ميادين أخرى ذات أهمية حاسمة للسعوديين. فان حملة الولايات المتحدة ضد داعش وغيره من الحركات المتطرفة العنيفة تعثرت على ما يبدو، باستثناء حملة القصف، وان تأثيرها الاستراتيجي حتى الآن هو الإبقاء على الوضع القائم. والخليج ليس وحده الذي لديه تساؤلات عن الاستراتيجية الأميركية في سوريا.

فان مهمة الولايات المتحدة في التدريب والمساعدة لبناء قوات سورية "معتدلة" انهارت انهيارا جعلها أقرب الى المهزلة، وان مستوى تعاون الولايات المتحدة مع السعودية والدول الخليجية الأخرى في مساعدة قوى عربية سورية أخرى ليس واضحاً، وكذلك طريقة الولايات المتحدة في التعامل الآن مع كرد سوريا، وما إذا كانت تركيا شريكة للولايات المتحدة أم ان الرئيس اردوغان يلعب عليها.

ويكتنف القدر نفسه من الابهام استراتيجية الولايات المتحدة في العراق. إذ ليس واضحا بكل تأكيد ما إذا كان مجهود الولايات المتحدة في تدريب العراقيين ومساعدتهم مجهودا مجدياً. ولا يُعرف ما إذا كانت خطط رئيس الوزراء العبادي للاصلاح قادرة على تحقيق الاستقرار، أو ان الولايات المتحدة تقدم له الدعم الذي يحتاجه.

وتبدو سياسة الولايات المتحدة تجاه كرد العراق مبهمة كسياستها تجاه كرد سوريا، ويبدو ان إيران تتفوق على الولايات المتحدة بتقديم دعم على الأرض لميليشيات العراق الشيعية، وبسط نفوذها على الجيش العراقي النظامي.

سبب مشروع

وهنا لدى السعودية سبب مشروع جدا للاحتجاج. وكانت المملكة حذرت الولايات المتحدة قبل ان تغزو العراق ما قد يحدث من صراعات طائفية وإثنية على السلطة، ثم شهدت الولايات المتحدة تستكمل عملياً حل القوات العسكرية التي كانت السد الرئيس بوجه المحاولات الإيرانية لتوسيع نفوذها غرباً.

كان اداء الولايات المتحدة افضل في حالة اليمن ولكنه اقتصر اساسا على ارسال سفن لقطع الطريق على محاولات إيران ارسال امدادات الى الحوثيين، وتقديم بعض المعلومات الاستخباراتية والاسناد اللوجستي للمجهود الجوي والبري السعودي الاماراتي.

ولم تفعل الولايات المتحدة شيئا يُذكر بحيث يكون واضحا انها مستعدة على الأقل لتقديم دعم انساني ذي معنى أو ما يبين انها تتفهم اسباب التحرك السعودي. فان احتمال مجيء نظام حكم موال لإيران يمكن ان يمنحها تسهيلات جوية أو بحرية في بلد يشترك مع السعودية بحدود طولها 1300 كلم ويمكن ان يستخدم مضيق باب المندب ليهدد حركة السفن عبر البحر الأحمر كما تهدد إيران الآن حركة السفن عبر مضيق هرمز الى الخليج، كل ذلك يؤثر في المصالح الاستراتيجية السعودية كما يؤثر في مصالح الولايات المتحدة الاستراتيجية.

نيات حسنة

هذه كلها مجالات قدم فيها الرئيس أوباما افكارا عريضة ونيات حسنة بشكل ما ولكنها ايضا مجالات لا تكفي فيها الأقوال وحدها.

وعلى الرئيس ان يبين بصورة أفضل بكثير انه قادر على تنفيذ ما يُقر من سياسات وترجمتها بفاعلية على الأرض. وعليه ايضا ان يقوم بعمل أفضل في مجال الاتصالات الاستراتيجية لعرض افعاله بالتفصيل وشرح حدود خياراته والمضي أبعد من "الدعاية" في إيضاح تأثيرها ودرجة نجاحها. ولا بد من الإقرار بأنه لا يستطيع ان يفعل هذا كله قبل زيارة الملك سلمان ولكن البيت الأبيض ليس برجا عاجيا، وهذا الرئيس لم يبق لديه الكثير من الوقت.


انتوني كوردسمان - الباحث في معهد الدراسات الاستراتيجية والدولية في واشنطن