منذ تمكن الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي من كسر الاقامة الجبرية التي وضعه فيها الحوثيون والانتقال إلى عدن، ينشغل في تثبيت دعائم حكمه، وتحصينه من تداعيات الانقلاب الحوثي، الذي أسقط صنعاء في 21 أيلول (سبتمبر) الماضي.


الرياض: نقلت صحيفة "الشرق الأوسط" عن مصادر سياسية في عدن قولها إن أبرز القضايا التي يناقشها هادي مع الشخصيات التي يلتقيها هي كيفية تأسيس السلطة الشرعية في عدن لإدارة شؤون البلاد، وبالتحديد المحافظات التي ما زالت تحت سيطرته، ومناقشة قضية الموارد المالية لتمويل الدولة وقطع الإيرادات عن الحوثيين في صنعاء، وخصوصًا المساعدات الدولية التي سيتم تحويلها إلى فرع البنك المركزي في عدن، الذي أصبح في حكم المصرف المستقل، إضافة إلى حفاظه على ما بقي من القوات العسكرية تحت سلطته.

وتشير معلومات "الشرق الأوسط" إلى أن لدى هادي مجموعة عمل مصغرة، تتكون من وزراء ومسؤولين سابقين وقادة عسكريين ومستشارين لإدارة الأمور اليومية، وهي أشبه بحكومة مصغرة وغير معلنة، وأن هادي يتجنب اليوم تسمية حكومة لإدارة شؤون البلاد رسميًا حتى تتضح الصورة بالنسبة لما سيؤول إليه الحوار السياسي، وبانتظار رفع الإقامة الجبرية عن رئيس الحكومة المستقيلة خالد بحاح في صنعاء، لكنه لن ينتظر طويلاً، إذ بدأ يشعر بضرورة ترسيخ نظامه في عدن، بدليل التعيينات التي بدأ الإعلان عنها في أجهزة الأمن.

تفكيك دولة صالح وحزبه

وتنقل الصحيفة عن مصدر قبلي بارز من محافظة مأرب، رفض الكشف عن هويته، قوله إن قضية هادي الأساسية هي التشديد على أن مخرجات الحوار هي الحل، والأقاليم هي العدالة الموعودة للشمال والجنوب، وأنه وحدوي لن يفرط في الوحدة وسيثبت للجميع أن الدولة الاتحادية هي مشروعه الذي سيحافظ على الوحدة وسيحل قضية الجنوب ويفكك مركزية الشمال، وأنه يتحرك في إطار استعادة السيطرة على الجيش والأمن بداية من إحكام السيطرة على عدن والمحافظات الجنوبية أولا، ليعيد تفكيك دولة الرئيس السابق علي عبد الله صالح في الجنوب، ويعيد صياغة دولته في الجنوب أولاً، وفي الشمال ثانيًا.

أضاف المصدر نفسه أن هادي راهن كثيرًا على الأميركيين والبريطانيين وخذلوه، وهو يراهن الآن على السعودية والخليج لأن مصالحهم تقتضي التمسك بشرعية الدولة في مواجهة شرعية السلاح والتدخل الإيراني، وهو يخوض حربًا مع صالح لاستعادة حزب المؤتمر الذي بدأ في الانشقاق إلى جناحين، جناح هادي وسيشمل أقاليم عدن وحضرموت وسبأ، وجناح صالح ويشمل أقاليم أزال والجند وتهامة، مع الاشارة إلى أن هادي لا يريد الاصطدام بالحوثيين إن أمكن العودة لتسوية يقودها هو من جديد بشراكة من دون ميليشيات في صنعاء.

لا يملك المفتاح

من ناحية أخرى، قال مصدر من الحراك الجنوبي في عدن لـ"الشرق الأوسط" إن قيادات وفصائل ومكونات الحراك تنظر بحذر إلى تصرفات هادي، ولم تدخل معه في صراع ولا تنوي التأجيج عليه في الشارع، "إلا في حال وجدت أنه لم يتبنَّ القضية الجنوبية أو يسعى للزج بالجنوب في صراع مع القوى الأخرى التي نعتبرها محتلة للجنوب".

فالجنوبيون يرفضون تحويل مناطقهم إلى ساحة للصراع بين الأطراف الأخرى، ويؤكدون سعيهم إلى تحقيق الاستقلال وإقامة الدولة الجنوبية. وتنسب الصحيفة إلى القيادي البارز في الحراك الجنوبي العميد علي محمد السعدي قوله: "عبد ربه منصور هادي يعيش وضعًا سياسيًا صعبًا جدًا ومعقدًا، ومفتاح فك شفرة طلاسم هذا الوضع لا أعتقد أن الرئيس هادي يمتلكه".

رسالة من الحوثي

ووصل المبعوث الأممي جمال بنعمر إلى عدن للبحث عن حل للأزمة في اليمن يندرج في إطار المبادرة الخليجية وآلياتها التنفيذية، والتقى بهادي في جلسة مغلقة. واتهم المبعوث الأممي في مؤتمر صحفي عقده بعدن "العناصر المتطرفة من جميع الأطراف بالسعي لإفشال الحوار"، معربًا عن خيبة أمله من عدم تنفيذ الحوثيين لقرارات مجلس الأمن من الانسحاب من مؤسسات الدولة والإفراج عن المسؤولين المعتقلين، مؤكدًا بأنه قدم إحاطته لمجلس الأمن الدولي بخصوص الوضع في اليمن.

إلى ذلك علمت صحيفة "عكاظ" السعودية أن المبعوث الأممي يحمل بعض الأفكار التي قدمها الحوثي للرئيس هادي عبره، ومنها الإعتراف به كرئيس مقابل تعيين نواب من الحوثي وحزب المؤتمر له.

في أي مكان

أكد الدكتور عبد الرحمن السقاف، أمين عام الحزب الاشتراكي اليمني، عدم تحفظ حزبه على أي مكان ينعقد فيه الحوار في ظل الجدل والمطالبات المتواصلة بنقله إلى خارج صنعاء، ثم المطالبة الجديدة بنقله إلى إحدى دول الجوار الخليجي، وقال: "مكان الحوار يجب ألا يتحول إلى وسيلة لإضاعة الوقت، فالحقائق على الأرض تفيد بتسلح في مناطق مختلفة ويقال إن هناك دعمًا إقليميًا وقد يؤدي إلى حرب أهلية، والاشتراكي يقبل بأي مكان للحوار في الداخل أو مكان محايد في الخارج، شرط عدم تحول العملية إلى إطالة للحوار، ليس إلا".

وأضاف السقاف لـ"الشرق الأوسط" أن توقف الحوار يعني توقف السياسة، "والسياسة في واحد من تعبيراتها تعكس حضور الدولة، فإذا غاب الحوار وغابت السياسة، هناك احتمال كبير لنشوب صراع مسلح وخطير جدًا على كيان الدولة في اليمن".

سيناريوهات

ويرى السقاق 3 سيناريوهات محتملة في اليمن منذ ظهور الرئيس عبد ربه منصور هادي في عدن، "الأول وهو الأخطر يقوم على حقائق مرئية ولا يمكن تجاهلها، وهي أن البلاد تحكم من مركزين، أحدهما في الشمال في العاصمة صنعاء والثاني في الجنوب من مدينة عدن، وهذا يضع السلطة في حالة من الازدواجية لا يمكن أن تزول إلا بإخضاع طرف للطرف الآخر، وفي حال استمر الوضع على ما هو عليه وتأكدت حالة الانشطار، فإن الحوار السياسي القائم لن ينتج حلولًا وسيزداد الأمر سوءًا عندما تكون كل من الإرادتين السياسيتين مدعومتين من قوى خارجية مختلفة، جعلت من اليمن ساحة لتصفية حسابات في ما بينها".

أضاف: "الثاني هو سيطرة الحوثيين على كامل البلاد، وهذا مرهون بطبيعة ميزان القوى، وليس هناك في اليمن ما يضاهي أنصار الله من هذه الناحية العسكرية، وبالتأكيد فإن الفرصة أمام فرض الحقائق عن طريق الغلبة مفتوحة، وهنا من المحتمل جدًا أن يتمكن أنصار الله من حسم الأمور عسكريًا وأمنيًا والسيطرة على البلاد والاستقرار الذي سينتج عن ذلك سيكون استقرارًا قلقًا وسيتحول النظام السياسي نحو طبيعة ثانية".

العودة للمبادرة الخليجية

أما السيناريو الثالث، فيصفه السقاف بـ "السيناريو الأمني"، الذي سيجنب اليمن الحرب الأهلية أو الاستبداد السياسي، وهو الحرص على إعادة إنتاج العوامل المساعدة على استئناف العملية السياسية واستحقاقاتها والقائمة على اتفاق المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية ومخرجات الحوار الوطني الشامل والمؤسسات النظامية المنبثقة عنه، مع الأخذ في الاعتبار بالمستجدات التي طرأت على ميزان القوى منذ 21 سبتمبر (أيلول) 2014، ويمكن استشفاف هذه المستجدات والمتغيرات في المضامين السياسية والعسكرية والأمنية الواردة في اتفاق السلم والشراكة والعمل على ملء فراغ السلطة والتخلص من وضعها المزدوج الحالي".