حشرت الأزمة الليبية تونس بين فكي كماشة، إذ تنتظر حكومتان تتقاسمان اللسطة الاعتراف التونسي الرسمي بهما، فيما يتدرّب ويقاتل المئات من التونسيين في ليبيا تمهيدا لـ"فتح" تونس، ناهيك عن الاف التونسيين العاملين في الجارة الشرقية المُحتاجين للحماية.
مجدي الورفلي من تونس: تتابع الحكومة التونسية ما يحدث في ليبيا، خاصة، منذ اعدام 21 مصريا قبطيا على يد تنظيم (داعش)، بقلق شديد تخوفا من أي تداعيات أمنية على ترابها من بينها عبور عناصر الدولة الإسلامية والجماعات المتطرفة.
ودفعت حكومة الحبيب الصيد بتعزيزات عسكرية كبيرة إلى الحدود الليبية من جهة، فيما انتهج رئيس الجمهورية الذي يحمل ملف العلاقات الخارجية والدفاع، سياسة الحياد وعدم الإنحياز لأي من الأطراف المتناحرة في ليبيا.
وبالتزامن مع عمليات كر وفر ارهابيي جبل الشعانبي في الداخل (على الحدود الجزائرية)، التي تقض مضجع الحكومة التونسية، تتصاعد المخاوف في تونس من انتقال الفوضى التي تعمّ جارتها ليبيا الى ترابها وسط استياء نوعي من الحكومة الليبية في طبرق من الموقف الدبلوماسي التونسي الذي وصفه وزير الاعلام الليبي بـ"غير المعقول".
إلى ذلك، يحذّر خبراء من استعداد المقاتلين التونسيين الذين تدربوا في معسكرات ليبية وإسناد الخلايا النائمة للقيام بهجمات داخل المدن، خصوصا وأن مقاتلين تونسيين في تنظيم "الدولة الإسلامية" كانوا هددوا بتنفيذ هجمات في تونس في تسجيلات بثت على مواقع التواصل الإجتماعي.
ليبيا ملجأ الجهاديين التونسيين
أصبحت ليبيا تمثل ملجأ الجماعات الإرهابية التونسية الملاحقة قضائيا، من أهمها سيف الله بن حسين المكنى ب"ابي عياض" أمير جماعة "أنصار الشريعة" في تونس، ووجهة جديدة "للجهاديين" التونسيين، حيث تشير تقارير الى ان مئات التونسيين يتواجدون حاليا في ليبيا وقد تلقوا تدريبات عسكرية.
وأكدت ذات التقارير وجود معسكرات لتدريب المقاتلين في مدن مثل صبراتة الساحلية القريبة من تونس إضافة إلى الزاوية وطرابلس وبعض مناطق الجبل الغربي، ويشرف على معسكرات التدريب تلك، تنظيم أنصار الشريعة المحظور بشقيه التونسي والليبي.
يدبّرون عمليات
يرى الخبير في الحركات "الجهادية" الهادي يحمد ان تونس مشرفة على مرحلة الخطر فيما يتعلق بتضخم تنظيم الدولة الإسلامية، فرع ليبيا، وتعاظم امتداد التنظيم جغرافيا ولوجيستيا وخاصة عن طريق الاستعراضات العسكرية التي أصبح يقوم بها في العديد من المدن الليبية وخاصة الشرقية منها.
وقال يحمد في تصريح لـ"إيلاف" إنّ انتقال العمليات الارهابية الى تونس من الجانب الليبي "هي مسألة وقت ليس الا، فإذا ما ركّز تنظيم الدولة الاسلامية وجوده في ليبيا وتغوّل على القوى المحلية الموجودة في هذا البلد من قبيل الجيش الليبي وقوات فجر ليبيا فان المرحلة القادمة هي تصدير العنف المسلح الى تونس".
يتابع " يتدعّم هذا التوقع على ضوء التقارير والمعطيات التي تؤكد تواجد مئات التونسيين كمتطوعين في كتائب الدولة الاسلامية في كل من درنة وبنغازي وسرت ويستعدون للقيام بعمليات داخل المدن التونسية".
"فتح تونس"
في وقت سابق، أعلن القيادي التونسي في تنظيم داعش كمال زروق، وهو متهم رئيس في اغتيال القيادييْن اليساريين شكري بلعيد ومحمد البراهمي في عام 2013 أن التنظيم الإرهابي بات على مقربة من الحدود التونسية بمسافة لا تتجاوز 100 كيلومتر وهو يستعد لإطلاق "عملية فتح تونس"، على حد تعبيره.
ويقول خبراء ان تنظيم الدولة الإسلامية، فرع ليبيا، له امتدادات في تونس وهو ما أثبتته التحقيقات مع عناصر الجماعات الإرهابية التي تم الكشف عنها أوائل الشهر الماضي عندما كانت بصدد إعداد خطة لضرب مؤسسات حكومية.
وفي هذا السياق، يقول الخبير في الحركات "الجهادية" الهادي يحمد "من المؤكد ان هناك اتصالات بين العناصر التونسية المتحصنة بجبال الشعانبي وبين الجماعات المرتبطة بالدولة الإسلامية، الفرع الليبي، وفي الحقيقة فان هذه العلاقات ليست بجديدة بل انها تعود الى السنوات الأولى للثورة التونسية عندما تأسس تنظيم أنصار الشريعة التونسي وفرعه الليبي تحت نفس الاسم".
يضيف: "أهم العمليات التي وقعت في تونس منذ ثلاث سنوات كانت تتم بتنسيق بين التنظيمين الارهابيين التونسي والليبي، فقد شاركت في عديد العمليات التي نُفذت في تونس عناصر ليبية بالدعم والمشاركة المسلحة المباشرة.
ويؤكد يحمد ان إعترافات المسلحين الذين قُبض عليهم والمعلومات الامنية، تفيد بوجود عناصر ليبية إلى جانب العناصر التونسية والجزائرية في جبل الشعانبي وبالتالي فان التنسيق بين الليبيين والتونسيين امر ثابت للجميع.
وكان رفيق الشلي، وهو مسؤول رفيع بوزارة الداخلية التونسية، قال في تصريحات إعلامية ان عدد التونسيين العائدين من تنظيم "داعش" من سوريا والعراق، يبلغ 500 عنصرا وهم اليوم ينشطون ضمن خلايا إرهابية نائمة ويمثلون خطرا على استقرار تونس وأمنها.
وأعلنت وزارة الداخلية هذا الأسوبع، انها عثرت على كمية "كبيرة جدا" من الاسلحة، تم تهريبها من ليبيا، داخل مخزن بإحدى المناطق بمحافظة مدنين الحدودية مع ليبيا، قالت انها كانت موجهة الى "جهاديين" متحصنين في جبال الشعانبي، غرب البلاد على الحدود مع الجزائر.
ومنذ نهاية 2012 تتعقب قوات الامن والجيش مجموعات "جهادية" متحصنة بجبل الشعانبي من محافظة القصرين (وسط غرب) الحدودية مع الجزائر، تطلق على نفسها اسم "كتيبة عقبة بن نافع".
إعتراف بالحكومتين وأزمة دبلوماسية
وفي ذات السياق، يثير تعامل الدبلوماسية التونسية مع الملف الليبي وتوخيها ما اعتبرته "حيادا" من خلال التعامل مع الحكومتين الليبيتين (طبرق وطرابلس) امتعاض حكومة طبرق حيث سخر رئيس الهيئة العامة للإعلام والثقافة والآثار بليبيا عمر القويري من قرار الخارجية التونسية إرسال تمثيليتين دبلوماسيتين الاولى لدى حكومة القويري والثانية لدى حكومة فجر ليبيا في طرابلس.
وقال القويري متهكما إن حكومته "على استعداد لإرسال قنصل إلى جبال الشعانبي" حيث يتحصن إرهابيون مناوئون للحكومة التونسية ولكن العقيد الليبي أحمد بركة وزير الداخلية بحكومة طبرق الليبية، إعتبر تصريحات القويري فردية ولا تعبر بأي حال من الأحوال عن موقف حكومة طبرق، بعد لقاء مع مسؤول رفيع في الخارجية التونسية.
وكانت الخارجية التونسية إعتبرت تصريحات رئيس الهيئة العامة للإعلام والثقافة والآثار الليبي "تطاولا على هيبة تونس وسيادتها وتعدّ مساسا بأمنها الوطني".
وأعلنت السلطات التونسية بداية الأسبوع أنها عينت قنصلا عاما لتونس لدى ليبيا، باشر مهامه بشكل رسمي بمقر البعثة الدبلوماسية التونسية في العاصمة طرابلس، التي تسيطر عليها قوات فجر ليبيا فيما قالت صحيفة "المغرب" المحلية ان القنصل العام في بنغازي مازال لم يباشر مهامه بسسب& صعوبة الوضع الامني في الجهة والتعطيلات من طرف حكومة طبرق التي لم تبد أي تعاون.
تمشِ حكيم
يرى الدبلوماسي التونسي السابق أحمد الهرقام في تصريحات لـ"إيلاف" ان السياسة الخارجية التي تتبعها تونس فيما يخص الوضع الليبي، وقرارها التعامل مع الحكومتين سليم وحكيم، من جهة لحماية التونسيين في ليبيا، ومن جهة لتجنب نقمة ورد قوات فجر ليبيا.
وقال الخبير الدبلوماسي: "في حال تعاملت تونس فقط مع حكومة طبرق المعترف بها دوليا سيتضرر التونسيون الذين يعملون في المناطق التي تسيطر عليها قوات فجر ليبيا ويمكن ان يقع تصفيتهم وتونس مطالبة بحمايتهم والدبلوماسية إحدى آليات ضمان سلامتهم".
وخلال السنة الماضية، تعرض محمد بالشيخ والعروسي القنطاسي، وهما موظفان من السفارة التونسية بطرابلس، لعملية اختطاف من قبل مجموعات ليبية متشددة قبل أن تنجح الحكومة التونسية في إطلاق سراحهما.
وحاليا يُحتجز الصحافيان التونسيان سفيان الشورابي ونذير القطاري، ووليد الكسيكسي الموظف بالسفارة التونسية في ليبيا لدى جهات يعتقد أنها متشددة، وتخشى تونس من ردود فعل غير محسوبة تجاههم من قبل التنظيمات الإرهابية.
ويذكر ان تونس عارضت موقف الجانب الإيطالي الداعي إلى تدخل عسكري لوقف تمدد التنظيمات الإرهابية ودعمت الحل السياسي السلمي دون التدخل المباشر الميداني.
ويدير ليبيا، التي باتت تحت رحمة الميليشيات، وسط الفوضى المتفشية، برلمانان وحكومتان، احداهما مقربة من ائتلاف ميليشيات فجر ليبيا الذي يسيطر على العاصمة طرابلس، والاخرى معترف بها لدى المجتمع الدولي ومقرها في طبرق (شرق).
&
التعليقات