بينما أبدى مبعوث الأمم المتحدة إلى ليبيا تفاؤله بشأن لقاءات الحوار التي تجري في المغرب، كشف تقرير لجنة الخبراء التابعة للمنظمة الأممية أن الميليشيات الإسلامية، لاسيما أنصار الشريعة وفجر ليبيا، ترتكب أعمالًا إجرامية على نطاق واسع، ومنها الخطف مقابل الفدية، والسطو على المصارف والإتجار بالبشر والمخدرات، لتمويل عملياتها المسلحة.


صبري عبد الحفيظ من القاهرة: كشف تقرير لجنة الخبراء التابعة للأمم المتحدة عن الأوضاع في ليبيا، عن ارتكاب ميليشيات أنصار الشريعة وفجر ليبيا، التي تسيطر عليها جماعة الإخوان، أعمالاً إجرامية، مثل السلب والنهب وتجارة البشر والمخدرات، لتمويل العمليات المسلحة.

عنف بمقابل
وقال التقرير الأممي: "الجماعات المسلّحة تقوم بأنشطة إجرامية لتحقيق مكاسب شخصية في بعض الحالات. وتلقّى فريق الخبراء العديد من الادعاءات بأنَّ الميليشيات تشارك في عمليات اختطاف طلبًا للفدية". وذكر شهود أنَّ الفديات تراوحت بين 100 ألف دينار ليبي ومليون دينار، وتلقَّى الفريق سردًا تفصيليًا عن ضحية احتجزها وسام بن حامد، قائد مجلس شورى ثوار بنغازي، رهينة لمقايضتها بمبلغ كبير من المال.

تابع التقرير: "هناك ادعاءات مُقنعة مفادها أن الميليشيات كانت مسؤولة عن بعض حالات السطو المسلّح الكثيرة التي استهدفت المصارف وعمليات نقل الأموال. فعلى سبيل المثال، زعم مطّلعون من سكان سرت السابقين، أنَّ مجموعة من الكوماندوز، التابعة لجماعة أنصار الشريعة، هي التي نفّذت عملية السطو المسلّح المشينة، التي حدثت في تشرين الأول (أكتوبر) 2013، واستولت على 54 مليون دولار، كانت تُنقل من المصرف المركزي في مدينتهم. وشاعت سرقات المصارف عام 2014 أيضًا، ولا سيّما في طرابلس وضواحيها، وكذلك في سرت وسبها".

وأشار إلى أن "بيانات الحوادث المتعلّقة بالنزاع في ليبيا تظهر حدوث ست حالات على الأقل، سُرق فيها أكثر من مليون دينار ليبي (000 750 دولار). وفي كثير من الأحيان، كان المهاجمون مجهزين ببنادق هجومية وقنابل صاروخية".

رحلات الموت
كما اتهم التقرير الجماعات المسلحة بممارسة الاتجار في البشر والمخدرات، وقال: "أجرى الفريق مقابلات مع العديد من المهنيين العاملين في مسألة الهجرة غير المشروعة إلى أوروبا عبر البحر الأبيض المتوسط. وذكر هؤلاء أنَّ الشبكات العابرة للحدود الوطنية التي تنظّم الاتجار بالبشر لها عناصر داخل الجماعات المسلّحة التي تسيطر على الأراضي على طول طرق التهريب. وتؤمّن الجماعات المسلّحة طرق الوصول وتأمين تلك العمليات لقاء مبلغ من المال".

وأضاف: "العمل في مجال الاتجار بالبشر يدرّ إيرادات كبيرة، ويُفرض على المهاجرين، ومعظمهم من غرب أفريقيا والقرن الأفريقي، دفع مبالغ من المال للمتاجرين في مراحل مختلفة من رحلتهم".

ولفت إلى أن "مهاجرين استجوبوا في إيطاليا، قالوا إن الثمن الذي دفعوه في المرحلة الأخيرة من الرحلة وحدها، أي "العبور" بالقوارب، تراوح بين 800 دولار و2000 دولار، حسب حال البحر ونوع السفينة وميناء المغادرة و"درجة السفر". وإذا كان كل مهاجر يدفع ما متوسطه 1200 دولار، فهذا يعني أن الجزء الأخير من سلسلة التهريب قد درّ زهاء 170 مليون دولار في عام 2014. ويغادر معظم المهاجرين غير الشرعيين من الشواطئ الغربية لليبيا".

ونبه التقرير إلى أن "الجماعات المسلّحة تسيطر على معابر حدودية عدة ونقاط دخول مهمة، مما يتيح لها قبض نسب مئوية عن التجارة وعمليات التهريب الجارية، بما في ذلك المخدِّرات والأسلحة والسلع الأساسية والوقود".

سرقة نفط وبشر
ووفقًا للناشط الليبي أحمد القلعاوي، فإن هذه الجماعات تنتسب زورًا إلى الإسلام، مشيرًا إلى أن الليبيين يعانون من ارتكابها الكثير من الجرائم المروعة بحقهم. وأضاف لـ"إيلاف" أن هذه الجماعات لا تكتفي بسرقة النفط وبيعه بأبخس الأثمان لتمويل أفعالها الشيطانية، بل تخطف البشر، لاسيما من الأثرياء أو حتى الفقراء، مقابل الفدية، مشيرًا إلى أن البعض يتعرّض للقتل في النهاية، حتى بعد الحصول على الفدية. ولفت إلى أن هناك مصريين وأجانب تعرّضوا للخطف، معتبرًا أن السطو على المصارف أو التجارة في البشر عبر الهجرة غير الشرعية جرائم ترتكب يوميًا في ليبيا.

وشدد على أن الحل الوحيد من أجل القضاء على هذه الجماعات يكمن في تسليح الجيش الليبي ودعم إعادة بناء مؤسسات الدولة، لاسيما الجهاز الأمني. وفي السياق عينه، قال مبعوث الأمم المتحدة إلى ليبيا برنارد ليون، إن هناك تقدمًا في جلسات الحوار بين الأطراف الليبية المنعقدة في المغرب، مشيرًا إلى أن أطراف النزاع وقعوا على مسودة تتضمن تشكيل حكومة وحدة وطنية موقتة، وتم الإتفاق على برنامج عمل لهذه الحكومة. واتفقت الأطراف على استئناف الحوار يوم الأربعاء المقبل.

ووصف ليون جلسات الحوار بـ"البناءة والإيجابية". وأضاف في تصريحات له من المغرب: "كانت له أهمية رمزية كبيرة، لأنّه وللمرة الأولى يجتمعون معًا"، مشيرًا إلى أن "قيمة كبيرة للأمم المتحدة ولتطور هذا الحوار". وأضاف "الأمور إيجابية وبناءة، والمداخلات تتم بروح جيدة. ولكن علينا أن نستمر في العمل، لأننا نعالج قضايا صعبة ومعقّدة وهذا سيستغرق أيامًا عدة".

لحكومة عاجلة
وقال الدكتور محمد الهلالي، الخبير في الشؤون الليبية، لـ"إيلاف"، إن الأطراف الليبية عادت إلى قياداتها سواء المؤتمر الوطني الليبي في طرابلس أو مجلس النواب في طبرق للتشاور، لافتًا إلى أن الإتفاق على تشكيل حكومة وحدة وطنية يعد تقدمًا كبيرًا.

وأضاف أن الأطراف الليبية متفقة على ضرورة تشكيل هذه الحكومة لتقديم الخدمات الملحّة إلى الليبيين، ومنها تحسين الأوضاع الأمنية، وسحب الأسلحة من الميليشيات. ولفت إلى أن هناك خلافًا حول هل هذه الحكومة مستقلة أو أنها ستكون تحت رقابة مستقلة، وهل الرقابة ستكون من مجلس النواب أو المؤتمر الوطني، أو من خلال كليهما، مشيرًا إلى أن الخلاف الأكثر تعقيدًا سيكون حول صراع الشرعيات في ليبيا، ولاسيما بين المؤتمر الوطني الليبي المنتهية ولايته، والذي يسيطر على الأوضاع في طرابلس، ومجلس النواب الليبي المعترف به دوليًا في بنغازي. وتوقع أن يؤدي الخلاف حول هذه النقطة إلى تدهور شديد في الحوار، وربما انهياره. ونبّه إلى أن غالبية الأطراف الليبية لا تملك قرارها، وتعتمد على جهات خارجية لديها مصالح في ليبيا، ما يعرقل عملية الحوار والتصالح ولمّ الشمل الليبي.


&