يبدو اليسار الفرنسي الحاكم مقبلًا على تلقي صفعة قاسية في الانتخابات المحلية المقبلة، بسبب تراجعه الكبير، متأثرًا بسياسات الرئيس فرانسوا هولاند، كما يشهد الوسط تراجعًا، ما يفسح المجال أمام فوز اليمني المتطرف.
ليال بشارة من باريس: تشهد فرنسا في 22 و29 آذار (مارس) الجاري إنتخابات "المقاطعات" أو "الكانتونات" المحلية. وقد أجمعت غالبية إستطلاعات الرأي على فوز اليمين المتطرف، ممثلًا في حزب الجبهة الوطنية بنحو 30 بالمئة من أصوات الناخبين في الدورة الأولى، مستفيدًا من عزوف ناخبي اليسار واليمين عن المشاركة في الإستحقاق الإنتخابي.
تعبئة ناخبي اليسار
دق رئيس الوزراء الفرنسي مانويل فالس ناقوس الخطر، وأعرب عن خوفه من أن تنكسر فرنسا في ضوء فوز محتمل لليمين المتطرف في الإنتخابات المحلية. وفي محاولة لتعبئة ناخبي اليسار، حذر فالس من أن حزب الجبهة الوطنية قادر اليوم على الفوز بالإنتخابات الرئاسية المقبلة في 2017، "إذا ما أخذنا&في الإعتبار ما استطاع إنجازه في الإنتخابات التشريعية الأوروبية أخيرًا، إذ حصد 25 بالمئة من إجمالي الأصوات".
وقال النائب عن الحزب الإشتراكي جيرار بابت لـ"إيلاف": "التاريخ أظهر أن الإنتخابات المحلية لم تصبّ يومًا في مصلحة الحزب الحاكم، والإنتخابات المحلية المقبلة تأتي في سياق داخلي صعب تعيشه البلاد، على المستوى الإقتصادي والإجتماعي والأمني والمعنوي، وبالتالي أرى أن الحملة الإنتخابية التي يقودها الحزب الإشتراكي، خاصة رئيس الوزراء مانويل فالس، تقوم على تهويل الحالة، التي غدت عليها فرنسا اليوم، موجّهًا أسهمه باتجاه حزب الجبهة الوطنية اليميني المتطرف، الذي لا يمثل قيم الجمهورية، لكنه يمثل تهديدًا في ضوء النتائج التي يُمكن أن يحرزها في الإستحقاق المقبل".
يعزفون عن المشاركة
أضاف بابت: "إن ناخبي الحزب الإشتراكي ميّالون إلى العزوف عن المشاركة في الإستحقاق الإنتخابي، وبالتالي إذا استطعنا تحفيزهم، يمكننا إحتواء أو تقليص النسبة التي يُتوقع أن يحققها اليمين المتطرف، من هنا يُمكنُ قراءة تصريحات فالس عندما تحدث عن خوف يعتريه بالنسبة إلى مستقبل فرنسا في حال فوز الجبهة الوطنية، خصوصًا أن البعض اعتبر أن رئيس الوزراء الفرنسي يجب ألا يشعر بالخوف، فهو يُمثل عامل قوة ومصدر ثقة للمواطنين الفرنسيين".
وأشار بابت إلى أن أمين عام حزب الإتحاد من أجل حركة شعبية نيكولا ساركوزي يحاول الربط بين الحزب الإشتراكي واليمين المتطرف، ويذهب إلى حد القول إن التصويت لحزب الجبهة الوطنية تعزيز لموقع الحزب الإشتراكي في سعيه إلى تعبئة ناخبي اليمين.
اليمين الوسط يراقب
يعزف حزب اليمين التقليدي "الإتحاد من أجل حركة شعبية" على وتر اليسار الوسط واليمين المتطرف، ويطرح المعادلة الآتية: التصويت لليمين المتطرف في الدورة الأولى من الإنتخابات المحلية يعني المساهمة في فوز اليسار التقليدي في الدورة الثانية.
ساركوزي استبعد أي إتفاق مع اليمين المتطرف، وهدد بطرد أي عضو في الحزب إذا نسج تحالفات معه، ذاهبًا إلى حد اتهام مارين لوبين، زعيمة حزب الجبهة الوطنية، بالتواطؤ مع الحصيلة الكارثية للرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند، مؤكدًا أنه لا يُخفى على أحد اليوم أن الحزب الإشتراكي يستخدم اليمين المتطرف في حملته الإنتخابية. وأطلق النائب اليميني غيوم لارفيفيه تشبيهًا: "عندما تكون موظفًا في شركة كوكاكولا لا تقوم بالدعاية لشركة بيبسي"، غامزًا من قناة التصريحات المناهضة لليمين المتطرف التي انكب عليها قادة اليسار.
إنتقاص للديمقراطية
قالت جويل غاريو مايلام، عضو مجلس الشيوخ الفرنسي عن حزب الإتحاد من أجل حركة شعبية، لـ"إيلاف": "فرنسا مقبلة على انتخابات محلية لإختيار ممثلين للمقاطعات ولكن ليس معروفًا ما سيكون عليه دورُ نواب هذه المناطق، خصوصًا أن مشروع القانون الجديد الذي ينظم عمل المناطق والمدن لم يتم إقرارُه، ما يُعتبرُ إنتقاصًا للديمقراطية".
وكانت الجمعية الوطنية تبنت في قراءة أولى مشروع القانون الجديد، الذي يهدف إلى إدخال تعديلات على كيفية إدارة المقاطعات، عبر تحويل الكثير من صلاحيات المجالس المركزية للمناطق إلى الإدارات المحلية، على أن يتم عرضه في قراءة ثانية على مجلس الشيوخ قبل أن يدخل حيز التطبيق.
ووصفت ما يلام الحملة الدعائية التي يقودها الحزب الإشتراكي ضد اليمين المتطرف بغير البريئة. قالت: "نرى قادة الحزب الإشتراكي يعلنون عن مشاريع لن ترى النور إلا في 2017، فهل يُعتبر ذلك محض صدفة؟، شخصيًا لا أعتقد ذلك، وهذا يولد إنطباعًا بأننا أمام أساليب غوغائية، فيما يعاني المواطن الفرنسي متاعب إقتصادية جمة، ولا أعتقد أن الحزب الإشتراكي قادر اليوم على إقناع الفرنسيين أنه الأفضل، وفي المقابل أخشى أن يحصد اليمين المتطرف المركز الأول في هذه الإنتخابات، وآمل أن يفوز اليمين التقليدي".
احتواء مشاكل الفرنسيين
يطرح حزب الجبهة الوطنية اليميني المتطرف نفسه الوحيد القادر على احتواء مشاكل المواطن الفرنسي، كالبطالة وفقدان الأمن الذاتي، بعد هجمات باريس الإرهابية، وهو يتوعد بالقضاء على الثنائي التقليدي، أي الحزب الإشتراكي واليمين التقليدي.
لم يخفِ حزب الجبهة الوطنية أمله في جذب ناخبين جدد خابت آمالهم من سياسة الحزب الإشتراكي، التي لم ترق إلى الوعود التي تم قطعُها للناخب الفرنسي، في الإنتخابات الرئاسية أو التشريعية أو البلدية أو حتى الأوروبية، متعمدًا إحراج الحزب الإشتراكي الحاكم عبر اتهامه بأنه غدا حزبًا للأثرياء والمشاهير، متسائلًا: "لماذا لا يوجد أيُ عامل على لوائحه الإنتخابية في المقاطعات التي يُناهز عددُها 2054؟".
قال أرنو ستيفان، المستشار الإعلامي للنائبة ماريون ماريشال لوبين عن حزب الجبهة الوطنية، لـ "إيلاف": "حزب الجبهة الوطنية يأتي في المقدمة اليوم، إذا ما أخذنا&في الإعتبار الإنتخابات الأوروبية الأخيرة التي حصد فيها الحزب 25 بالمئة من إجمالي الأصوات، وثم يأتي الحزبان الإشتراكي والإتحاد من أجل حركة شعبية، ما يطرح اليوم مشكلة أساسية، فلسنا اليوم في وارد إجراء أي تحالفات أو تفاهمات مع كتل هذه الأحزاب، وهذا قد يفسر اللهجة العدائية التي يستخدمها قادة اليسار واليمين التقليدي".
الذعر ينتاب اليسار
أضاف ستيفان: "ما يدعو إلى الضحك أن فالس هو من يقود الحملة الدعائية للحزب الإشتراكي، وهو من يمثل الغالبية البرلمانية، وثمة خشية من نسبة الفوز التي قد يحققها حزب الجبهة الوطنية في إنتخابات المقاطعات، وفي الإنتخابات الرئاسية المرتقبة، وسط خوف اليسار من سيناريو مشابه لم حدث في 21 نيسان (أبريل) 2002، عندما تم إقصاء المرشح اليساري آنذاك ليونيل جوسبان لمصلحة مرشح اليمين المتطرف جان ماري لوبين من الدورة الأولى في السباق الرئاسي".
ولفت ستيفان إلى أن المواطن الفرنسي لم يعد يخشى من حزب الجبهة الوطنية، "فقد لمس بالوقائع أن لديها حقًا في طرح حلولها لآفة الهجرة غير الشرعية والأمن والتبعية لأوروبا"، كما فنّد بالوقائع أخطاء الحزبين اليميني واليساري التقليديين: "منذ سنوات، اتبعت الحكومات سياسة تقشف مالية في المكان غير المناسب، فقامت بتقليص عديد قوات الأمن والجيوش، هذا إضافة إلى محاولة تسييس عمل القضاء، ناهيك عن الأوضاع الإقتصادية التي تعانيها البلاد نتيجة القوانين الأوروبية المعمول بها اليوم، ومنها اليورو، ولا يُخفى على أحد وضع الإسلام اليوم في فرنسا، الذي يُعتبر بطريقة أو بأخرى نتيجة هذه السياسات الخاطئة، فهي ما أوجد العديد من الشبان الذين لا تلائمهم قيم الجمهورية فيبحثون عن هوية جديدة، وما يطرحه اليوم حزب الجبهة الوطنية هو العمل على جعل الشباب الفرنسي من أصول مهاجرة يتمسك بقيم الجمهورية".
إستفتاء لسياسة هولاند
حزب جبهة اليسار أو اليسار الراديكالي، الذي يتزعمه جان لوك ميلانشون، حمّل فالس مسؤولية الخطر، الذي باتت تشكله حزب الجبهة الوطنية اليميني المتشدد، رادًا إلى الأخطاء التي ارتكبها الحزب الإشتراكي، وأدت إلى تحطيم البيت اليساري الجامع، خصوصًا أن الجبهة الوطنية تستفيد من عزوف ناخبي اليسار عن المشاركة في الإنتخابات، وخروج حزب الخضر من التركيبة الوزارية الحالية.
حزب الإتحاد من أجل الديمقراطية أو اليمين الوسط، بزعامة فرانسوا بايرو، عزا قوة حزب الجبهة الوطنية إلى عدم قدرة الحكومات المتعاقبة على إدخال إصلاحات بنيوية، وعدم امتلاكها القوة لتحقيق ذلك، متوقعًا خسارة مدوية للحزب الإشتراكي.
ويبدو حزب الجبهة الوطنية متجهًا إلى تحقيق فوز جديد في الإنتخابات المحلية المرتقبة. لكن يبقى التساؤل عن نسبة الفوز التي قد يحققها من الدورة الأولى، والتي ستكون بلا شك مقياسًا للإنتخابات الرئاسية عام 2017.&
&
&
التعليقات