شهدت الكنائس العراقية في العاصمة بغداد وبقية المحافظات احتفالات مسيحيي البلاد اليوم بعيد الفصح أو القيامة، وسط اجراءات مشددة تحدوهم الآمال بإنتهاء عمليات استهدافهم وإخلاء البلاد من هذا المكون، فيما دعا رئيس البرلمان بابا الفاتيكان لزيارة العراق، بينما أملت الامم المتحدة انتهاء ما وصفته بالمعاناة الرهيبة لمسيحيي العراق.
لندن: ازدحمت الكنائس العراقية اليوم بالمحتفلين بعيد الفصح بمشاركة من رموز وشخصيات عراقية وتوجيه رسائل ودعوات بآمال بتحقيق السلام والمحبة والأمن بدل العنف، فيما اتخذت الاجهزة الأمنية اجراءات مشددة لحماية المحتفلين في الكنائس خوفاً من استهدافهم من قبل متطرفين ومنظمات إرهابية في مقدمتها "داعش"، الذي يواجههم بالقتل والتهجير وتدمير اثار حضارتهم من خلال سيطرته على مناطق شاسعة من العراق وخاصة في مدينة الموصل الشمالية التي يقطنها معظم مسيحيي العراق.&
دعوة بابا الفاتيكان لزيارة العراق
وقد اكد رئيس مجلس النواب سليم الجبوري أن المسيحيين العراقيين ليسوا مكوناً من مكونات العراق وحسب، بل هو شريك اساسي بإرساء قواعد حضارته، مشيرًا إلى أنّ المسيحيين يحتفلون اليوم بعيد الفصح بعيدًا عن بيوتهم ودور عبادتهم، فيما دعا بابا الفاتيكان فرانسيس الاول إلى زيارة دار النبي ابراهيم عليه السلام في اور.
وقال الجبوري في كلمة له خلال زيارته كنيسة مريم العذراء في بغداد اليوم بمناسبة عيد الفصح إن العراق بدون اهله من& جميع المكونات والقوميات ليس عراقاً، وأضاف "العراق الذي نعرفه هو الذي يصدح فيه صوت المؤذن متعانقًا مع اجراس الكنائس ويتلى في مساجده القرآن ليس بعيدًا عن تمتمات تراتيل القداس في اديرته". واكد: "هذا هو العراق الذي يجب ان ندافع عنه ونحافظ على وجوده وكيانه وتنوعه وتكامله نحافظ عليه ونحميه من الظلاميين ايًا كان فكرهم ووجهتهم وتحت أي تبرير".
وأشار الجبوري إلى أنّ العراق "كان اول من مهد للحضارة الانسانية وبزغ منه فجر البشرية المستنير بالعلم والمعرفة ودرج فيه اهل العلم والخبرة وافاض الله على ارضه انوار الوحي من عهد سيدنا المسيح عليه السلام إلى عهد سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وبقي مؤثرًا في فكر الاجيال على وجه البسيطة لقرون من الزمن".. وأوضح قائلا "لاجل ذلك كان العراق هدفًا لكل محاولات اعداء الحضارة عبر ممارسات بائسة لاطفاء جذوته المتقدة فكان ساحة صراع دائم تدور رحاه على ارضه، ويدفع ابناؤه ضريبة الدم لمعركة ليسوا طرفاً فيها ".
وشدد على أن "المسيحيين العراقيين على وجه الخصوص هم ليسوا مكونًا من مكونات العراق وحسب، بل هم شريك اساسي في ارساء قواعد حضارته وبناة اوائل لصرحه العتيد". وقال إن الوقت قد حان "لنقف جميعًا في خندق العراق ضد الشر القادم الينا من المجهول واللاعنوان.. وقفة تحفظ لنا وحدتنا وأمننا وسلامنا واستقرارنا الذي حاول الارهاب أن يفت في عضدنا ويكسر شوكتنا ويشتت جمعنا غير أنه فشل فشلاً ذريعاً وباء بالخسران".
وأضاف رئيس البرلمان العراقي قائلاً " إن الارهاب اندحر واحرق اوراقه الصفراء لائذاً باخر فرصة حمقاء له حين دمر الحرث والنسل في محافظاتنا المنكوبة واثبت لنا من جديد انه لا ينتمي إلى أي منا ولا يمثل احدا بأي شكل من الاشكال من خلال همجيته العمياء التي اظهرت حقيقته حين هدم المساجد والحسينيات والكنائس في لحظة غفلة منه، والذي جعلنا اكثر اصراراً على مواجهته والوقوف بوجهه".
العبادي يأمل بالأمن للمسيحيين
ومن جهته، قدم رئيس الوزراء حيدر العبادي "أحر التهاني والتبريكات لاخواننا ابناء الطائفة المسيحية في العراق والعالم بمناسبة الاحتفال بعيد القيامة". وقال في بيان صحافي اطلعت على نصه "إيلاف" الاحد "يسعدنا بأن نرى ابناء الطائفة المسيحية، وهم يحتفلون بهذا العيد، والذي يتزامن مع انتصارات ابناء العراق على عصابات داعش الارهابية ونعرب عن أمنياتنا بأن ترسم الفرحة على جميع مكونات وطوائف ابناء الشعب العراقي وهم ينعمون بالأمن والامان والاستقرار والازدهار في عراق واحد موحد".
كما تمنى الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة في العراق يان كوبيش "أن تعود في هذا اليوم المقدس الذي يشهد الاحتفال بقيامة اليسوع المسيح السلوى والسعادة إلى قلوب أفراد الطائفة المسيحية الذين واجهوا إلى جانب آخرين كثر في العراق أعمالاً بربرية ووحشية لا يمكن وصفها وشهدوا دماراً في مناطقهم جراء الهجوم الذي شنته جماعة داعش الإرهابية العام الماضي".
&وأعرب كوبيش في تصريح صحافي عن آمله" بأن تنتهي هذه المعاناة الرهيبة قريباً، وأن يتمكن جميع الذين أجبروا على الفرار من بلداتهم ومدنهم، حيث عاش أجدادهم على مدى قرون من العودة إليها والعيش في سلام ووئام مع عوائلهم وأصدقائهم وجيرانهم".
ظروف صعبة
ويأتي احتفال مسيحيي العراق بعيد الفصح وسط ظروف صعبة يستهدفهم فيها تنظيم الدولة الاسلامية "داعش" الذي سيطر على مناطقهم في شمال العراق وخاصة في محافظة نينوى وعاصمتها الموصل، الامر الذي دعا بطريرك بابل للكلدان في العراق والعالم لويس روفائيل الاول ساكو الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والجامعة العربية إلى العمل على تحرير مناطق سهل نينوى من مسلحي داعش وتأمين الحماية الدولية للمنطقة. وأضاف: "يؤلمني ان اقول ليفتح باب الهجرة لمن يشاء وما لم يتغيّر هذا الواقع فإننا جميعًا أمام وقوع مأساة ابادة بطيئة لمكون أصيل بكامله وخسارة بلداتنا وتاريخنا وارثنا الثقافي".
واكد أن نحو مائة ألف مسيحي كانوا ضحية ما وصفه بالزلزال البشري للهجمة الارهابية التي شهدتها مناطق بشمال العراق، موضحاً أن عشرات الآلاف من المسيحيين قد فروا من 13 بلدة في سهل نينوى وتبعثروا في مدن وقرى عديدة ويعيش الكثير منهم حاليًا في وضع تعيس في الاماكن العامة في مدن اقليم كردستان دون أن تظهر في الافق بوادر نجدة فاعلة.
وأضاف ساكو في نداء إلى المجتمع الدولي اواخر العام الماضي أن مسيحيي العراق هم الان امام ضخامة الحدث وخطورته "ونرى من مسؤوليتنا الروحية والانسانية، وإذ نلمس أن الجهد الأممي لإنقاذ هذه العائلات شبه غائب، أن نلفت انتباه الأسرة الدولية إلى عدم امكانية التعويل حالياً على الحكومة المركزية".
وأشار إلى أن المراقبين انتبهوا إلى نوع الحراك السياسي المتواضع منذ العدوان على الموصل قبل شهرين ونيف، وما يستغرقه من وقت مهدور والمخاض العسير في تشكيل الحكومة المركزية وحتى يشتد عودها تحتاج إلى وقت آخر لاستعادة هيبتها وفرض النظام والأمن على عموم البلد".
يذكر أنّ اعداد المسيحيين في العراق قد بدأت بالتناقص بعد عام 2003 بسبب الهجرة التي تلجأ اليها اعداد كبيرة منهم نتيجة الوضع الأمني، واستهدافهم المباشر من قبل جماعات مسلحة. ويقول ديوان الوقف المسيحي إن اكثر من نصف مليون مسيحي ترك العراق منذ عام 2003 وهذا الرقم يقترب من نصف عدد المسيحيين الذين كانوا يعيشون في العراق قبل ذلك العام.
وأشار إلى أنّ عدد المسيحيين في العراق حاليًا يتراوح ما بين 400 ألف و500 ألف في حين كان عددهم قبل سقوط نظام صدام بحدود مليون و200 ألف، حيث أن الاوضاع الأمنية واستهدافهم المباشر من قبل الميليشيات والجماعات المتطرفة دفعاهم إلى الهجرة بهذا العدد سواء إلى دول الجوار أو الولايات المتحدة وأوروبا.
التعليقات