مع غموض موقفها في مجلس الأمن حول مشروع القرار الذي تقدمت به حول اليمن وربطها بين رفع الحظر عن منظومة الصواريخ لإيران والتطورات العسكرية في اليمن، تصدر موسكو رسائل خطيرة مفاجئة عبر توقعات بزعزعة الأمن والاستقرار من خلال التحذير من صراعات طائفية وحروب طويلة الأمد.
نصر المجالي: في اجتماع مطول وغير مسبوق يوم الإثنين، أبدى مجلس الأمن القومي الروسي تخوفه من اتساع نطاق العمليات العسكرية في اليمن وتحولها إلى صراع حاد بين الدول العربية وإيران.
وتزامناً مع الاجتماع، خرج أمين مجلس الأمن القومي نيكولاي باتروشيف ليقدم تنبؤات وتحذيرات عن مواجهات بين السنة والشيعة في المنطقة لتصبح في ما بعد صراعاً صريحًا وأكثر وضوحاً بين الدول العربية وإيران، محذراً من أن تغيير موازين القوى الإقليمية قد يتسبب في نشوب حرب طويلة.
مشاركة عربية
ويأخذ باتروشيف على عاتقة التلويح بمشاركة دول عدة ومتزايدة ستشارك في هذا الصراع، من بينها البحرين وقطر والكويت والإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية ومصر والأردن والمغرب وباكستان والسودان.
ولا تخفي موسكو حرصها على مصالحها في الإقليم، الذي تشعل فيه عبر تصريحات قادتها أعواد الثقاب، فبعد مواقفها اللامتوازنة في العراق وسوريا، فإنها الآن توسع دائرة تدخلاتها وعينها على اليمن.
ففي تصريحاته لصحيفة (إزفيستيا) يوم الإثنين يقول باتروشيف: إن اليمن لديها موقع جغرافي مهم، ولديها حق الوصول إلى البحر الأحمر وخليج عدن، وتسيطر على مضيق باب المندب، حيث يمر من خلال هذا المضيق حوالي 20 ألف سفينة سنويًا، وهو واحد من أكثر الطرق الملاحية الأكثر ازدحامًا في العالم.
مصالح
ويربط أمين مجلس الأمن القومي الروسي بين مصالح بلاده وحرصها على دور شريك في النظام الاقتصادي العالمي من بوابة اليمن، بالقول: "بمحاذاة السواحل اليمنية هناك الطرق الرئيسية لنقل الإمدادات النفطية، لذا فإن السيطرة على اليمن تسمح بالهيمنة على التجارة والطرق العسكرية في المحيط الهندي".
وهو هنا يؤكد أن "الرغبة في تغيير التوازن القائم بين القوى (الإقليمية) في المنطقة يمكن أن تؤدي إلى حرب طويلة".
منظومة الصواريخ
ولوحظ أيضاً، أن وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف قال&إن أنظمة الدفاع الجوي هامة بالنسبة لإيران، خاصة في ظل الوضع في اليمن وأن روسيا لا تنظر إلى الجوانب التجارية من هذه الصفقة.
واضاف لافروف: "وفي الوقت نفسه، نظام الدفاع الجوي الحديث مهم الآن جدًا لإيران، وخاصة في ضوء التصعيد الحاد للتوتر في الفضاء المحيط لها، وخاصة& ما يتضح من التطور السريع، في الأسابيع الأخيرة، للنشاط العسكري في جميع أنحاء اليمن".
وإلى ذلك، لا ينسى دينامو الأمن القومي الروسي من التحذير من انعكاسات الصراع في اليمن في حال تصعيده على المفاوضات المتعلقة ببرنامج إيران النووي، التي يحتمل أن تتوج باتفاق مع نهاية يونيو (حزيران) المقبل، مؤكدًا أن روسيا ترى ضرورة مواصلة العمل لحل المشكلة النووية لصالح إيران.
حالة ثأرية
وإذ ذاك، فإن التحالف الروسي ـ الإيراني يتعدى التزامهما بالوقوف إلى جانب النظام السوري وقضايا سياسية متعلقة بتداعيات الأوضاع في دول الإقليم، إذ يبدو الأمر وكأنه حالة ثأرية من المملكة العربية السعودية ودول الخليج العربية، التي كانت رفضت خفض إنتاج النفط، مما أدى إلى هبوط حاد في أسعار النفط عالميًا في الأشهر الأخيرة.
ويشار إلى أن روسيا كانت اتهمت المملكة العربية السعودية بالتآمر على اقتصادها مع الولايات المتحدة، وذلك خلال حديث&للرئيس الروسي فلاديمير بوتين عن ذلك في أحد المؤتمرات الصحفية، حين انخفض سعر الروبل الروسي كثيرًا أمام الدولار الأميركي عالميًا، فيما دخل الاقتصاد الروسي المعتمد على النفط والغاز بالدرجة الأولى مرحلة الانكماش رسميًا، حسب تقديرات لمؤسسات اقتصادية دولية.
والاتهامات الروسية للسعودية حول انتاج النفط رافقتها اتهامات إيرانية، وهي سواء بسواء تصب في خانة المواقف المتباينة بين طهران والرياض وصراعهما حول ملفات شائكة وعديدة، من أبرزها ملفا سوريا واليمن.
إذ طوال الأزمة اليمنية ظلت إيران تدعم علانية جماعة الحوثيين، الذين أسقطوا الشرعية في العاصمة صنعاء ودمروا كل كيانات الدولة اليمنية، كما أنها استقبلت قيادات من الجماعة المتمردة ووقعت معها اتفاقيات اقتصادية وطيران وكأنها دولة معترف بها، ونسيت طهران أن حليفتها سلبت الشرعية القائمة.
كما لم تخفِ القيادات الدينية والعسكرية والسياسية على الدوام اغتباطها بما يقوم بتنفيذه الحوثيون في سائر أراضي اليمن من قتل وتخريب وتشتيت للناس ومقدرات الدولة وتحطيمها لبناء دولة حليفة بالكامل لإيران في خاصرة السعودية والخليج العربي والقرن الأفريقي.
بوتين واليمن
وفي العودة إلى الصراع في اليمن، فإنه لا بد من التذكير، بأن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لم يحاول ولو لمرة واحدة الاتصال بأي زعيم عربي حتى ممن تربطهم علاقات خاصة معه للتشاور حول التطورات اليمنية.
الإشارة الوحيدة من بوتين عن اليمن، جاءت خاطفة في رسالته للقمة العربية في شرم الشيخ حين نبّه الزعماء العرب إلى أنه "يجب تسوية النزاع في سوريا وليبيا واليمن وفق القانون الدولي"، معتبرًا أن "الوضع الأمني في العديد من الدول العربية يتعرض للخطر بسبب الإرهاب".
رد سعود الفيصل
موقف بوتين هذا، حدا بالأمير سعود الفيصل وزير الخارجية السعودي للتصدي له في آخر جلسة للقمة، حيث هاجم موقف روسيا من أزمات الشرق.
وكان الأمير قال في مداخلة، بعد الانتهاء من إلقاء نائب الأمين العام للجامعة العربية أحمد بن حلي لرسالة بوتين للقمة: "لي ملاحظة على الرسالة التي جاءت من الرئيس الروسي... هو يتكلم عن المشاكل التي تمر بالشرق الأوسط وكأن روسيا ليست مؤثرة على هذه المشاكل، وعلى سبيل المثال سوريا، هم يتكلمون عن مآسٍ تحدث في سوريا بينما هم جزء أساسي من المآسي التي تمس الشعب السوري".
وقال وزير الخارجية السعودي "إنهم يمنحون من الأسلحة الاستراتيجية إلى النظام السوري ما هو فوق حاجته ليفتك بشعبه"، وأضاف: "آمل... أن يصحح الرئيس الروسي خطابه ليعبر عن مدى اهتمام العالم العربي بأن تكون العلاقات مع روسيا على أفضل مستوى".
وعبر عن استغرابه إزاء إعلان موسكو عن ضرورة التوصل لحل سلمي للنزاع في سوريا في وقت لا تزال تسلح "النظام الذي فقد شرعيته"، مؤكدًا أن روسيا تساهم في إطالة أمد الحرب. وختم الأمير سعود الفيصل قائلاً: "بوتين تحدث عن المآسي في سوريا لكن روسيا لها دور في هذه المأساة، وعليه وقف إرسال السلاح للنظام السوري".
التعليقات