وجّه سقوط مدينة الرمادي مركز محافظة الانبار العراقية بيد تنظيم "داعش"، ضربة قاسية لاستراتيجية رئيس الوزراء حيدر العبادي الساعي الى بناء قوة مختلطة مذهبيا لمواجهة "الجهاديين" واستعادة مناطق سيطرتهم.


بغداد: عمل حيدر العبادي القائد العام للقوات المسلحة، بدعم من الولايات المتحدة، على جعل الانبار (غرب) التي يسيطر التنظيم على مساحات واسعة منها، مختبرا لتأسيس تشكيلات مقاتلة من ابناء العشائر السنية المناهضة له.

وكان من المقرر ان يقام الاثنين، احتفال في قاعدة الحبانية العسكرية شرق الرمادي، لتخريج 1180 مقاتلا، هم الدفعة الاولى من ابناء العشائر السنية في الانبار الذين انتسبوا رسميا الى قوات "الحشد الشعبي". الا ان الاحتفال ارجئ، وباتت القاعدة نقطة تجمع لقوات الحشد التي تستعد للمشاركة في معارك الانبار، غداة اعلان العبادي طلبه ذلك رسميا.

ولجأت الحكومة الى الحشد المؤلف بمعظمه من فصائل شيعية مسلحة، للقتال الى جانب القوات الامنية اثر انهيار العديد من قطعاتها في وجه الهجوم الكاسح للتنظيم في شمال العراق وغربه في حزيران/يونيو 2014. وتكرر مشهد انسحاب القوات الامنية من مراكزها الاحد في الرمادي.

ويقول استاذ العلوم السياسية في جامعة بغداد احسان الشمري لفرانس برس، ان سقوط الرمادي حصل بسبب "سوء تقدير من قبل القائد العام للقوات المسلحة".

ويضيف "لا يمكن وانت تخوض حربا مع جماعات متطرفة ان تحسب حسابات سياسية (...) الاهم الا تفقد الارض والّا يكون هناك تراجع".

وشكل سقوط الرمادي التراجع الاكبر للقوات الامنية منذ هجوم حزيران/يونيو. وباتت المدينة ثاني مركز محافظة بيد التنظيم، بعد الموصل (شمال) مركز نينوى، اولى المدن التي سقطت اثناء هجوم العام الماضي.

وحاول العبادي الذي تسلم منصبه في آب/اغسطس، تعديل الصورة النمطية عن الحشد بانه تشكيل شيعي، لا سيما وان العديد من فصائله تتهم من قبل السنة بالقيام بتجاوزات بحقهم ابان الحرب المذهبية بين 2006 و2008.

كما لاقى تنامي نفوذ الحشد انتقادات من واشنطن التي تقود منذ الصيف الماضي، تحالفا دوليا يشن ضربات جوية ضد التنظيم في سوريا والعراق.

وفي حين ان القائد العام للقوات المسلحة هو المشرف رسميا على الحشد، الا ان فصائله تأتمر بأوامر قياداتها، ومعظمها مدعوم مباشرة من طهران.

ويرى ايهم كامل، مدير دائرة الشرق الاوسط وشمال افريقيا في مجموعة "اوراسيا" البحثية، ان تأثير العبادي على مقاتلي الحشد محدود.

ويقول "اليوم هو التحدي الحقيقي الاول، ليس فقط على المستوى الامني، بل على المستوى السياسي ايضا، لسلطة العبادي".

وحمّلت مواقف فصائل اساسية، العبادي مباشرة مسؤولية سقوط الرمادي.

وقال المتحدث العسكري باسم "كتائب حزب الله" جعفر الحسيني "بعد فشل استراتيجية الحكومة، التي هي بالتأكيد استراتيجية اميركية، في الحفاظ على الرمادي (...) اصبحت الحاجة اساسية لان تكون فصائل المقاومة وايضا الحشد الشعبي متواجدة في الانبار لكي تحسم المعركة بنفسها".

اضاف "اصرار الحكومة على الانجرار وراء الرؤى الاميركية جعلنا اليوم ندخل لنحافظ على الانبار ولندافع عن اهالي الانبار".

وعكست مواقف "منظمة بدر" التي يتسلم جناحها السياسي مناصب حكومية عدة ابرزها وزارة الداخلية، موقفا مشابها.

وقال احد قيادييها معين الكاظمي انها ستشارك "في عمليات الانبار بعد ان صدر موقف رسمي من رئيس الوزراء، ولو كان متأخرا اكثر من شهر".

ويعتبر كامل ان العبادي سعى خلال الاشهر القليلة التي امضاها في منصبه، الى تحقيق اصلاحات امنية وخطوات تتطلب فترات طويلة، محاولا في الوقت نفسه الحفاظ على توازن بين واشنطن وطهران.

ويقول: "العبادي ارتكب اخطاء كبيرة... حصر نفسه في استراتيجية قصيرة المدى. وجد العراق نفسه عالقا من دون قوة قتالية فاعلة".

ويرى محللون ان دخول الفصائل الى الانبار، سيمنح ايران موطئ قدم في كبرى محافظات العراق، التي لها حدود مع سوريا والاردن والسعودية.

وحظيت الانبار بموقع مؤثر بالنسبة لواشنطن التي خاضت فيها معارك ضارية مع تنظيم القاعدة ابان احتلالها العراق بين العامين 2003 و2011.

وحاليا، يتواجد مئات المستشارين العسكريين الاميركيين في قواعد عسكرية عراقية في المحافظة، لتدريب القوات والعشائر على قتال الجهاديين.

وترى الفصائل الشيعية في تأمين الانبار، مفتاحا محوريا في تأمين العاصمة بغداد وحدود المحافظات الجنوبية ذات الغالبية الشيعية، ولا سيما كربلاء.

وعلى الضفة المناهضة للحكومة، تحظى الانبار بأهمية موازية.

ففي تسجيل صوتي نادر الاسبوع الماضي، قال عزة ابراهيم الدوري، ابرز الاركان المتوارين لنظام الرئيس الاسبق صدام حسين، ان ايران تسعى للتواجد في الانبار "لفتح جبهة مع المملكة العربية السعودية".

اما زعيم تنظيم الدولة الاسلامية ابو بكر البغدادي، فأسهب في تسجيل صوتي قبل ايام هو الاول له منذ ستة اشهر، في الحديث عن الانبار.

وقال ان مقاتليه "انتزعوا الانبار انتزاعا من أعين المرتدين وحلوق الروافض رغم انف اميركا وحلفائها".

ويرى الشمري ان قضية الرمادي قد تؤثر بشكل كبير على مستقبل العبادي.

ويقول "من المؤكد انه امام تحد كبير لاعادة هيكلية المنظومة الامنية (...) العودة الى الحشد الشعبي في كل الاحوال هو اعلان بعدم قدرة المنظومة الامنية على تحقيق منجز لوحدها من دون ايجاد قوات مساندة".

يضيف "ما حدث في الرمادي سيحدد مستقبل حكومة العبادي".