يقيّم خالد الشكراوي، رئيس معهد الدراسات الأفريقية في الرباط، في حوار مع "إيلاف"، زيارة العاهل المغربي إلى دول افريقية، ويؤكد أن توقيت الجولة مهم للغاية وأنّ الملك يؤسس لعلاقات جديدة واستراتيجية مع القارة الافريقية لا تقف عند الربح الآني.


أيمن بن التهامي من الرباط: حل العاهل المغربي الملك محمد السادس، الجمعة، في ليبروفيل، في زيارة عمل وصداقة لجمهورية الغابون، المحطة الرابعة والأخيرة ضمن جولة أفريقية قادته أيضا إلى كل من السينغال وغينيا بيساو والكوت ديفوار.

وفي قراءة للجولة الملكية التي رسخت للتعاون جنوب ـ جنوب، بالتوقيع على عشرات الاتفاقيات في مجالات مختلفة، قال خالد الشكراوي، رئيس معهد الدراسات الأفريقية في الرباط، إن "الرحلة الأخيرة لجلالة الملك تأتي كمرحلة متطورة للرحلات السابقة، وكتتمة لها أبعاد إجرائية لما حصل في السابق".

وأضاف: "نحن في إطار نموذج إنتاج، وليس فقط في إطار نموذج استهلاك أو نموذج تقسيمي ووظيفي للعلائق الاقتصادية".

وأضاف خالد الشكراوي، في حوار مع "إيلاف"، أنّ "الزيارة شمولية ومعطياتها وأهدافها شمولية. فليس هناك اهتمام واحد فقط بمسألة الربح، بل إن الاهتمام ينصب على مبدأ أساس هو أن (أفريقيا يجب أن تعتمد على مقوماتها الذاتية، وعلى كفاءاتها الذاتية، ولابد من الثقة في القارة الأفريقية وفي مؤهلاتها). لذلك، نلاحظ أن التوجه هو توجه اقتصادي نعم، في إطار شراكة (رابح/رابح). وهناك الآن تمرير للتجربة المغربية، كما هو الحال بالنسبة لنموذج (مارتشيكا) والسكن الاجتماعي، وغيرها من النماذج".

وفي ما يلي نصّ الحوار كاملا:

قراءتك للجولة الملكية في أفريقيا؟

الزيارة الملكية للبلدان الأربعة في أفريقيا تأتي في وقت مهم للغاية، خاصة مع ما تعيشه هذه القارة من عدة مشاكل أمنية واقتصادية وتعثّر تجارب ديمقراطية.

كما أنها تأتي في وقت تعيش فيه القارة نوعا من الانحسار الاقتصادي، خاصة في علاقتها مع الشريك الأساسي ألا وهو أوروبا، الذي يعيش أزمة خانقة، إلى جانب زيادة اهتمامه بالشرق الأوروبي والشرق الأوسط أكثر من القارة الأفريقية.

ماذا تمثل هذه الجولة بالنسبة للزيارات السابقة التي عرفت إطلاق مشاريع والتوقيع على عدد من اتفاقيات التعاون؟

الرحلة الأخيرة لجلالة الملك تأتي كمرحلة متطورة للرحلات السابقة، وكتتمة لها أبعاد إجرائية لما حصل في السابق، وذلك على مستويين.

المستوى الأول: هو المراقبة والدفع إلى الأمام عن طريق مجموعات الدفع الاقتصادي التي أنجزت في السينغال وفي الكوت ديفوار. وهي مسائل أساسية للتتبع والمحاسبة وللمراقبة وإلى غير ذلك.

أما المسألة الثانية فهي إشراك العمالة الأفريقية بشكل قوي، وإشراك المؤسسات الأفريقية الصديقة، خاصة على مستوى المناولة، وأيضا إشراك الرأسمال المحلي أو العمومي، وإن كان ذلك في بعض الأحيان عن طريق قروض من مصارف مغربية.

وفي هذا الإطار يأتي هذا النوع من التعاون بشكل جدّ متكامل (رابح ـ رابح)، الذي سوف تكون له عائدات إيجابية، سواء على السوق المغربية أو على السوق المحلية في السينغال والكوت ديفوار، وأيضا في البلدان الأخرى.

وهذا هو النموذج الأساسي بحيث إننا انطلاقا من الرحلات الأولى لجلالته إلى الآن، نحن في إطار نموذج إنتاج، وليس فقط في إطار نموذج استهلاك أو نموذج تقسيمي ووظيفي للعلائق الاقتصادية، بل هو نموذج شراكة وإنتاج بالأساس.

ما المكاسب السياسية للمغرب من هذه الزيارة؟

الزيارة شمولية ومعطياتها وأهدافها شمولية. أولا، ليس هناك اهتمام واحد فقط بمسألة الربح. فالاهتمام ينصب على مبدأ أساسي، قاله صاحب الجلالة في زيارته السابقة منذ سنة في الكوت ديفوار، في منتدى رجال الأعمال الإيفواريين والمغاربة، ألا و هو أن (أفريقيا يجب أن تعتمد على مقوماتها الذاتية، وعلى كفاءاتها الذاتية، ولابد من الثقة في القارة الأفريقية وفي مؤهلاتها).

لذلك، نلاحظ أن التوجه هو توجه اقتصادي نعم، في إطار شراكة (رابح/رابح). وهناك الآن تمرير للتجربة المغربية، كما هو الحال بالنسبة لنموذج "مارتشيكا" والسكن الاجتماعي، وغيرها من النماذج.

كما نلاحظ أيضا تمريرا للمعرفة والتقنية، وشراكة على مستوى قروض المصارف المغربية والرأس المال العمومي المحلي، وأيضا إسهام العمالة والمناولة المحلية في إنجاز المشاريع. وهذا مهم جدا. لهذا نحن لسنا في كم سأربح وكم ستربح، بل نحن في إطار رابح/ متعادل.

أما المسألة الثانية فهي القطاعات الأخرى. كالقطاع الديني مثلا. فترتيب المسألة الدينية أو تدبير الشأن الديني في البلدان التي فيها مجتمعات مسلمة سوف تستفيد من التجربة المغربية، لا يمكن أن يقيّم بمقدار الربح بحكم أن تدبير الشأن الديني له تبعات سياسية، وأيضا تبعات أمنية على إثر ما يحدث من اضطرابات في العالم.

مسألة أخرى هي العلائق الاجتماعية والثقافية في ما بين البلدان. فلما نتحدث مثلا عن التبادل الثقافي ومستوى التعليم العالي والتكوين، هذا منطق الربح فيه غائب على مستوى الرقمنة.

لكن على أمد متوسط وبعيد فمسألة الربح ستكون مهمة للغاية، خاصة على المستوى الاجتماعي وربما أيضا على المستوى الاقتصادي.

وكل هذا بإمكانه أن يؤهل علاقات سياسية متوازنة وتفاهمات سياسية متوازنة، وبالضرورة ربح سياسي ومزيد من الحضور في إطار التعاون البيني الأفريقي.

إذن، يفهم من هذا الكلام أن استراتيجية المغرب في أفريقيا مبنية على منطق ربحي لكنه ليس آنيا؟

هذا صحيح. فنحن يجب علينا الخروج من منطق الربح. منطق الربح نعم حاضر بالضرورة لأن لا أحد يريد أن يخسر في تعامله الاقتصادي. لكن ليس بالضرورة منطق الربح الآني الرقمي، يعني ماذا سأربح وماذا سأخسر؟

نحن في مستوى استشرافي ولسنا في مستويات استراتيجية. لأن المستويات الاستراتيجية محددة مدتها الزمنية في ثلاث أو خمس سنوات، في حين أن المستويات الاستشرافية، التي نحن عليها الآن، فهي ما فوق 30 أو 50 سنة.

المغرب يعمل على بناء أسس مؤسساتية للعلاقات. وفي هذا الإطار سنتجاوز العلاقات الشخصية والسياسية المرحلية، ببناء علاقات مؤسساتية مبنية على علائق اجتماعية واقتصادية وما إلى غير ذلك.

لأول مرة يزور الملك غينيا بيساو، فما هي خلفيات إدراج هذا البلد في أجندة جولته؟

الأهم حاليا بالنسبة للمغرب في علاقته مع غينيا بيساو هو استرجاع العلاقات القديمة التي كانت له مع هذا البلد.

ثانيا بناء مجالات للتبادل، على المستوى الفلاحي، وتمرير التجربة المغربية، واستثمارات المكتب الشريف للفوسفات.

كل هذه الأمور ينبغي أن ننظر إليها في بعد متوسط وبعد بعيد. وليس فقط على مستوى الأمد القريب والربح الضيق لأن ما يواجهنا هي عقبات خطيرة جدا، وتتمثل في التنمية المحلية والتنمية البشرية، وانعدام الأمن والاستقرار السياسي، وضرورة تأهيل التجارب الديمقراطية التي لا يمكن أن تأتي أكلها إن ظلت القطاعات الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية بعيدة ومتهالكة. لذلك، أعتقد أن هذه الشراكة مهمة للغاية لتأهيل جميع القطاعات لكي يربح الجميع.