يزور شيخ الأزهر أحمد الطيب بعض دول أوروبا لتوضيح صورة الإسلام والتأكيد على سماحته، وعلى أن جماعات الإرهاب تحاول تسييس الدين لتحقيق أهداف سياسية.
القاهرة: في محاولة منه لإحتواء الأزمات التي تسبّبها الجماعات الإرهابية في المنطقة العربية للدين الإسلامي، وسعيًا إلى تصحيح صورة الإسلام لدى الغرب، يجري الإمام الأكبر شيخ الأزهر أحمد الطيب جولات في عدد من الدول الأوروبية، بدأها ببريطانيا، والتقى في خلالها عددًا من السياسيين ووزراء الدولة البريطانيين، ضمن سلسلة اللقاءات التي أجراها الإمام في جولته الأوروبية.
تصدرت محاور اللقاء عدة أسئلة مهمة تمثلت في "لماذا يتم إلباس كل الصراعات لبوس الدين في ظل حرص المتصارعين على تبرير انخراطهم فى هذه الصراعات بأنها لخدمة الدين؟ وما التدابير العملية التي اتخذها صناع السياسات ورجال الدين المحبين للسلام من أجل توظيف الدين فى حل الصراعات وليس في إشعالها؟".
حروب سياسية بمبررات دينية
أكد الأمام الأكبر من جانبه على أن المشكلة ليست دينية، وإنما فى محاولات تسييس الدين، كما توجه بسؤال للحضور من الوزراء والسياسيين البريطانيين قائلًا: "هل تظنون الحروب في العالم العربي دينية؟ إنها حروب سياسية بحثت عن مبررات في تفسير النصوص الدينية تفسيرًا خاطئًا لخدمة الأغراض والأجندات السياسية"، مشيرًا إلى أن الأنبياء جميعًا جاؤوا لحل مشكلات البشر وهداية الناس.
ثم استطرد قائلًا: "هذا ما أريد أن أعرفه هل الدين مشكلة أو سوء فهم الدين هو المشكلة؟ هذا ما يعمل عليه الأزهر الشريف من أجل بيان الصورة الصحيحة للدين بعيدًا عن التعصب والغلو والإرهاب وهذا ما جئنا لأجله فى هذه الزيارة".
قال الأمام الأكبر إن رحلته إلى أوروبا وحضوره إلى بريطانيا ومشاركته كبير أساقفة كانتربري كانت لأجل إقرار السلام والتعايش السلمي واحترام الآخر، والتأكيد على أهمية الحوار بين أتباع الديانات، "فالأزهر الشريف من خلال دوره العالمي يعمل على مواجهة الإرهاب والتطرف والتشدد والغلو لبيان سماحة الإسلام واحترامه للناس بعيدًا عن معتقداتهم، والأزهر الشريف يحترم التعددية الدينية والمذهبية والفكرية، وهذا ما يعزز ويدعم التعايش السلمي بين الناس".
وشدد الطيب على أهمية التعاون المشترك بين الأزهر الشريف والكنيسة الإنغليكانية في بريطانيا وكافة المعنيين بالسلم والأمن المجتمعي في العالم.
احترام الاختلاف
قال الدكتور محيي الدين عفيفى، أمين عام مجمع البحوث الإسلامية، إن وزير الدولة لشؤون الخارجية تحدث في هذا اللقاء عن العلاقات المتميزة بين مصر وبريطانيا، وتحدث وزير الدولة للشؤون الداخلية والمسؤول عن إستراتيجية مكافحة التطرف عن إمكانية تعايش أصحاب الديانات المختلفة فى مجتمع واحد يحترم الاختلاف ويعمل على تكافؤ الفرص، كما ألمحت وزيرة الدولة للشؤون الخارجية السابقة في بريطانيا إلى أن من التحديات التى واجهتها أثناء عملها فى الحكومة اعتبار الكثير من الساسة أن الدين هو المشكلة فى حين أن معرفة حقيقة الدين تؤكد أنه مصدر حلول كثير من المشكلات، "لكن تبقى إشكالية عدم فهم الدين أو من يفهم الدين بشكل خاطئ، ويعتبر فهمه هو الدين". كما تحدث الحضور أيضًا عن مشاكل الاندماج.
وأضاف عفيفي، أحد أعضاء الوفد المرافق للإمام، أن الطيب التقى وفدًا كبيرًا من الشخصيات الدينية والسياسية والعامة التي جاءت من جميع أنحاء بريطانيا لبحث ومناقشة التحديات الراهنة التي يواجهها العالم بسبب الإرهاب.
وأشار إلى أن الإمام الأكبر أوضح للحضور والرأي العام البريطاني أن الأديان السماوية نزلت لسعادة الناس وتحقيق مصالحهم، وأن الإسلام أكد ما جاءت به الأديان التي جاء بها الرسل، "وأننا تعلمنا من القرآن أن النصارى هم أقرب مودة للمسلمين، كما أن التاريخ الإسلامي منذ بدايته أكد على ذلك من خلال العلاقات الوثيقة والتعايش السلمي الذي أكدته وثيقة المدينة التي أقرت بالحقوق والواجبات لجميع الناس من الموجودين آنذاك، والعلاقة الوثيقة بين المسلمين والمسيحيين في الهجرتين إلى الحبشة".
تعايش عمره 1400 عام
لفت عفيفي إلى أن الإمام الأكبر بيّن أيضًا أن الإسلام أباح للمسلم أن يتزوج بالمسيحية واليهودية ومعلوم تلك المودة والمحبة بين الزوجين ما يؤكد العلاقة التي ترسخ للتعايش والسلام بين أتباع الديانتين ومجالات التلاقي بينهما والمشاركات الإنسانية.
وكشف عفيفي أن الحضور أبدوا دهشتهم وإعجابهم بكلام الإمام الأكبر عن سماحة الإسلام ونظرته إلى الأديان وعن رؤية الإسلام للتعايش السلمي بين الناس. كما أكد الحضور أيضًا مدى الحاجة لإبراز تلك التعاليم بعيدًا عن الفكر المتشدد وفكر الجماعات التكفيرية التي شوهت صورة الإسلام. وأجمع الحضور على أهمية الحوار والتعاون المشترك بين الأزهر الشريف وجميع المؤسسات الدينية في بريطانيا.
وعقد شيخ الأزهر لقاءً مع عدد من طالبات المدارس البريطانية أثناء زيارته الأوروبية، حيث استمع إلى رؤاهن حول الإسلام والمسلمين، كما استمع إلى أسئلتهم.
وقال عفيفي إن مما طرحه أحد أعضاء الوفد البريطاني أثناء اللقاء تمثل في أسئلة دارت حول العلاقة بين المسلمين والمسيحيين في مصر، مشيرًا إلى أن الإمام الأكبر قال إن هذه العلاقة تاريخية ومتميزة منذ ما يزيد على 1400عام، وهناك تعايش سلمي وعلاقات متينة بين المسلمين والمسيحيين.
بيت العائلة المصرية
تابع عفيفي: "الإمام الأكبر قال إن الدولة تدعم توثيق العلاقات بين أبناء الوطن، ولدينا في الأزهر بيت العائلة المصرية من خلال تقاسم رئاسته بين شيخ الأزهر وقداسة البابا، كما هناك علاقات قوية ومتينة بين المصريين، حيث استشهد الإمام الأكبر برؤية المطران منير حنا رئيس الكنيسة الأسقفية والموجود في اللقاء في لندن والذي تحدث عن عمق العلاقات بين أبناء الوطن في ظل التحديات الراهنة مما يشهد بعظمة المصريين".
وأوضح أنه أثناء اللقاء أيضًا أكدت إحدى الطالبات البريطانيات للإمام الأكبر أهمية أن نأخذ معلوماتنا من رجال الدين وليس من وسائل الإعلام، حيث دارت مناقشات بين الإمام الأكبر ووفد المدارس البريطانية من المسلمين والمسيحيين.
وفي نهاية اللقاء وجّه الإمام الأكبر دعوة لهذا الوفد لزيارة مصر ومشاهدة الآثار المصرية ومشاهدة الأمن والاستقرار في مصر.
التعليقات