انقضى خميس الاحتجاجات الطفيفة، وما استعاد ميشال عون حقوق المسيحيين، التي صارت الشماعة التي يعلق عليها كل فشله السياسي. حتى أنه وجد نفسه في معركته هذه وحيدًا، بلا حليف... ولا عدو أيضًا.

بيروت: كان الخميس مفاجئًا في بعض بيروت. فمن حيث لا يدري الناس، رفع النائب "الجنرال" ميشال عون صوته مطالبًا بحقوق المسيحيين اللبنانيين، ودعا أنصاره كلهم للنزول إلى الشارع، فنزلوا... لكنهم لم يملأوا "زاروبًا" أمام السرايا الحكومية، التي حاولوا "الدخول إليها من كل المحاور والجبهات"، حتى ملّ الجيش اللبناني اللعب مع هؤلاء الشبان، فزجرهم أخيرًا، ليذهب كل منهم إلى منزله، من دون أن يدري لم تظاهر، ولِمَ شتم رئيس الحكومة تمام سلام، ولِمَ شتم "جيشه" بأن أسماه "عسكر تمام سلام". واللبنانيون أيضا، ما عرفوا سبب هذه "الفورة" في هذا اليوم بالذات، وحين جلسوا ينصتون لعون في مؤتمره الصحافي بعد "الهمروجة"، ازدادوا غرقًا في الابهام.

&لم نخن
&
كان الخميس مفاجئًا، بزجرين. زجر سلام وزير خارجيته، أو كما يطلق عليه الكثيرون وزير خارجية 8 آذار، جبران باسيل، وزجر الجيش مناوشين يشتمونه لأنهم يريدون صهر عون قائدًا للجيش. ليس هذا لغزًا، إنما هو يومٌ بيروتي مفاجئ ليس إلا. وفي اليوم التالي، اليوم، فوجئ أنصار "الجنرال" بأن الحليف النائب سليمان فرنجية، رئيس تيار المردة، يرد على اتهاماتهم له بالخيانة، لأنه قعد عن النزول معهم إلى الشارع لاستعادة حقوق المسيحيين، بالقول: "من يخون هو من يسلّفه الآخر شيئاً ولا يرد له الجميل، ونحن إلى جانب عون سياسيًا، وسنبقى أسياد موقفنا ومشروعنا واحد، أما ان نبلّغ القرار قبل 24 ساعة، فنحن لم نر أن التحرك مناسب بهذا الشكل".
&
وسأل فرنجية: "أي مسيحي في لبنان اليوم ليس مع حقوق المسيحيين؟ حلفاء عون المسيحيون والمسلمون مع حقوق المسيحيين، كما رئيس حزب القوات اللبنانية الدكتور سمير جعجع وحلفاؤه المسيحيون والمسلمون مع حقوق المسيحيين ايضًا، وقد تختلف المقاربة، ودفعنا ثمنًا باهظًا في رفض الفيدرالية فهل نحصّل حقوق المسيحيين من خلالها؟ الفدرالية تخلق مشاكل أكثر من الحلول، فهناك سلطة مركزية إلى جانب الفدرالية فما هي الضمانات بالحفاظ على مواقع المسيحيين؟".
&
ولأن عون هو من طرح الفيدرالية، قال: "إذا طُرحت الفدرالية فنحن نتمنى ان تكون زلّة لسان".
&
يريد دمًا
&
على المقلب الآخر، اعتبر عضو حزب المستقبل النائب السابق الدكتور مصطفى علوش أن باسيل كان يحاول استدراج سلام نحو هذا السجال في جلسة مجلس الوزراء ليتمكن من تخريبها، مضيفًا في حديث لموقع لبناني: "الرئيس سلام أراد وقف كل ذلك والذهاب الى البحث عمليا في آلية عمل الحكومة، وفي السابق جرى الذهاب بآلية توافقية موقتة على اعتبار أنه سيتم انتخاب رئيس للجمهورية بأسرع وقت، الّا أن سلام وقتها لم يكن يعلم بالنيات التي كانت متجهة الى التعطيل".
&
وأردف قائلًا: "تلك الآلية كانت لتخفيف الاحتقان، واليوم وجد سلام أنه في ظل الاستمرار بهذا الفراغ الرئاسي لا بد من العودة الى الآلية الدستورية لسير عمل الحكومة".
&
ورأى علوش أن الجيش قام بدوره في حماية مؤسسات الدولة، متهمًا عون بأنه يريد شهيدًا، "ويريد دمًا كشعار جديد ينطلق منه".
&
شدد علوش على أن ما انتهت به جلسة مجلس الوزراء أمس كان لاقتناع الرئيس سلام بأن التوافق في آلية عمل الحكومة بات يعطّل سير الملفات بدلًا من تسهيلها، وأنه آن الآوان للعودة الى الآلية الدستورية في ظل الغياب الطويل لرئيس الجمهورية.

رواية الجيش
&
من جانبها، اكدت قيادة الجيش اللبناني أنها لم تلجأ إلى القوة مع المحتجين، إلاّ بعد تعرض هؤلاء للعسكريين واستخدام الشدّة معهم ومحاولتهم اجتياز السياج خارج السرايا الحكومي. وجددت القيادة التزامها الكامل حماية حرية التعبير السلمي لجميع اللبنانيين، وعدم السماح بالتعرض للمؤسسات الدستورية والممتلكات العامة والخاصة.
&
وروت قيادة الجيش الآتي: "تزامناً مع انعقاد جلسة لمجلس الوزراء في السرايا الحكومي، وما رافقها من حركات احتجاج في محيط السرايا الحكومي في بيروت والطرقات المؤدّية إليه، اتخذت وحدات الجيش جميع الإجراءات والتدابير الأمنية الكفيلة بمنع دخول المحتجّين إلى مبنى السرايا خلال انعقاد الجلسة، والحفاظ على سلامة المتظاهرين أنفسهم، وقد قام بعض المحتجّين باجتياز السياج الذي وضعته وحدات الجيش في محيط السرايا، عبر التدافع واستخدام الشدّة مع قوى الجيش، ما أدّى إلى إصابة سبعة عسكريين بجروح مختلفة، تمّ نقلهم إلى المستشفى العسكري المركزي للمعالجة".
&
وكان الجيش أعلن سابقًا أن المؤسسة العسكرية لن تستدرج إلى أيّ مواجهة مع أي فريق كان، وهدفها حماية المؤسسات الدستورية والممتلكات العامة والخاصة، وسلامة المواطنين، وتأمين حرية التعبير في إطار القوانين والأنظمة المرعية الإجراء.
&
على الحافة
&
وهكذا، مضى الخميس، وأتى يوم الجمعة، فلا عادت "حقوق المسيحيين" التي طبل لها عون وزمر، وما وقف معه إلا حزب الله، وحتى ببيان إنشائي، لا يسمن ولا يغني من جوع. وما كان خاسرًا إلا الاقتصاد اللبناني، الذي يعاني جراء الاختراقات السياسية عالية النبرة، والتهويل بحرب هنا، وبمعركة هناك.
&
والخطر كان استجلاب كل مفردات الحرب الأهلية واستخدام الداعشية تهويلًا، إذ اتهم أنصار عون رئيس الحكومة بإهانتهم وإهانة المسيحيين، ووصفوه بتمام الداعشي.
&
لا شك في أن لبنان يقف على حافة جرف عميق، والسقوط لا يستدعي أكثر من نسمة هواء، خصوصًا مع استمرار نزيف حزب الله السوري، ورزوح البلد تحت عبء اللاجئين الثقيل.