رغم مشاركتها في الحكومة التي يقودها حزب نداء تونس العلماني، تجد حركة النهضة الإسلامية نفسها في مأزق، فوزارة الشؤون الدينية تقوم بعزل أئمة مقربين من الحركة في إطار استراتيجية أشمل لمكافحة الارهاب والتضييق على الخطاب المتشدّد.
مجدي الورفلي من تونس: بعد العملية الارهابية التي نفذها مسلح في محافظة سوسة الساحلية، والتي اودت بحياة 38 سائحا، قررت الحكومة التونسية اتخاذ اجراءات اكثر صرامة فيما يخص كل ما يتقاطع مع الارهاب من رياض قرآنية ومدارس دينية ومساجد خارجة عن سيطرة الدولة والائمة الذين يتبنون خطابات تتضمن "شرعنة للجهاد والتكفير".
وزارة الشؤون الدينية في تونس انطلقت بعد اعطائها الضوء الاخضر من رئيس الحكومة الحبيب الصيد في غلق المساجد، وبلغ عددها الى الساعة 56 مسجدا وقع اغلاقها، وعزلت الوزارة عشرات الائمة ممن رأى فيهم عثمان بطيخ وزير الشؤون الدينية مخالفين لقوانين الخطط المسجدية والحياد عن الخطاب الوسطي المعتدل.
اغلب هؤلاء الائمة الذين شملتهم سلسلة العزل مقربون من حركة النهضة، احد مكونات الرباعي الحاكم في تونس، من بينهم وزير الشؤون الدينية السابق نور الدين الخادمي، بسبب سماحه لقناة الجزيرة بتصوير صلاة الجمعة دون العودة لسلطة الاشراف (وزارة الشؤون الدينية) اضافة الى الامام البشير بن حسن، مما اثار غضب حركة النهضة التي اعتبرت ان وزير الشؤون الدينية يقوم بـ"حملة تصفية ايديولوجية ضدها".
النهضة ترد الفعل تدريجيا
في البداية، تجنبت النهضة اصدار موقف رسمي، لكن شن قياداتها هجوم تصريحات عنيفة ضد وزير الشؤون الدينية بعد عزل وزير الشؤون الدينية في فترة حكم النهضة بعد انتخابات 23 اكتوبر 2011، نور الدين الخادمي، واتهموا الوزير الحالي عثمان بطيخ بـ"استهداف ايمة مشهود لهم بالاعتدال" كما لم ينسوا التذكير بانه "عمل مع نظام بن علي وساير سياساته الدينية".
رغم تلك الهجمات واصل وزير الشؤون الدينية حملة العزل مما اثار حفيظة حركة النهضة اكثر ووضعها في وضع محرج مع قواعدها المستهجنة لسياسة الحركة منذ دخولها في حكومة واحدة مع حزب "نداء تونس".
التصفيات الإيديولوجية
لم تجد النهضة بعد مواصلة وزير الشؤون الدينية عزل ايمة مقربين منها مخرجا سوى اصدار بيان تناول الوضع في البلاد، وخصت خصمها الذي ترى فيه خطرا على تواجدها في الفضاء الديني، بفقرات حادة وقّع عليها رئيسها راشد الغنوشي وقالت فيه "على المستوى الديني تعطي قرارات الطرد التعسفي التي انفرد بها السيد وزير الشؤون الدينية والتي استهدفت عشرات الائمة من الذين عرفوا باعتدالهم انطباعا أن الأمر يؤشر إلى عودة التصفيات الإيديولوجية في تعارض تام مع مصلحة البلاد وما تقتضيه من وحدة وتجميع للصفوف خاصة على المستوى الديني الذي يعتبر عنوان الصراع الرئيسي مع الإرهاب الذي يهدد بلادنا"
وتابع ذات البيان "تعبّر الحركة عن رفضها لسياسة الانتقام والطرد العشوائي التي ينتهجها السيد وزير الشؤون الدينية وتلفت نظره إلى أن هذه السياسة إذا تواصلت ستتحول أداة الاستقطاب الرئيسية للإرهاب ومغذيا لآلة الدعاية الإرهابية التي تعتمد على إقناع الشباب أنهم في مواجهة دولة معادية للإسلام والدين كما تتسبب هذه السياسة الموروثة عن الديكتاتورية في توتير الأجواء في أماكن العبادة وزرع العداوة بين المواطنين".
فقط تطبيق للقانون
المكلفة بالاعلام في وزارة الشؤون الدينية نجاة الهمامي اكدت في تصريح لـ"ايلاف" ان الوزير والوزارة لا تستهدف اي طرف، إنما فقط تقوم بتطبيق القانون وانهاء تكليف بعض الأئمة كان بناء على وقائع ثابتة ومخالفة المعنيين بالأمر لضوابط الخطة المسجدية الواردة في الالتزام الذي أمضوا عليه عند ترشحهم لتولي الإمامة عكس ما يروجّ له البعض من أنّهم من أئمة الاعتدال.
واشارت الهمامي إلى أنّ الوزارة في انتقاء الأئمة الخطباء، تعتمد مبدأ الحياد والاعتدال بهدف الحفاظ على المرجعية الدينية للبلاد من كلّ فكر دخيل وحماية المجتمع من كل ما من شأنه أن يهدد وحدته ولا تستهدف اي ائمة بعينهم.
يبدو ان حركة النهضة لن تقف عند حد اصدار بيان تهاجم فيه وزير الشؤون الدينية وتتهمه بتصفية ايديولوجية وهي التي تمثل سندا سياسيا لحكومة الحبيب الصيد، وعن امكانية ضغطها من داخل الحكومة لجعل غريمها الديني يتراجع عن عزل أئمتها المقربين اكتفى نائب رئيس حركة النهضة عبد الحميد الجلاصي بالتاكيد لـ"ايلاف" على ان النهضة "ستستعمل كل المنابر للدفاع عن قضية تشغل الرأي العام".
وتجدر الاشارة الى انه وقع عزل رضا الجوادي منذ ايام، وهو امام مقرب من النهضة وعرف بمساندته لحكومة الترويكا بزعامة الاسلاميين بعد ثورة 14 يناير 2011، كما عُرف عنه التهجم على معارضي الاسلاميين.
ولكن الحكومة تراجعت جزئيا عن تنفيذ قرار العزل واكدت المكلفة بالاعلام في وزارة الشؤون الدينية نجاة الهمامي لـ"ايلاف" ان القرار مازال قائما فقط التنفيذ اُجّل بسبب تقديرات محافظ المنطقة التي يتواجد بها المسجد الذي يؤم فيه الجوادي، وهو ما اكدته رئاسة الحكومة كذلك.
وتتهم عديد الجهات في تونس، من احزاب ومنظمات هؤلاء الائمة بتحريض الشباب التونسي بالالتحاق بسوريا للقتال الى جانب الجماعات "الجهادية" وتسهيل سفرهم كما تعتبر انه كان لهم دور كبير في نشر الخطاب التكفيري في تونس منذ سقوط نظام بن علي في يناير 2011 واستلام النهضة الحكم بعد اول انتخابات تشريعية جرت في 23 اكتوبر/ تشرين الأول من نفس السنة.
&
التعليقات