لا يتفاؤل الخبراء المصريون في أن تتوصل المفاوضات السداسية بشأن سد النهضة الذي تبنيه أثيوبيا على نهر النيل، لكن التطورات العسكرية مستبعدة.

القاهرة: مع حلول عام 2016، تدخل مصر مرحلة جديدة ومعقدة من مفاوضاتها مع إثيوبيا حول سد النهضة، ولا سيما في ظل بدء مرور المياه أسفل منه، واستمرار أديس أبابا في البناء، وتجاهل ملاحظات مصر التي تتوجس قلقًا من أن يؤثر السد سلبًا في حصتها من مياه نهر النيل، والمقدر بـ 55 مليار متر مكعب.

ويتوقع الخبراء استمرار أزمة سد النهضة في التعقيد، وإمكان لجوء مصر إلى "تدويل" القضية، مستبعدين اللجوء إلى خيار المواجهة العسكرية.

كشفت الجولة الأخيرة من المفاوضات السداسية بين مصر وإثيوبيا والسودان حول سد النهضة عن هوة عميقة بين الطرفين المصري والإثيوبي، في ظل إصرار أديس أبابا على الإستمرار في البناء الذي ارتفع لأكثر من 50 في المئة، وتجاهل الملاحظات والقلق المصري، بينما تصر القاهرة على وقف البناء حتى يتم الإنتهاء من الدراسات الفنية للسد. وفي الوقت الذي تصر فيه إثيوبيا على تخزين المياه حاليًا لتجريب السد، ترفض مصر هذا الأمر.

تحركات مختلفة

التعنت الإثيوبي والإستمرار في البناء وتجاهل الاعتراضات المصرية وتعثر المفاوضات معطيات تفرض تحركات مختلفة في أزمة سد النهضة، بحسب ما قال وزير الري الأسبق الدكتور نصر علام لـ"إيلاف"، مضيفًا أن عام 2016 سيشهد تحركات مختلفة من قبل الجانب المصرى للوصول إلى حل مشكلة لسد النهضة.

وتوقع علام: "ستكون هناك إدارة مختلفة لملف سد النهضة ستنتقل من طابع الود إلى الخوف على مستقبل مصر المائي". ولفت إلى أن عام 2016 سيشهد تصعيدًا مصريًا غاضبًا لعدم رضاه على مسار المباحثات التي تعرقلها إثيوبيا، منوهًا بأن القيادة السياسية تنبأت بما يحدث حاليًا من استهلاك للوقت وارتكاب الأخطاء.

ويرى أن في العام القادم سيكون هناك حرص مصري شديد على عدم تضييع الوقت، "فالمفاوضات ستستمر، وأذا أحسنت أثيوبيا التصرف ستستمر المفاوضات أما إذا أساءت ستلجأ مصر إلى أساليب أخرى".
وعن إحتمال لجوء مصر في عام 2016 إلى الخيار العسكرى لحل أزمة سد النهضة، أوضح علام أن اللجوء إلى الخيار العسكرى موقف ضعف، فمصر تملك العديد من الآليات للحفاظ على حقوقها.

ونبه علام إلى أن مصر تلتزم بفض النزاع سلميًا، وهذا ما نص علية مثياق الأمم المتحدة. وتابع: "حتى الآن لم نلجأ إلى أي وسيلة منصوص عليها فى مثياق الأمم المتحدة والتى تلتزمها الدول المتحضرة. وعن اندلاع اضطرابات في إثيوبيا وتأثيرها على سد النهضة، أوضح وزير الرى الأسبق أن هذا شأن داخلى خاص، ومصر تراقب الأحداث من منطلق حرص مصر على أثيوبيا كدولة شقيقة، وأيضًا من منطلق حرص مصر على مصالحها القومية، ولكل حادث حديث. حسب تعبيره.

تفاؤل بالحل عبر المفاوضات

قال السفير جمال بيومي، مساعد وزير الخارجية الأسبق، أن علاقة مصر بأثيوبيا جيدة، وأعرب عن تفاؤله بحل "مشكلة السد سلميًا قريبًا من دون أن يؤثر ذلك في حصة مصر المائية".

أضاف لـ"إيلاف": "هناك امكان للجوء إلى تدويل القضية في حال فشل المفاوضات السداسية بين وزراء الخارجية والمياه في مصر والسودان وإثيوبيا، والحديث عن اللجوء إلى خيار المواجهة العسكرية أو دعم المعارضة الإثيوبية غير مطروح أبدًا".

ولفت إلى أن بيان وزارة الخارجية حول الإضطرابات التي شهدتها إثيوبيا مؤخرًا جاء في منتهى التعقل، "ويؤكد أننا نطمئن أثيوبيا إلى أن مصر لن تكون طرفًا في ما يحدث داخليًا، وشماتة بعض وسائل الإعلام في أثيوبيا خطأ كبير، ومن مصلحة مصر أن يكون في اثيوبيا حكومة مستقرة وهادئة حتى لو اتفقت معنا حول مشكلة السد، فلا نواجه حكومة أخرى وتتراجع عن الاتفاق".

ولن يشهد العام 2016 توصل الطرفين المصري والإثيوبي لحل لأزمة سد النهضة، وقالت السفيرة منى عمر، مساعد وزير الخارجية للشؤون الافريقية الأسبق، إنها لا تتوقع أن يكون هناك حلًا سريعًا لمشكلة سد النهضة، مشيرًا إلى أن نظرة التشاؤم مبعثها "صعوبة المفاوضات ما سيجعلها تستغرق بعض الوقت".

وأضافت لـ"إيلاف" أن الفترة القادمة ستكشف هل ستستمر مصر فى المفاوضات؟ وهل سيتم تشكيل لجنة ثلاثية جديدة؟ وهل ستلتزم اثيوبيا باتفاق المباديء وتوقف عملية الإنشاء لحين الانتهاء من الدراسات؟ موضحة أن القاهرة وأديس أبابا لو اتفقتا على هذه النقاط سيؤدى إلى حدوث انفراجة كبيرة فى ملف سد النهضة خلال العام الجديد.

حياة أو موت

وفقًا للخبير في الشؤون الإفريقية الدكتور هاني رسلان، كل المؤشرات تؤكد عدم وجود أي انفراج حقيقي فى الفترة القادمة أو إمكان التوصل إلى تفاهمات في عام 2016. وقال رسلان لـ"إيلاف": "أتوقع عدم حدوث تحسن فى ملف سد النهضة، فالأزمة تزداد تعقيدًا باستمرار، ولاسيما مع إصرار إثيوبيا على تجاهل الملاحظات المصرية والإستمرار في عمليات تشييد السد، وفي نفس الوقت المفاوضات والمحادثات تدور فى حلقة مفرغة".

وتوقع رسلان أن يشهد العام الجديد تصعيدًا مصريًا ولجوئها إلى التحكيم الدولي، موضحًا أن السبب في عدم القيام بهذه الخطوة حتى الآن يرجع إلى أن التحكيم الدولي يحتاج إلى موافقة الطرفين.

وحول إستغلال وسائل الإعلام المصرية التظاهرات المعارضة للحكومة في إثيوبيا للهجوم عليها، قال رسلان: "هذا ليس في صالح مصر، فالمنطقة التي تجري فيها التظاهرات بعيدة عن السد، ومن الممكن أن يكون لها تأثير لو اتسع نطاقها وأصبحت تؤثر على استقرار السلطة السياسية الموجودة فى أديس أبابا".

ويتزايد القلق لدى المصريين على المستويين الرسمي والشعبي جراء استمرار إثيوبيا في بناء السد، وتعثر المفاوضات في الوقت نفسه، غير أن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي طمأن الشعب، وقال إن المياه حياة أو موت، وذلك في كلمته خلال تدشين المرحلة الأولى من مشروع المليون ونصف فدان في منطقة الفرافرة بالوادي الجديد: "نحن نتفهم أن إثيوبيا تريد أن تعيش، ونريد أن نعيش ونتفاوض مع إثيوبيا لتحقيق المصلحة المشتركة".

وأعرب عن تفاؤله بالوضع الحالي، وقال: "المصريون قلقون بخصوص سد النهضة، فالأمور تسير بشكل جيد، وأنا مضيعتكوش قبل كده عشان أضيعكوا تاني".