يسعى الرئيس السوري بشار الاسد الى استعادة السيطرة على حلب، ثاني مدن البلاد، بأي ثمن، في خطوة من شأنها أن توجه ضربة موجعة للفصائل المعارضة، وتعيد تموضع نظامه على الساحة الدولية تزامناً مع تغيير محتمل في الدبلوماسية الاميركية.

حلب: تشن قوات النظام منذ أشهر هجمات متتالية على شرق حلب في محاولة لاستعادة الاحياء الشرقية التي تسيطر عليها الفصائل المعارضة في مدينة حلب منذ صيف العام 2012. وتمكنت في الهجوم الاخير الذي بدأ منتصف الشهر الحالي من التقدم وسيطرت في اليومين الاخيرين على ثلث الاحياء الشرقية، انطلاقًا من مساكن هنانو، اكبر هذه الاحياء واول منطقة سيطرت عليها الفصائل.

ويقول الاستاذ الجامعي المتخصص في الشؤون الجيوسياسية في الشرق الاوسط ماثيو غيدار، لوكالة فرانس برس، إن سيطرة النظام على حلب تشكل "احد اكبر انتصاراته، باعتبار انها من بين اولى المدن التي تمكنت المعارضة المسلحة من السيطرة عليها".

ويضيف الاستاذ في جامعة باريس-8 أن مدينة حلب "لها منزلة استثنائية تاريخية وسياسية وجيوسياسية".

ومنذ العام 2012، تشهد حلب التي كانت تعد العاصمة الاقتصادية للبلاد، معارك مستمرة بين قوات النظام التي تسيطر على الاحياء الغربية حيث يعيش 1,2 مليون شخص، والفصائل التي تسيطر على الاحياء الشرقية، حيث كان يعيش حتى الايام الاخيرة اكثر من 250 الف شخص، نزح الآلاف منهم.

نقطة تحول

ويرى الخبير في الشؤون السورية في معهد واشنطن للابحاث فابريس بالانش أن استعادة حلب "ستشكل نقطة تحول" في مسار الحرب في سوريا، اذ ستسمح للنظام "بالسيطرة على دمشق وحمص وحماة (وسط) واللاذقية (غرب) وحلب، أي المدن الخمس الكبرى".

وقد تفتح السيطرة على مدينة حلب الطريق امام قوات النظام لاستعادة محافظة ادلب (شمال غرب) التي يسيطر عليها وبشكل شبه كامل، ائتلاف فصائل اسلامية في مقدمها جبهة فتح الشام (جبهة النصرة سابقًا قبل فك ارتباطها مع تنظيم القاعدة).

ويقول مدير مركز دمشق للدراسات الاستراتيجية بسام ابو عبدالله إن "سيطرة الجيش بشكل كامل على شرق حلب ستقلب ميزان الصراع في سوريا"، موضحاً أن "الهدف ايصال الجماعات المسلحة الى نموذج مشابه لحمص"، في اشارة الى اجلاء مقاتلي الفصائل من حمص القديمة في العام 2014 بعد عامين من الحصار المحكم من قوات النظام.

ويرى أن "الخيارات المتبقية امام الجماعات المسلحة هي التسوية او الترحيل الى مناطق أخرى".

وتعاني الاحياء الشرقية منذ 17 يوليو من حصار مطبق من قوات النظام، ما اعاق دخول قوافل المساعدات الانسانية وتسبب بنقص كبير في المواد الغذائية. وتزامن ذلك مع تعرض معظم المستشفيات لغارات اعتبرت دول غربية أنها ترقى الى "جرائم حرب".

ويرى كثيرون أن الحصار يهدف الى دفع السكان المدنيين الى الانقلاب على فصائل المعارضة بفعل البؤس والمعاناة من الجوع. لكن تحت وطأة القصف خصوصا والخوف من المعارك، غادر آلاف السكان في نهاية الاسبوع شرق حلب الى المناطق الحكومية، في اول حركة نزوح من نوعها منذ 2012.

موقع قوة

وستضع السيطرة على حلب النظام في موقع قوة ليشق طريقه نحو الانتصار في الحرب التي تشهدها سوريا منذ 2011، والتي اوقعت اكثر من 300 الف قتيل وتسببت بنزوح ملايين الاشخاص.

وسيقتصر وجود فصائل المعارضة الى جانب ادلب، على بعض المناطق في درعا (جنوب) التي كانت مهد الانتفاضة الشعبية ضد النظام السوري، وفي ريف دمشق حيث تراجعت الفصائل ايضًا مع خسارة معقليها داريا ومعضمية الشام.

ويضيف غيدار "لن يشكل ذلك نهاية تلك المجموعات، لكن هزيمة في حلب ستعني انها لم تعد قادرة على ابقاء السكان في مناطق سيطرتها وحمايتهم".

اما بالانش فيقول إن خسارة حلب ستعني ان "المعارضة غير قادرة على تحقيق نجاح كبير على الصعيد العسكري" وان تطرح نفسها "كبديل" عن دمشق. ويضيف "حلب كانت تشكل الامل الاخير للتمكن من اقامة منطقة قابلة للاستمرار" بالنسبة لفصائل المعارضة، لكن في حال أصبحت بيد النظام، "فإن هذا الحلم سيتبدد".

وفي حال استعاد النظام حلب، سيكون النظام السوري امسك بمفاتيح مفاوضات السلام المحتملة بعد فشل ثلاث جولات حوار هذه السنة باشراف الامم المتحدة. ويقول غيدار "النظام سيكون في موقع قوة، ولن يكون لديه ميل كبير للرغبة في التفاوض".

ويشكل وصول دونالد ترامب الى البيت الابيض في يناير المقبل تغييرًا محتملاً في الدبلوماسية الاميركية، يمكن ايضا ان يبدل المعطيات.

ويقول بالانش "نعلم ان لا رغبة كبرى لدى ترامب في التدخل في سوريا. واذا سقطت حلب، فلن يكون هناك داع بعد ذلك لدعم المعارضة السورية".

وكان ترامب توقع خلال مناظرة قبل الانتخابات الرئاسية في اكتوبر سقوط حلب، قائلاً "اعتقد انه في الجوهر، سقطت حلب اساسًا".