تقول الحكومة الجزائرية إنها نجحت حتى الان في تحصين مساجد البلاد ضد الافكار المتطرفة التي عصفت بالبلاد في تسعينات القرن الماضي.


الجزائر: تسعى الحكومة الجزائرية إلى أن تلعب المساجد دورا بارزا في التصدي للفكر المتطرف وعدم العودة لفترة التسعينات، حينما استغلت بيوت الله من قبل متشددين لأغراض سياسية، مؤكدة أن هذه المؤسسات المجتمعية صارت قادرة اليوم على التصدي للأفكار المتطرفة.

وزير الشؤون الدينية والأوقاف محمد عيسى قال هذا الاسبوع إن المساجد "أصبحت قلعة وحصنا منيعا أمام أولئك الذين ينشرون الأفكار المتطرفة والمنحرفة بغية التفرقة بين أبناء الوطن الواحد".

وشدد الوزير على أهمية "دور المسجد في تعزيز الوحدة الوطنية وتكريس الوفاء لرسالة الشهداء".

وجاء تصريح الوزير خلال تدشينه لمسجد "الشهداء" ببلدية سيدي موسى (جنوب العاصمة الجزائر) التي عاشت أياما عصيبة خلال فترة التسعينات، فقد ارتكبت الجماعات المتطرفة هناك مجازر بشعة قتلت فيها عائلات بأكملها خاصة بمنطقتي الرايس وبن طلحة، كما جاء هذا التدشين تزامنا مع إحياء& الجزائر ذكرى "اليوم الوطني للشهيد".

ذكر عيسى أن أول ما قامت به الإدارة الاستعمارية الفرنسية عندما وطئت أقدامها أرض الجزائر هو مصادرة كل الأوقاف "بغية قطع التمويل عن المساجد التي هي بمثابة روح الشعب وكيانه وشخصيته وهويته".

وتتبع الجزائر المذهب المالكي السني المنتشر عبر جميع الولايات، رغم وجود المذهب الإباضي وبعض الطرق الصوفية في مناطق من البلاد.

من جهته، يؤكد رئيس المجلس الوطني المستقل لأئمة المساجد جمال غول أن مساجد الجزائر محصنة أمام الأفكار المتطرفة والتكفيرية، ولن تستغل منابرها من جديد من قبل المتشددين كما حدث في التسعينات.

تحصين غير مكتمل

لكن غول يشير في حديثه مع "إيلاف" إلى أن مناعة المساجد الجزائرية ضد فكر الإرهابيين نسبية، بالنظر الى عدم تغطية جميع المساجد بالأئمة الأكفاء.

يقول غول: "المساجد المؤطرة من قبل موظفين رسميين تابعين لوزارة الشؤون الدينية والأوقاف ومتخرجين من المعاهد والجامعات هي حقيقة في حصن منيع من التطرف، لكن تبقى مساجد أخرى غير مؤطرة من قبل هؤلاء والتي تمثل 57 بالمائة من المساجد الموجودة بالجزائر ككل".

يدعو غول وزارة الشؤون الدينية إلى "توفير مناصب مالية لتوظيف أئمة جدد يكلفون بتأطير هذه المساجد التي تمثل أكثر من نصف مجموع المساجد في الجزائر، ويجب ان يستثنى قطاع الشؤون الدينية من إجراءات التقشف مثلما استثني قطاع التربية من خلال عدم تجميد التوظيف".

وبحسب غول، فإن تجميد التوظيف سيضاعف العجز في التأطير وسيضرب جهود الحكومة في محاربة التطرف.

الشيخ يوسف مشرية الأمين العام لرابطة علماء ودعاة وأئمة دول الساحل يحذر من "وجود خلايا نائمة للفكر المتطرف في الجزائر تظهره بعض تدويناتهم وآرائهم على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي".

يرفض مشرية القول إن الجزائر في مناعة من الفكر المتطرف، مشيرا إلى أن بعض الجزائريين "التحقوا مؤخرا بتنظيمات متشددة في سوريا وليبيا"، على حدّ تعبيره.

ورغم تأكيده على أن دور المساجد وباقي المؤسسات المجتمعية محوري في التصدي للأفكار المتطرفة، غير أن مشرية يرى أن المساجد في الجزائر "لا ترد على شبهات التكفيريين والدواعش والمتطرفين إلا نادرا"، مبينا أنه "لا بد من إظهار مكامن الخطأ ومناقشتها وعدم الاكتفاء بسبهم والتحذير منهم والرد عليهم فقط، خاصة أن الجماعات المتطرفة تستهدف عادة الفئات الهشة التي تعاني البطالة والعجلة داخل المجتمع لإقناعها بنظرتها المتشددة".

سد الفراغ

لمحاربة استعمال المساجد لأغراض أخرى، تسعى وزارة الشؤون الدينية الجزائرية إلى سد غياب نشاطات داخل المساجد من خلال تنظيم محاضرات& يقدمها الأئمة وإقامة حلقات دينية تحت إشراف الإمام.

يقول الإمام جمال غول لـ"إيلاف" إن "الحلقات الخاصة لا تكون إلا بترخيص من الإمام والوزارة تعمل على سد الفراغ داخل المساجد عبر إقامة دروس بين صلاتي المغرب والعشاء لان الطبيعة لا تقبل الفراغ، وسوف يساهم ذلك في حماية المسجد من استغلاله لأمور مشبوهة".

وأشار إلى أن "اختيار مواضيع الدروس ترجع إلى تقديرات الإمام إلا في بعض المناسبات التي تكون عبر توجيه من مديرات الشؤون الدينية الولائية".

تكوين وتنسيق

يشدد جمال غول على ضرورة التكوين المستمر للائمة في التعامل مع القضايا الجديدة التي يعيشها المجتمع، مشيرا إلى أن المجلس الوطني المستقل لأئمة المساجد الذي يرأسه رفع هذا المطلب إلى الوزارة ودعاها إلى إعادة النظر في "التكوين الأعرج" الموجود حاليا من خلال التطرق إلى مواضيع آنية تسمح للإمام بان يكون في خدمة المجتمع كما يجب.

وبدوره، يشدد الشيخ يوسف مشرية على أهمية التكوين المستمر للأئمة للتكيف مع الظواهر الجديدة التي يعيشها المجتمع.

ويرى مشرية انه بات من الضروري التنسيق بين دول الساحل لمواجهة أفكار التطرف، بالنظر إلى ان دولا كنيجيريا ومالي وغيرها لا تتوفر على وزارات وصية على المساجد، بل ان كل من يملك المال باستطاعته بناء جامع وفتحه ما سهل استغلالها من قبل متطرفين.

ويسرد مشرية لـ"إيلاف" زيارته الأخيرة إلى نيجيريا أين زار مناطق كونو وسوكوتو والتقى علماء هناك تحدث معهم على ضرورة التنسيق بين أئمة دول الساحل، والتعاون في تكوين الأئمة والمشرفين على المساجد وتبادل الخبرات بما أن خطر التطرف يهدد المنطقة ككل.

يضيف: "لقد أبدوا رغبة في الاستفادة من تجربتنا في مكافحة التطرف والخضوع لتكوين في هذا المجال".

مؤسسة للفتوى

وبهدف التصدي للفتاوى القادمة من جهات قد يجهل مصدرها، تعمل وزارة الشؤون الدينية الجزائرية على أنشاء "مؤسسة الفتوى الجزائرية" التي ستنوب عن المجلس العلمي الوطني الذي يتولى حاليا إصدار الفتاوى في مختلف القضايا المستجدة التي تطرح في الجزائر.

وذكر وزير الشؤون الدينية والأوقاف محمد عيسى في تصريحات سابقة أنه سيتصل برجال وعلماء المجلس الإسلامي الأعلى للبحث والتشاور حول "مؤسسة الفتوى الجزائرية" التي ستضطلع بالإجابة عن الأسئلة التي تطرح عليها من طرف رئاسة الجمهورية، وأيضا على الانشغالات المطروحة من طرف المجلس العلمي الوطني.