قبل أشهر عدة، كان الكثير من المتابعين للانتخابات الرئاسية الاميركية ينظرون إلى موضوع ترشح الملياردير وقطب العقارات دونالد ترامب، إلى الإنتخابات، على أنه مجرد مزحة تضفي بعضًا من الرفاهية على الأجواء السياسية في البلاد.

نيويورك: التوقعات آنذاك كانت تشير إلى ان فورة ترامب ستنتهي مع بدء الإنتخابات التمهيدية داخل الحزبين الديمقراطي والجمهوري، خصوصا وأن الساعين الى نيل ترشيح الأخير لهم باع وتجربة كبيرة، ويكفي ذكر جيب بوش على سبيل المثال، فهو نجل رئيس سابق وشقيق رئيس آخر، وحاكم سابق لولاية فلوريدا ايضا.

مفاجأة صغيرة في البداية
قبيل إنطلاقة الإنتخابات، شكلت إستطلاعات الرأي التي أجرتها شبكات إعلامية أميركية، وشركات خاصة لها مصداقيتها في هذا المجال، مفاجأة صغيرة، وذلك بعدما وضعته الإستطلاعات على رأس قائمة المرشحين، وذلك بعد مناظرات عدة جرت بين الساعين الى نيل ترشيح الجمهوريين.

تقدم ترامب في إستطلاعات الرأي لم يدفع المشككين في موضوع ترشيحه إلى تغيير ارائهم، وكانت هذه الفئة تعتمد بشكل كبير في موقفها على الهفوات التي خلفتها تصريحات ترامب ونظرته الى العديد من الأمور الحساسة بالنسبة إلى الأميركيين.

جهل في السياسة الخارجية
الملياردير اثبت عجزا كبيرا وضحالة فكرية في سياسته الخارجية، فهو لا يعلم من يقود حزب الله وحركة حماس وجبهة النصرة وداعش، وكان رده على سؤال عن هوية من يتزعم هذه المنظمات: "هذا سخيف.. على مستوى اللاعبين الفرديين، بالطبع أنا لا أعلمهم، فلم أقابلهم من قبل، ولم أكن في وضع يخولني لقاءهم، وإذا كانوا لا يزالون هناك، وهو أمر غير محتمل في العديد من الأوجه، ولكن إن كانوا لا يزالون هناك فسأعلم من هم".

وصفة ترامب السحرية للقضاء على داعش، كانت هي الأخرى مثيرة للسخرية، فقد اعتبر ان الطريقة المثلى للتخلص من التنظيم والنظام السوري في وقت واحد، تكون بإشغالهم بمعارك وحروب بين بعضهم البعض.

الخطابات المثيرة للجدل
داخليا لم يكن اداء ترامب افضل، وكانت تصريحاته المهاجمة للمهاجرين غير الشرعيين وللمكسيكيين الذين اتهمهم بالقيام بعمليات قتل واغتصاب ودعوته الى بناء جدار على الحدود الجنوبية، وتلك المناهضة للنساء، ودعوته الى منع المسلمين من دخول الولايات المتحدة ومراقبة المساجد، وايضا التفنن في طرق التعذيب، وفشله في تقديم خطط اقتصادية للداخل الاميركي، تثير غضب شريحة شعبية واسعة لا يستهان بها، وتعزز من ناحية ثانية نظرية المتوقعين بقرب فشله.

مع إنطلاق سباق الإنتخابات التمهيدية في الحزب الجمهوري، اثبت ترامب ان استطلاعات الرأي التي اعطته الاسبقية لم تكن كاذبة، فإنتصر الملياردير في معظم الولايات، وازاح مرشحين عدة كانوا يمنون انفسهم بالتواجد في الصراع النهائي بوجه مرشح الديمقراطيين.

الثلاثاء الثاني الكبير
على أبواب الثلاثاء الكبير الثاني، لم يعد ينافس ترامب حاليًا سوى ثلاثة مرشحين، جون كاسيتش حاكم اوهايو، تيد كروز سيناتور تكساس، وماركو روبيو سيناتور فلوريدا، وحتى الآن نجح ترامب بالحصول على اصوات اربعمئة وستين مندوبا، بينما تمكن كروز من الحصول على ثلاثمئة وسبعين (فاز أمس السبت بولاية وايومينغ)، وحل روبيو ثالثا بمئة وثلاثة وستين صوتا (فاز في واشنطن دي سي امس السبت)، في المقابل تذيل كاسيتش اللائحة بعد حصوله على ثلاثة وستين مندوبا فقط.

مما لا شك فيه فإن الإنتخابات التي ستجري يوم الثلاثاء المقبل في ولايات (فلوريدا وايلينوي وميسوري ونورث كارولينا واوهايو) ستحدد بشكل كبير شكل الصراع الإنتخابي داخل الحزب الجمهوري، خصوصا ان المحافظين في الحزب اعلنوا بصراحة استعدادهم لدعم اي مرشح جمهوري في سبيل منع ترامب من نيل ترشيح حزبهم.

فلوريدا عرين روبيو وامله الأخير
تشكل ولاية فلوريدا، امل ماركو روبيو الأخير في مسيرته الإنتخابية، فسيناتور الولاية الواقعة في جنوب الولايات المتحدة، لم يحقق حتى الآن المرجو منه، خصوصا وانه يتمتع بدعم جماعات الضغط، وقد أدت نتائجه الهزيلة في الولايات السابقة الى دفع العديد من المحافظين في الحزب الجمهوري الى التفكير جديا بدعم تيد كروز.

يوجد في فلوريدا 99 مندوبا، وأعطت استطلاعات الرأي، دونالد ترامب ارجحية للفوز امام منافسيه كروز وروبيو، لكن مع وجود ثقل نسبي لجيب بوش حاكم الولاية السابق، فإن الصراع سيبقى مفتوحا على مصراعيه بين المرشحين حتى موعد إقفال صناديق الإقتراع.

اوهايو: هل تنصف حاكمها؟
اوضاع فلوريدا تتشابه الى حد كبير مع ولاية اوهايو، فحاكم الأخيرة جون كاسيتش يعتبر ان الفوز بولايته يشكل دفعا معنويا لحملته الإنتخابية، وتتضارب استطلاعات الرأي في هذه الولاية، لكن من المتوقع ان ينحصر التنافس فيها بين ترامب وكاسيتش، علما بأن عدد المندوبين فيها يبلغ 66.

صراع ترامب-كروز
وفي ايلينوي (69) مندوبا، والتي تشهدت الغاء ترامب لمهرجان انتخابي له في ولاية شيكاغو، بعد وقوع احتجاجات عنيفة ضده، (قال ان انصار المرشح الديمقراطي بيرني ساندرز اشتبكوا مع انصاره)، فتصب معظم استطلاعات الرأي في مصلحة قطب العقارات وذلك على حساب المرشحين الاخرين.

اما في ولاية نورث كارولينا (72مندوبا) ويقطن الكثير من العرب فيها، فالمنافسة ستكون على اشدها بين ترامب وتيد كروز، رغم ان الاحصاءات واستطلاعات الرأي تعطي تقدما طفيفا لترامب، وفي ولاية ميسوري (52 مندوبا) تشير التوقعات الى امكانية فوز الملياردير ايضا، مع الإشارة إلى ان حوالي ربع الناخبين الجمهوريين لم يحسموا خيارهم بعد، وفي هذه الولاية يفضل عدد كبير من الناخبين الجمهوريين ترحيل جميع المهاجرين غير الشرعيين، وايضا فرض ضرائب اضافية على اصحاب الدخل المرتفع والشركات الكبيرة، وهذه المطالب تتوافق مع ما يطرحه دونالد ترامب، بينما لن تستقطب الإنتخابات في جزر ماريانا الشمالية اي اهتمام كبير، بسبب وجود عدد قليل من المندوبين فيها.

ماذا بعد؟
بالتأكيد لن تكشف انتخابات الثلاثاء الكبير، عن اسم المرشح الجمهوري، لكنها ستحدد بشكل كبير شكل المنافسة والمرشح الذي سيكمل المشوار في انتخابات الجمهوريين التمهيدية بمواجهة ترامب، خصوصا ان المواجهة ستتخذ شكلا آخر في ولايات تحوي على عدد كبير من المندوبين مثل كاليفورنيا (172) مندوبا، بنسيلفانيا (72)، نيويورك (95)، وغيرها، وجدير بالذكر ان الساعين الى نيل ترشيح الحزب الجمهوري بحاجة الى الحصول على اصوات 1237 مندوبا لنيل شرف تمثيل الحزب في مواجهة المرشح الديمقراطي.